خلق الله عز وجل الإنسان وجبله أن يكون اجتماعياً لا يعيش بمفرده ولا يستطيع، فكان لزاماً عليه منذ بدء الخليقة أن يتعاون مع غيره من بني آدم لتتيسر الحياة وتستقيم، فكل منهم له مهمة يكمل بها مهمة الآخر لتكتمل الحياة، والإنسان بمفرده لا يستطيع أن يفعل كل شيء، ويقوم بكل المهام.
وبما أن شريعة الإسلام هي الشريعة الخاتمة للإنسانية، فقد تبنت كافة القيم الإنسانية النبيلة والضرورية لاستمرار الحياة، ومن هذه القيم كانت قيمة التعاون.
وقد جاء الخطاب القرآني مقدماً دائماً بصيغة الجمع وليس الفرد، مثل قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا»، «يا أيها الناس»، «يا بني آدم»، وقال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2)، يقول ابن كثير: يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم(1).
وقال عز وجل: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103)، قال السعدي: فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالإجماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى(2)، والآيات التي تحض على قيمة التعاون على صالح البشر كثيرة.
ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حث على قيمة التعاون في القليل والكثير، القليل بالزاد، والكثير بالدابة التي هي السيارة في عصرنا هذا، فقال عليه الصلاة والسلام: «من كان عنده فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد، فليعد به على من لا زاد له» (رواه مسلم)، وشبه عليه الصلاة والسلام المؤمنين في تعاونهم وعلاقاتهم ومودتهم بالجسد الواحد فقال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه البخاري ومسلم).
وحتى الخدم، لم يتركهم النبي عليه الصلاة والسلام نهبة لتصرفات مخدوميهم فقال: «لا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم» (رواه البخاري ومسلم)، فأي رحمة تلك التي تهتم بمشاعر الخدم وتأمر بمعاونتهم على أعمالهم إلا لأهمية ذلك الخلق في الإسلام لإصلاح شأن الأمة واستمرارية ريادتها!
وفي الأجر العظيم الذي ينتظر من أعان مسلماً، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (رواه مسلم)، قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك»(3).
وهناك عدة محطات نتوقف عندها لتبيين حقيقته وما يتعلق به:
أولاً: فوائد التعاون:
– استفادة كل فرد من خبرات وتجارب الآخرين في شتي مناحي الحياة.
– إظهار القوة والتماسك.
– تنظيم الوقت وتوفير الجهد.
– ثمرة من ثمرات الأخوة الإسلامية.
– رفع الظلم عمن وقع عليه.
– حماية الفرد.
– تقاسم الحمل وتخفيف العبء.
– سهولة التصدي لأي أخطار تواجه الإنسان ممن حوله.
– سهولة إنجاز الأعمال الكبيرة التي لا يقدر عليها الأفراد.
– القضاء على الأنانية وحب الذات.
– من أهم ركائز النجاح والتفوق.
– من ثمار الإيمان.
– سبب نيل تأييد الله.
– سبب نيل محبة الله ورضاه.
– يجعل الفرد يشعر بالسعادة.
– يزيل الضغائن والحقد والحسد من القلوب.
– يساعد الفرد على بذل المزيد من الجهد والقوة.
– يساعد على سرعة التنفيذ.
– يسرع من عجلة التطور العلمي والتقدم التقني.
– يولد سلامة الصدر ويكسب حب للآخرين.
– يؤدي بالفرد إلى الإتقان في العمل.
– يولد لدى الفرد الشعور بالقوة.
– يحقق أكبر الاستثمارات.
– استغلال الملكات والطاقات المهدرة الاستغلال المناسب لما فيه مصلحة الفرد والمجتمع.
ثانياً: أقسام التعاون:
ينقسم التعاون إلى قسمين:
1- تعاون على البر والتقوى.
2- تعاون على الإثم والعدوان.
