يُقال: إن حصانًا بلجيكيًا واحدًا قادر على سحب حوالي 5500 كيلوجرام، ولكن عندما يتم إضافة حصان بلجيكي آخر، فإن الوزن الذي يمكنهما سحبه لا يتضاعف فحسب بل يصل إلى 16 ألف كيلوجرام، هذا المثال يُظهر كيف أن التواجد في بيئة محفزة يمكن أن يدفع الفرد لتحقيق ما هو أكثر مما يتصور، فالبيئة لها تأثير كبير على الأفراد الذين ينشؤون فيها؛ مما ينعكس على تصرفاتهم وسلوكياتهم.
كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..»، هذا الحديث يؤكد أن الإنسان يولد بفطرة سليمة، ولكن بيئته المحيطة هي التي توجهه نحو الدين أو القيم المختلفة؛ ولذلك، نجد الآباء حريصين على اختيار أصدقاء صالحين لأبنائهم، حتى إنهم قد يمنعونهم من الاختلاط مع بعض أفراد العائلة الذين يرون أنهم ليسوا قدوة حسنة.
في أحد المراكز التربوية، رأيت بنفسي كيف أن اهتمام المشرفين بأشياء معينة يؤثر على اهتمامات الطلاب، في البداية، كنت مهتمًا بالخيل، وكنت أتحدث عنها كثيرًا، فبدأ الطلاب يهتمون بها أيضًا، ثم جاء مشرف آخر مهتم بالفنون القتالية، وأصبح الطلاب مهتمين بهذه الفنون، وبعد فترة، أظهرنا أنا وبعض المشرفين اهتمامنا بالكتب والقراءة، فبدأ الطلاب يهتمون بالكتب أيضًا، هذه الأمثلة تُظهر بوضوح كيف أن البيئة المحيطة تؤثر بشكل كبير على اهتمامات وسلوكيات الأفراد.
لنعد إلى مثال الحصان البلجيكي مرة أخرى، وتخيل أن يكون ابنك محاطًا بأشخاص يهتمون بحفظ القرآن، والتفوق الدراسي، والعمل الخيري، وصيام الإثنين والخميس، هذه البيئة تقدم نماذج إيجابية يقتدي بها ابنك، وتساعده على الارتقاء بنفسه، في ظل انشغال الآباء بأعمالهم، قد يكون من الصعب عليهم قضاء وقت كافٍ مع أبنائهم ليكونوا قدوة لهم، ولكن من خلال هذه البيئات الصالحة، يمكن للأبناء أن يتعلموا من عدة نماذج إيجابية بشكل طبيعي وسلس.
هناك تجربة في إحدى الجامعات تُظهر أهمية البيئة المحيطة، حيث وضعوا أحد أشهر عازفي الكمان في محطة قطار مزدحمة، وعزف على كمان يقدر بالملايين، ومع ذلك لم يتوقف لسماعه إلا 4 أشخاص فقط، هذا يُظهر أن وجود الشخص في بيئة لا تقدره قد يجعله غير قادر على تحقيق إمكاناته الكاملة.
أحد المشرفين الذين أثروا فيّ بشكل كبير كان قد قرر في مرحلة ما الابتعاد عن النادي وترك أصدقائه الصالحين، ولكن أصدقاءه في الصحبة الصالحة لم يتركوه، بل قاموا بالاتصال به والذهاب إلى منزله حتى عاد إليهم، هذه القصة تُظهر أهمية الصحبة الصالحة في دعم الأفراد ومساعدتهم على العودة إلى الطريق الصحيح.
ختامًا، كما كانت تقول لي والدتي دائمًا: الصحبة الصالحة هم جنتك ونارك، بالفعل الصحبة الصالحة تأخذ بيد الإنسان نحو طريق الصلاح أو الفساد.