أصبح محمد حبيب الرحمن، وهو تاجر أسماك في منطقة ساتخيرا الساحلية النائية بجنوب غرب بنجلاديش، معروفًا الآن في الداخل والخارج باعتباره كاتب أكبر نسخة من المصحف الكريم مكتوبة بخط اليد في العالم.
على بعد حوالي 300 كيلومتر من العاصمة دكا، تعد ساتخيرا واحدة من أكثر المناطق المعرضة للمناخ في البلاد التي تتعرض بشكل متكرر للأعاصير والفيضانات والعواصف وغيرها من الكوارث الطبيعية، حيث ولد ونشأ حبيب الرحمن.
في هذه المنطقة النائية، يعد صيد الأسماك والزراعة المصدرين الرئيسين لكسب العيش لما يقرب من 2.2 مليون شخص، وقد أجبر الارتفاع المثير للقلق في الملوحة بسبب تأثيرات تغير المناخ آلاف الأشخاص على التحول إلى مهن أخرى والهجرة إلى دكا ومناطق أخرى، ولتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية والبقاء على قيد الحياة، يتعين على معظم سكان المنطقة أن يكافحوا كثيرًا، وقد أدى الركود الاقتصادي السائد والارتفاع الكبير في أسعار السلع اليومية إلى جعل حياتهم وسبل عيشهم أكثر صعوبة.
في هذه البيئة، يعيش حبيب الرحمن، هذا الشاب الذي ليس لديه خلفية تعليمية من أي مدرسة إسلامية، ومع ذلك سجل هذا الرقم القياسي بكتابة نسخة أكبر مصحف في العالم بخط يده، عبر رحلة امتدت لسنوات.
بداية القصة
يقول حبيب الرحمن: بعد صلاة التهجد في وقت متأخر من الليل، رأيت في المنام فجأة أنه عُرض عليَّ أن أكون إماماً للصلاة في المسجد الحرام، وعندما شاركت هذه الرؤية مع أحد الشيوخ الذين أثق فيهم، أجابني: إن الله تعالى قد يجعلني أفعل شيئًا صالحًا، وبالفعل بعد أيام قليلة بدأت بكتابة القرآن ذات ليلة.
ويضيف بلهجة عاطفية: لم أكن أتخيل أنه سيكون أكبر مصحف مكتوب بخط اليد في العالم.
مهمة ضخمة
لم يكن من السهل على الإطلاق تحقيق هذا الرقم القياسي في قرية نائية في بنغلاديش، فقد استغرق إنجاز هذا العمل 6 سنوات و8 أشهر و23 يومًا، وخلال هذه الرحلة الطويلة، كان على حبيب الرحمن أن ينفق أكثر من مليون تاكا (العملة المحلية)؛ أي نحو 10 آلاف دولار للقيام بهذه المهمة، إضافة إلى مبلغ شهري 5 آلاف تاكا كإيجار شهري لمنزل لحفظ هذه النسخة من المصحف.
وقال حبيب الرحمن: كشخص متعلم بشكل عام، كان الأمر مستحيلاً بالنسبة له، لكني لم أفقد الأمل أبداً، فقد استعنت بالنسخة المطبوعة لـ6 مصاحف، وقمت بفحص كل حرف من تلك النسخ المطبوعة ثم كتبت في هذا المصحف، وهكذا واصلت عملي، قضيت الليالي والأيام مع القليل من الراحة.
وأضاف: لقد عقدت العزم على إنهاء هذا العمل بأي ثمن؛ لأنني اعتقدت أن الله عز وجل اختارني لهذا العمل، وكان ذلك رحمة كبيرة لي من الله، نعم في الكتابة عادة ما يقول الناس كلمة بكلمة، ولكن في هذا المصحف كان حرفاً بحرف.
مقاسات المصحف
يبلغ طول هذا المصحف 11 قدماً (335 سنتيمتراً)، وعند إغلاقه يكون عرضه 8 أقدام (264 سنتيمتراً)، وعندما يكون مفتوحًا بالكامل، يبلغ عرضه 528 سنتيمتراً، ووزنه 405 كيلوجرامات.
