لكل مجتمع قواعده وقوانينه التي تنظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض، وعلاقة هؤلاء الأفراد كرعية بالحاكم وعلاقة الحاكم بهم، ثم علاقة المجتمع ككل بالآخر، والشريعة الإسلامية لم تترك الأمر لهوى البشر فيظلم بعضهم بعضاً ويتحول المجتمع لغابة يحكمها الأقوى لا الأصلح، والخطاب القرآني لم يترك ثغرة لأحد لتبديل القيم الإسلامية السامية الكفيلة بضمان سعادة الإنسان في الدارين بغيرها من قوانين وضعية وغيرها، فوضع القواعد التي تحدد علاقة المسلم بأخيه المسلم، ثم علاقة المسلم بالآخر في المجتمع الإسلامي، ثم علاقة المسلم بالحاكم والعكس، ومن أهم تلك العلاقات هي علاقة المسلم بربه.
قواعد العلاقات في المجتمع المسلم
عن علاقة الأفراد فيما بينهم يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل، 90)، ويقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء، 58).
فهنا جملة من القوانين التي تندرج تحتها شروح كثيرة لتحقيق كل قانون، فهو مأمور بالعدل، والإحسان، وصلة الأرحام، وتأدية الأمانات، وهو منهي عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، فالفرد عليه واجبات وله حقوق، وأما مبادئ التعامل بين الأفراد:
– مبدأ الأخوة بين المؤمنين: قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، فمنطلق كافة العلاقات بين المؤمنين مبدأ الأخوة بكل ما تحمله الكلمة من مقتضياتها.
– مبدأ المساواة الكاملة بينهم: وفيه قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (متفق عليه)، وقال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» (رواه مسلم).
– مبدأ العدل المطلق: وفيه يقول تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8).
– مبدأ حرية الاعتقاد كعلاقة مع غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي؛ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)، ويقول تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة 8).
– تقدير العهود والمواثيق: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُول) (الإسراء: 34). ويقول عن صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون: 8)، وتبلغ أهميّة ذلك، أنّ القرآن كما يمدح الموفين بالعهد، ويقول: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنقُضُونَ المِيثَاقَ) (الرعد: 20).
– الخطاب القرآني لرسول العالمين: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (الشورى: 15).
– الخطاب القرآني للحاكم: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج: 41).
– الخطاب القرآني لتنظيم العلاقات الاقتصادية بين الأفراد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: 29).
علاقة المسلم بربه
علاقة المسلم بربه يحددها حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن مُعَاذٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا» (رواه البخاري، ومسلم).
علاقة المسلم بأبويه
العلاقة الأسرية أولتها الشريعة اهتماماً خاصاً نظراً لما تحمله المؤسسة الأسرة من خطورة في تكوين المجتمع، فقال تعالى مشدداً على مكانة الأبوين وأنها ملازمة لقضية التوحيد: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء: 23)، وعن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» (رواه مسلم).