تنزانيا هي اتحاد بين تنجانيقا الواقعة داخل القارة الأفريقية جهة الشرق التي استقلت عن بريطانيا عام 1961م، وجزيرة زنجبار الواقعة في شرقها بالمحيط الهندي التي انضمت إليها لتكونا سويًا جمهورية تنزانيا الاتحادية عام 1964م، وهي دولة تتكون من 61 إقليمًا، مساحتها 947.3 كم2، ويبلغ عدد سكانها 61.7 مليون نسمة تقريبًا، يشكل المسلمون في تنزانيا بين 30 و40% من عدد السكان، بينما يشكلون أكثر من 97% من سكان زنجبار(1)، وعاصمتها الثقافية دار السلام، وكانت عاصمة إدارية أيضًا إلى أن حلت دودوما محلها عام 1974م.
وتاريخ الإسلام في هذه الدولة قديم، وقد بدأ منذ القرن الأول الهجري حين هاجر العمانيون إلى الشرق الأفريقي وأسسوا به عدة ممالك، وبقي وجودهم في زنجبار حتى عام 1964م عندما أطاح الأفارقة المحليون بآخر سلاطينها جمشيد بن عبدالله البوسعيدي وحكومته، وانحسر بعد ذلك المكون العربي في تنزانيا، فقلّ عدد السكان المسلمين شيئًا فشيئًا بعدما كانوا في الثمانينيات يشكلون 90% من السكان(2)، وإن بقي فيها المكون الثقافي العربي عمومًا والديني الإسلامي خصوصًا يشكل حضورًا مهمًا.
وأبرز مثل لذلك الكتاتيب القرآنية التي تنتشر في سائر أنحاء تنزانيا، وفي حوار مع الشيخ أحمد صادق، مدير مدرسة ابن عباس بدار السلام، تعرفنا على حال التعليم الإسلامي هناك.
ما حال التعليم الديني في تنزانيا والمدارس الإسلامية فيها؟
– هناك مدارس إسلامية نظامية، على غرار المدارس الخاصة في البلاد العربية، وهي حكومية، لكنها تدرس مناهج إسلامية مع المواد العادية، وتسمى «school» بالإنجليزية هكذا، وهناك كتاتيب قرآنية يدخلها طلاب المرحلة الابتدائية، وهذه يسمونها في تنزانيا مدارس، فكلمة «مدرسة» بالعربية هكذا تعني هنا مدرسة قرآنية؛ أي الكُتَّاب، وهي مثل «الخَلوة» المنتشرة في سائر البلاد الأفريقية.
وهذه المدارس تنقسم إلى قسمين؛ الكتاتيب للأطفال الصغار، ومعاهد على غرار مراكز إعداد الدعاة في البلاد العربية، وهذه مدارس أهلية تُدرّس العلوم الشرعية، يقضي فيها الطلاب اليوم كله، فيأكلون ويشربون وينامون فيها، وهي لجميع المراحل التعليمية؛ الابتدائي والإعدادي والثانوي.
ما طبيعة عمل الكتاتيب الموجودة في تنزانيا؟
– الكتاتيب منتشرة في سائر أنحاء تنزانيا بقدر انتشار الإسلام فيها، حتى إنك تجد في كل قرية كُتَّاباً أو كُتَّابين، يتفاوت عدد الأطفال فيها من 30 إلى 200 طالب، ونستطيع أن نقول: إن المتوسط 70 طالبًا في كل كُتَّاب، وهي كتاتيب بسيطة جدًا، مبانيها رثة، ولأجل أن أهل القرى فقراء فلا يستطيع الطلاب دفع الأموال التي تساعد في تنمية المدرسة، وهي تقوم على حفظ القرآن فقط، ولا تدرس مناهج شرعية أخرى، ولا حتى اللغة العربية، فاهتمامهم بها ضعيف للغاية، ويُتلى على الأولاد بعض الأذكار التي هي من الموروث الديني في أهل هذه البلاد.
وهذه الكتاتيب غرضها عند التنزانيين التبارُك بالقرآن والأذكار، فهي تورث الأولاد منذ الصغر التعظيم الشديد للقرآن الكريم وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم مجتهدون في الحفاظ على هذه المدارس جدًا، حتى إن الطلاب يدرسون صباحًا في المدارس الحكومية، وعندما يرجعون ليرتاحوا قدر نصف ساعة فقط، ثم يذهبون إلى هذه الكتاتيب، فهذه المدارس القرآنية بالنسبة لهم مقدسة غاية التقديس، مثلها مثل المساجد، وهي مكون أصيل في حياة المسلم التنزاني.
ما مدى تأثير هذه المدارس في الطلاب؟
– لها تأثير كبير في نفوسهم بالطبع، فهي تزرع فيهم التعلق بالدين وحب الإسلام، لكن للحق التدين هنا ضعيف؛ لأن القائمين على هذه المدارس -في أغلبهم- حصيلة تعليمهم الشرعي بسيط، ومستواهم في اللغة العربية ضعيف جدًا، فبالتالي يكون الناتج ضعيفًا، فالنتيجة أن الأطفال يصيرون أفرادًا مسلمين لكنهم ضعاف في فهم الدين.
ما الذي يمكن فعله لتنمية هذه المدارس؟
– تحتاج إلى المناهج الدراسية الشرعية، ودورات علمية للمعلمين في تطبيقها، ودعم مادي للمعلمين حتى يستمروا في هذا العمل، فكثير منهم لا يستمر في التدريس عندما تضيق به الحال؛ فيضطر إلى أن يعمل عملًا آخر غيره حتى يسد كفايته في العيش، لا سيما إن كان متزوجًا وعنده أبناء، فإن العائد من التدريس لا يسد حاجاته الأساسية.
وماذا عن مدرستك أنت؟
– مدرسة ابن عباس في دار السلام، معظم طلابها من أولاد الجاليات الأجنبية المستوطنين هنا، من عرب يمنيين، وهنود وغيرهم، وهي لتدريس القرآن الكريم واللغة العربية والعلوم الإسلامية(3)، لكن لا تستطيع أن تقيس عليها عامة المدارس هنا في تنزانيا، فمستواها ضعيف من حيث الترتيب والنظام والإدارة والنظافة، وهذه هي النسبة الأكبر، ونحن نجتهد لأن تكون عامة المدارس على هذا المستوى التي عليه مدرسة ابن عباس.
________________________
(1) ليس هناك إحصاءات دقيقة لعدد المسلمين في تنزانيا بعد حظر الحكومة ذلك منذ عام 1967م.
(2) الأقليات المسلمة في أفريقيا، سيد عبدالمجيد بكر، ص 109.
(3) وللمدرسة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر كم هي جميلة ونظيفة، ويُقدم فيها للطلاب جهد طيب، بخلاف ما هو سائد في المدارس القرآنية الأخرى في تنزانيا.