بعد مضي قرن على إلغاء الخلافة العثمانية التي سطرت أروع الأمجاد ورسمت معالم الحضارة الإسلامية في كل أرض شملتها تلك الخلافة، ومن بينها مناطق واسعة بشرق القارة السمراء، حيث حظي عدد من دول القرن الأفريقي بوصول الحضارة العثمانية إليها، ومن بينها بلاد الحبشة قديماً (إثيوبيا وإريتريا حالياً).
كيف بدأت العلاقة؟
يقول الباحث والأكاديمي الإثيوبي فتح الباري محمد نور: إن وصول العثمانيين إلى شرق القارة السمراء كان بهدف الحماية والمؤازرة، إذ إن هذا التمدد العثماني كان بهدف حماية المنطقة من تهديدات وأطماع أوروبا، وخاصة البرتغال، للوصول إلى المحيط الهندي.
والباحث نور، الذي تحدث لـ«المجتمع»، مفاخراً بذلك التاريخ العميق في ذاكرة مسلمي إثيوبيا، يرى أن العثمانيين بذلوا النفس والنفيس في الذود عن الإسلام والمسلمين بعد أن أصبح التهديد البرتغالي وشيكاً على المسلمين من المحيط الهندي حتى سواحل شرق أفريقيا.
وقال: إن أوروبا آنذاك كانت تراودها فكرة للسيطرة والوصول إلى الهند مصدر ثروات التوابل والبخور عبر فاسكو دي جاما، موضحاً أن المشروع الأوروبي أضحى واقعياً بعد استيلائهم على سواحل الشرق الأفريقي والبحر الأحمر ثم مهاجمتهم المتكررة للسفن المبحرة وقوافل الحجيج.
واستدرك قائلاً: لكن الرد العثماني كان أسرع بكثير عما توقعوه؛ فبسطت الدولة العثمانية نفوذها لحماية العالم الإسلامي، فضموا بلاد الشام والحجاز ثم اليمن ليصبحوا على مرمى حجر من الحبشة.
هكذا بدأت قصة وصول الحضارة العثمانية إلى بلاد الحبشة، التي كانت تنقسم يومئذ إلى ممالك نصرانية في الشمال وإسلامية في الشرق والجنوب؛ ما أعطى نفوذاً للبرتغال عندما استعان المسيحيون بهم للقضاء على الإسلام والمسلمين وخاصة تلك الدويلات الإسلامية التي كانت تزدهر يوماً بعد آخر، وفق نور.
وأضاف أن هذا التمدد البرتغالي المناصر للمسيحية في المنطقة دفع العثمانيين أيضاً إلى أن يمدوا يد العون لمسلمي الحبشة للدفاع عن أنفسهم، وتوطدت تلك العلاقة تحت مسمى حبشة إيلات؛ أي مقاطعة الحبشة، وهي الرابعة في منطقة البحر الأحمر بعد كل من مصوع في إريتريا، وزيلع في الصومال، وسواكن في السودان.
وتابع نور أن أول تلك العلاقة غير المباشرة كانت عندما قدم والي زبيد التابع للعثمانيين مساعدات عسكرية إلى الإمام أحمد بن إبراهيم، ثم أتبع ذلك بعد عقدين من الزمن من خلال السلطان سليمان، وابنه عثمان، ثم السلطان سليم الثاني، ثم السلطان مراد الثالث.
وشدد على أنّ الدولة العثمانية كانت لا تنظر إلى شرق القارة الأفريقية نظرة استغلال أو طمع في ثرواتها، إنما تصب جل اهتمامها على مساعدة الدول الواقعة في تلك البقعة الجغرافية.
أثر سقوط الخلافة على مسلمي الحبشة
بلا شك أن سقوط دولة بحجم الخلافة العثمانية كان له أثر على المناطق التي كانت تحت سيطرتها، ومن هذه المناطق بلاد الحبشة؛ وهي إثيوبيا الحديثة، وتطرق الباحث الإثيوبي إلى الأثر المترتب على إلغاء الخلافة العثمانية على مسلمي إثيوبيا، وقال: إن تواجد الدولة العثمانية في أرض الحبشة كان له أثر إيجابي على مسلمي إثيوبيا، خاصة أن التمدد العثماني كان بهدف حمايتهم ومناصرتهم، مؤكداً أن مسلمي إثيوبيا تأثروا بسقوط الخلافة العثمانية، وفقدوا الكثير من الحماية والدعم الذي كانوا يتمتعون به، في المقابل ونتيجة لإلغاء الخلافة، تزايد نشاط المؤسسات التنصيرية وسط المسلمين في إثيوبيا.
واعتبر نور أن الدور الذي تقوم به الحكومة التركية حالياً هو امتداد لما كانت تقوم به الخلافة العثمانية سابقاً.
أبرز المعالم والمحطات
من أبرز المعالم التركية القديمة القنصلية العثمانية التي لا تزال تحمل في طياتها الكثير من العمق التاريخي بين الأتراك ومناطق من شرق إثيوبيا، وقال: إن تركيا تولي شرق إثيوبيا عناية خاصة لإبراز علاقتها القديمة مع إثيوبيا، وذلك من خلال ترميم الآثار فيها مثل القنصلية العثمانية في مدينة هرر شرقي إثيوبيا.
وأضاف أنّ تركيا وإثيوبيا تتمتعان بعلاقات تاريخية عميقة، موضحاً أنّ أول قنصلية تركية في الأراضي الإثيوبية تأسست عام 1912م في العهد العثماني، وأنّ تاريخ تأسيس السفارة التركية في أديس أبابا يعود إلى عام 1926م، بينما تمّ إنشاء السفارة الإثيوبية في أنقرة عام 1933م.
ويعود تاريخ مبنى القنصلية العثمانية، الذي يتكون من مكتبة ومتحف وقاعة اجتماعات وكافتيريا وأماكن الاستقبال والاستراحة، إلى الفترة بين عامي 1875 و1885م، وقد افتتحت تركيا أول قنصلية عامة لها، خلال العهد العثماني، في هرر عام 1912م.
تركيا الحديثة
وتناول امتداد العلاقات التركية مع إثيوبيا الحديثة وتجددها، وقال: إن العلاقات الدبلوماسية التركية الإثيوبية الحديثة تجددت في العام 1896م بين الإمبراطور منيلك الثاني، والسلطان عبدالحميد الثاني، حيث افتتح الأخير القنصلية العثمانية في هرر عام 1912م، التي لا تزال شامخة تحكي عن تلك العلاقة العميقة المتجذرة، قبل أن ترتقي العلاقات الثنائية إلى مستوى السفارة عام 1926م، فيما افتتحت إثيوبيا أول سفارة لها في تركيا في عام 1933م.
وأشار الى أنه في عهد ليج إياسو الذي حكم بين عام 1913 – 1916م كان لإثيوبيا علاقة وطيدة مع الخلافة، حيث حضر الملك في البعثة التركية بأديس أبابا عام 1915م بمناسبة عشاء ليهنئ بمولد السلطان التركي آنذاك، كما تحالف الملك في الحرب العالمية الأولى مع الأتراك، وفي عام 1931م شاركت تركيا في تنصيب هيلي سلاسي كملك لإثيوبيا.
واستعرض الحضور التركي بإثيوبيا في مجال التعليم عبر المدارس التركية والمنح الدراسية في الجامعات التركية للإثيوبيين المنحة الحكومية الممولة بالكامل، بجانب دور الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، وIHH»» للمساعدات الإنسانية، والشؤون الدينية في تركيا التي تقدم المساعدات العاجلة للمتضررين، كما تقوم باستضافة العلماء.