انتقد كينز نظرية المدرسة الرأسمالية التقليدية لسعر الفائدة، التي ترى وجود علاقة طردية بين سعر الفائدة وحجم المدخرات، مبيناً أن الادخار يتوقف على مستوى الدخل وليس سعر الفائدة، بل يقرر أن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى عرقلة الاستثمار، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الدخل، وبالتالي تناقض المدخرات، وهو بذلك يبرز وجود علاقة عكسية غير مباشرة بين الفائدة والادخار، ويهدم المنطق الذي ذهبت إليه المدرسة التقليدية.
كما أثبت مجموعة من الاقتصاديين والباحثين بجامعة أكسفورد أن سعر الفائدة أداة ضعيفة في بناء النماذج الاقتصادية؛ وبالتالي فهي قليلة الفعالية في التحليل الاقتصادي وتفسير المتغيرات والظواهر الاقتصادية.
ويرى هابرلر أن «نظرية الفائدة كانت لمدة طويلة نقطة ضعف في علم الاقتصاد، ولا يزال تفسير وتحديد معدل الفائدة يثيران من الخلاف بين رجال الاقتصاد أكثر من أي فرع آخر من فروع النظرية العامة».
الغرب لا يخلو من مفكرين يطالبون بالتخلص من سعر الفائدة لما تحققه من أزمات بالاقتصاد
ويذكر موريس آليه، الحائز على جائزة «نوبل» في الاقتصاد، أن كبار المفكرين في علم الاقتصاد، ومنهم في المرتبة الأولى فون بوهم بافرك، وإرفينغ فيشر، وجون مينارد كينز، جهدوا منذ أكثر من قرنين في حل مشكلة الفائدة، إلا أنه بالرغم من تباين الأساليب المستخدمة نلاحظ أن القلق لا يزال مخيماً في الأذهان، وأن أياً من النظريات لم تتمكن من أن تفرض نفسها فرضاً قاطعاً، والصعوبات التي تثيرها مشكلة الفائدة لا تزال آخذة في الازدياد كلما ازداد التعمق في تحليلها ودراستها.
إن مشكلة الفائدة تعدّ في الواقع من أشد المشكلات في علم الاقتصاد، وإن دراستها مفيدة وأساسية قطعاً، فعلى حلها النهائي يتوقف في الحقيقة فهم الاقتصاد في مجمله، ومعرفة التدابير العملية التي يجب اتخاذها في كل سياسة رشيدة.
التخلص من سعر الفائدة
إن الغرب لا يخلو من مفكرين يطالبون بالتخلص من سعر الفائدة لما تحققه من خلق أزمات واختلالات في الاقتصاد وتضخماً وغير ذلك من المتاعب الاقتصادية، والأخذ بنظام المشاركة التي تمثل استثماراً حقيقياً غنماً بغرم وليس استثماراً وهمياً قائماً على الاتجار في النقود، حيث يذكر الاقتصادي الأمريكي سيمونز بأن «الكساد العالمي العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي يرجع إلى تغيرات الثقة الناشئة عن نظام ائتماني غير مستقر، وأن خطر الاضطراب الاقتصادي يمكن تفاديه إلى حدٍّ كبيرٍ إذا لم يتم اللجوء إلى الاقتراض، وإذا ما تمت الاستثمارات كلها في شكل تمويل ذاتي وبالمشاركة».
وكان كينز يرى أن أفضل استخدام للأموال حينما يصل سعر الفائدة إلى الصفر، ويتفق الكثير من الاقتصاديين، وفي مقدمتهم كينز، وسيمونز، وفريدمان (أبو الاقتصاد النقدي)، على أن التقلبات الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي المعاصر ترجع بالأساس إلى التقلبات الطائشة في سعر الفائدة.
ومنذ عقدين من الزمان تطرق الاقتصادي الفرنسي موريس آليه إلى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة «الليبرالية المتوحشة»، واعتبر أن الوضع على حافة بركان ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة)، واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين؛ هما: تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، وتعديل معدل الضريبة إلى نحو 2%، وهو ما يتوافق مع إلغاء الربا، ونسبة الزكاة المقررة في النظام الاقتصادي الإسلامي، بل إنه ذكر أن أحد أهم أسباب ضعف الاقتصاد الرأسمالي يرجع إلى عملية النقود الائتمانية أو خلق نقود الودائع من قبل البنوك التجارية، وطالب بتتبع هذا الخلق وأن تكون هناك رقابة شديدة من قبل البنوك المركزية على عرض النقود.
وقد اقترح م. راوبوتام إصدار مرسوم أو سن قانون يحظر على البنوك الحصول على نسبة فائدة عند قيامها بمختلف التعاملات الائتمانية، على أن تبقى المؤسسات الإقراضية في أيدي القطاع الخاص، بحيث يتم الطلب من المصارف أن تكسب الأموال لا أن تخلقها من العدم، أي أن تحيا على الرسوم والعمولات، مثلما ما تفعله اليوم البنوك الإسلامية.
كما أنه بعد حدوث الأزمة المالية العالمية في العام 2008م، ذكرت صحيفة «الفاتيكان» الرسمية المعروفة باسم «أوسيرفاتور رومانو»، في عدد 6 مارس 2009م، أنه قد تقوم التعليمات الأخلاقية التي ترتكز عليها المالية الإسلامية، بتقريب البنوك إلى عملائها بشكل أكثر من ذي قبل، فضلاً على أن هذه المبادئ قد تجعل هذه البنوك تتحلى بالروح الحقيقية المفترض وجودها بين كل مؤسسة تقدم خدمات مالية.
تطبيق الشريعة الإسلامية
كما دعت كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي كحل للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم، ففي افتتاحية لمجلة «Challenges» الفرنسية، في 11 سبتمبر 2008م، كتب رئيس تحريرها Vincent Beaufils موضوعاً بعنوان «البابا أو القرآن»، تساءل فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ وقال: أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصلت بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود.
حين تعزم الأمة على ملك إرادتها والتخلص من النظام الربوي العالمي ستعود لها حياتها المطمئنة
كما طالب Roland Laskine، رئيس تحرير صحيفة «Le Journal des Fienance» الفرنسية في مقال له في افتتاحية الصحيفة، في 25 سبتمبر 2008م، بعنوان «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟»، طالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.
إن الله تعالى لا يمكن أن يحرم شيئاً ويأذن بالحرب على فاعله ويحقق للبشرية طمأنينة أو استقراراً، فالخبث لا يخرج إلا نكداً، وقد آن لمن غرتهم الحياة الاقتصادية الغربية المزيفة أن يعودوا إلى صوابهم ولا ينخدعوا بالكذبة الكبرى التي تهزم أنفسهم من الداخل وتكسر إرادتهم وتجعلهم أسرى للنظام الرأسمالي، بدعوى استحالة قيام النظام الاقتصادي العالمي على غير الربا أو سعر الفائدة، والخير كل الخير بين أيديهم في المنهج الاقتصادي لربهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وحين تصح النية، وتعزم الأمة على ملك إرادتها بيدها والتخلص من قبضة النظام الربوي العالمي، سوف تعود لها حياتها المطمئنة، وتملأ البركة والسعادة جنباتها، وترفرف رايات التنمية في اقتصادها، من خلال النظام الاقتصادي الإسلامي الرشيد الذي أراده الله للبشرية، الذي طبق فعلاً، ونمت الحياة في ظله، وعرف المجتمع من خلاله نظافة المال وحسن استثماره، وطهارة المجتمع واستقراره.