لقد فرض الله الجهاد على المسلمين، وجعله أمارة على قوة الإيمان ورسوخ القدم في الدين، حيث قال الله عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216)، وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (الحج: 78)، ولفريضة الجهاد في الإسلام أهداف متعددة، منها:
أولاً: إعلاء كلمة الله ونشر دينه:
إن الجهاد يجسّد صورة الجهد المبذول من أولياء الرحمن ضد أولياء الشيطان، لتكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، قال تعالى: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 40)، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا، فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
ثانياً: حماية الدعوة والدعاة:
الجهاد يسهم في حماية الدعوة من الطعن فيها، وحماية الدعاة الذين يبلغونها، وتأديب من يتعرض لهم بسوء، فقد كان من أسباب غزوة «مؤتة» الانتقام من قاتل سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي، فقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرسل الوفود، والرسل إلى الأراضي المجاورة بعد صلح الحديبية؛ حتى يدعوهم إلى الإسلام، ويعرّفهم به، وكان من ضمن الرُّسل المرسلة إلى الأقوام والقبائل الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي، الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير بُصرى، وحينما وصل الحارث إلى أرض البلقاء في الشام، أسره شرحبيل بن عمرو الغسّاني، وهو مستخلف من القيصر في تلك البقاع، فاعتقله، وشدّ وثاقه حتى قتله على الرغم من أنّ قتل الرسول يُعَدُّ من الجرائم العظيمة التي تُسَبِّبُ إعلان الحرب، فلمّا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر قتل الحارث، غضب غضباً شديداً، وأمر بتجهيز جيش؛ لقتال الروم، والأخذ بثأر الحارث رضي الله عنه(1).
ثالثاً: توفير الحرية للناس:
قرر الإسلام إعطاء الحرية للناس في اختيار الدين الذي يرتضونه، دون إكراه أو فتنة في أموالهم وأنفسهم، قال تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)، وقال عز وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: 39)، وقال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
رابعاً: حماية المستضعفين وتأمينهم:
إن المستضعفين لا قدرة لهم على القتال، ولا قدرة لهم على الدفاع عن أنفسهم، ولهذا فرض الله الجهاد على القادرين عليه، من أجل حماية إخوانهم والدفاع عنهم، وهذا هو التكافل الأمني، الذي يتكافل فيه الأقوياء على حفظ أمن الضعفاء، لصد كل معتد، وقتال كل عدو يطمع في ضعف هؤلاء وأذيتهم.
وفي هذا يقول الله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء: 75)، قال الإمام الرازي: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ) يدل على أن الجهاد واجب، ومعناه أنه لا عذر لكم في ترك المقاتلة وقد بلغ حال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي لها صار القتال واجباً، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة؛ لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير(2).
خامساً: الدفاع عن الأنفس والأموال والأولاد:
المسلم لا يعتدي على غيره، لكنه يجاهد في سبيل الله دفاعاً عن نفسه ودينه وماله وأهله ووطنه، حيث قال الله عز وجل: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
سادساً: المحافظة على هيبة الدولة وحماية سيادتها:
حفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والأجيال المتتابعة من بعدهم هيبة الدولة الإسلامية، ووسعوا رقعتها، فهزموا أكبر دول العالم، دولة الفرس ودولة الروم، وبسطوا نفوذ دولتهم عليها، فأخضعوا بلاد الشام والعراق والحبشة وغيرها للحكم الإسلامي، وقد كانت الدولة الإسلامية خلال القرون العديدة مرهوبة الجانب محرمة الحمى، تتنافس الدول في جلب ودها(3)، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).
سابعاً: القيام بالواجب الشرعي الذي فرضه الله:
فرض الله الجهاد على المسلمين، فقال: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، وقال عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29).
ثامناً: الحصول على الأجر العظيم والثواب الجزيل:
إن الجهاد له فضل عظيم وثواب جزيل، فالمجاهدون هم المؤمنون، حيث قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات: 15)، والجهاد هو ذروة سنام الإسلام وأعلى مراتبه، حيث روى النسائي عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يوماً: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ»، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».
تاسعاً: المحافظة على الوحدة الإسلامية:
يُساهم الجهاد في توحيد المسلمين وتقوية أواصر الأخوة والتعاون بينهم، حيث يتكاتفون في مواجهة عدوهم، ويحرصون على إزالة ما بينهم من خلافات، فالوحدة الإسلامية ركيزة أساسية من ركائز المجتمع القوي، وأداة فاعلة في تحقيق الانتصار، وعندما أمر الله بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاطب المسلمين بلفظ الأمة في دلالة على وحدتها وتجمعها، فقال عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
عاشراً: توفير الحياة الاقتصادية الكريمة للمجاهدين:
إن الجهاد يوفر العزة للمؤمنين، والتوسعة عليهم في الرزق، مع أنهم خرجوا لطلب رضا الله وحده، دون الطمع في الغنيمة، لكن الله تعالى يفيء عليهم غنائم كثيرة، تعود عليهم وعلى أسرهم ومجتمعهم بالخير والرخاء، ففي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي».
إن فريضة الجهاد في سبيل الله تهدف إلى إرضاء الله عز وجل وطاعته وتحصيل الأجر والمثوبة، وتحقيق العزة والسعادة في الدنيا والآخرة.
_________________________
(1) الطبقات الكبرى، ابن سعد (4/ 255).
(2) مفاتيح الغيب، الرازي، (10/ 141).
(3) روضة المشتاقين إلى حقيقة الجهاد والمجاهدين، د. بدوي زلهف، ص 342.