لكتابة هذه النسخة من المصحف تم استخدام 660 علامة دائمة بـ4 ألوان، وتم تصميم الهوامش باسم الله «الله»، وتم استخدام كلمة «الله» ما يقرب من 400 ألف مرة، إجمالي صفحات الكتاب 142 صفحة.
عرضه للزوار
يضع حبيب الرحمن المصحف أحيانًا في مسجد قريب لعرضه للزوار، حيث يجتمع السكان المحليون بالإضافة إلى العديد من الأشخاص الآخرين من مختلف أنحاء البلاد في منطقة بالاشبور لرؤية أكبر مصحف مكتوب بخط اليد بأعينهم، وبعد مشاهدته عبر الكثيرون عن نشوتهم، وشكرهم للكاتب على هذا الجهد وتسجيله رقماً قياسياً عالمياً بكتابة المصحف الشريف.
من جانبه، قال أحمد شاه مسعود، أحد سكان بالاشبور: إنهم محظوظون بوجود مثل هذا السجل في منطقتهم، فهناك الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم بمناطق مختلفة، يمكنهم معرفة هذه النسخة الأكبر من القرآن المكتوبة بخط اليد من خلال وسائل الإعلام، لكن لا يمكنهم رؤيتها أو لمسها مباشرة، لكننا محظوظون جدًا لأننا نستطيع القيام بذلك، عندما أفكر في الأمر، أشعر بالعاطفة الشديدة.
يجتمع الناس من جميع الأعمار ومن جميع مناحي الحياة لرؤية أكبر نسخة مكتوبة بخط اليد من القرآن، يأتون من المناطق البعيدة لرؤيته، فشعب بنجلاديش (170 مليون نسمة) ذات الأغلبية المسلمة عاطفيون للغاية بشأن القرآن الكريم، معظمهم ليسوا متعلمين تعليماً عالياً، لكنْ لديهم حب فطري للدين، فمكانة القرآن فوق كل شيء.
من بين الزوار شهيدة بيجوم (80 عاماً)، جاءت من قرية مجاورة سيرًا على الأقدام فقط لرؤية أكبر مصحف مكتوب بخط اليد، ووقفت في زاوية المسجد متكئة على كتف آخر وتنظر إلى القرآن دون أن تطرف، وقالت: إنه كان من دواعي سروري أن أرى مثل هذا المصحف الكبير، أشعر أنني بحالة جيدة جدًا لرؤيته، قلبي مملوء بالسلام الآن، إنه شعور لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات.
معرض عالمي
يحلم حبيب الرحمن بعرض هذا المصحف بطريقة يمكن للناس من جميع أنحاء العالم رؤيته، ولهذا الغرض طلب من السلطات المعنية في أي دولة إسلامية مثل تركيا أو مصر أو أي دولة عربية أن تأخذ هذا المصحف وتضعه في متاحفها حتى يمكن عرضه بسهولة أمام المجتمع العالمي.
وقال: يجب أن يوضع في المكان المناسب حتى يراه الناس، لقد تمنيت منذ زمن طويل أن يتم الحفاظ عليه من قبل أي دولة عربية للمعرض العالمي.
بدورهم، يشعر العلماء المسلمون المحليون أيضًا أن مثل هذا المصحف هو رسالة للعالم أجمع حول أهمية وكرامة المصحف، فإذا كان متاحًا للناس في جميع أنحاء العالم، فسوف ينجذب إليه الناس ويدرسون هذا الكتاب المقدس، وبذلك سيكون له دور فعال جداً في نشر الإسلام.
وقال حافظ محمد شهيد الإسلام، وهو إمام جامع بالاشبور، وهو المسجد المحلي الذي يضع فيه حبيب الرحمن أحيانًا المصحف المكتوب بخط اليد لعرضه للناس: إنه ثبت مرة أخرى أن الله يحفظ هذا القرآن، وأرى دليلاً آخر على ذلك من خلال هذا العمل الذي قام به شاب في منطقة نائية كان حتى خارج نطاق الخيال.