قال ابن تيمية: «فإن التعاون نوعان؛ الأول: تعاون على البر والتقوى: من الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين، فهذا مما أمر الله به ورسوله، ومن أمسك عن خشية أن يكون من أعوان الظلمة فقد ترك فرضاً على الأعيان، أو على الكفاية متوهماً أنه متورع، وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع، إذ كل منهما كف وإمساك.
والثاني: تعاون على الإثم والعدوان، كالإعانة على دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو ضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك، فهذا الذي حرمه الله ورسوله، نعم، إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق، وقد تعذر ردها إلى أصحابها، ككثير من الأموال السلطانية، فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور، ونفقة المقاتلة، ونحو ذلك: من الإعانة على البر والتقوى»(4).
ثالثاً: آثار التعاون على الإثم والعدوان(5):
– تقلب نظام المجتمع وتساعد على فساد الذمم.
– تفتح أبواب الشر وتطمس معالم الحق.
– تنبئ عن خسة صاحبها ودناءة نفسه.
– دليل كامل على ضعف الإيمان وقلة المروءة.
– تساعد على الطغيان.
– إذا تحققت في مجتمع كانت سبباً في خرابه.
– تضيع الحقوق، وتصل لغير أهلها ومستحقيها.
رابعاً: صور من التعاون:
للتعاون صور كثيرة نذكر منها ما يلي:
– التعاون على تجهيز الغازي.
– التعاون على دفع الظلم.
– التعاون في الثبات على الحق والتمسك به.
– التعاون في الدعوة إلى الله.
– التعاون في تزويج العزاب.
– التعاون في طلب العلم والتفقه في الدين.
– التعاون لتفريج كربات المهمومين وسد حاجات المعوزين.
– التعاون مع الأمير الصالح، وتقديم النصح له ومساعدته على القيام بواجباته.
– التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– التعاون على حل الخلافات والنزاعات التي تقع في وسط المجتمع المسلم.
– التعاون في إقامة الحدود وحفظ أمن البلاد.
– معاونة الخدم والضعفاء.
خامساً: موانع اكتساب التعاون:
– التعصب والحزبية.
– اتباع الأوهام والشكوك في مدى جدوى هذا التعاون والاستفادة منه.
– الأنانية، وعدم حب الخير للآخرين.
– تعذر الفرد بانشغاله وكثرة أعماله.
– تنافس الأفراد.
– محبة الصدارة والزعامة وغيرها من حظوظ النفس.
– الحسد للآخرين.
– سوء الظن بالآخرين.
– عدم التعود على التعاون.
– الكبر على الآخرين، وتوهم الفرد أنه أعظم من غيره.
– الكسل.
– النظر في التجارب الفاشلة لبعض حالات التعاون الشاذة.
سادساً: الأسباب المعينة على اكتساب خلق التعاون:
هناك العديد من الطرق والسبل التي تعمل على تقوية التعاون وتثبيته بين المؤمنين، ومن ذلك:
– التعارف.
– معرفة المسلم لحقوق المسلم عليه.
– احتساب الأجر.
– تنمية الروح الجماعية.
– فقه الواقع.
– تطهير القلب من الأمراض.
وقد كان ديدن الأنبياء والمرسلين جميعاً التحلي بخلق التعاون في تبليغ رسالات ربهم وتكليفاته سبحانه وتعالى لهم، ويأتي نموذج سيدنا إبراهيم في بناء الكعبة يستعين بابنه إسماعيل عليهما السلام فيعينه ثم دعَوَا الله تعالى: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 127)، وهذا سيدنا موسى يطلب من ربه عوناً من أخيه فيقول: (وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي {29} هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه)، والمواقف في حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا تعد ولا تحصى، وغيرها الكثير من الأمثلة في التاريخ التي لا يمكن حصرها.
_______________________
(1) تفسير القرآن الكريم (2/ 12).
(2) تيسير الكريم الرحمن، ص 141.
(3) شرح الأربعين النووية (1/ 119).
(4) السياسة الشرعية، ص40.
(5) نضرة النعيم (8/ 4209).