شاع بين أهل الكتاب والعرب في الجاهلية تعظيم يوم عاشوراء (العاشر من المحرم)، فقد استقر فضله بين الناس، فكان يوماً عظيماً لدى أهل الجاهلية، وبين أهل الشريعة اليهودية، بل صامه بعض أنبياء الله ورسله؛ كسيدنا نوح وموسى عليهما السلام.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى فضله على سائر الأيام، ففي الصحيحين عن ابن عباس أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم، يعني يوم عاشوراء(1)، ففي هذا تأكيد على فضل هذا اليوم وتعظيمه.
وثبت عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء، فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»(2)، فإذا كان يوم عاشوراء عظيماً، فكيف تعامل معه النبي صلى الله عليه وسلم عبر تاريخ حياته العظيم؟
للإجابة عن هذا السؤال نقسم تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم في التعامل مع صيام يوم عاشوراء إلى 4 مراحل(3)، هي:
الأولى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء بمكة، ولا يأمر الناس بصومه، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه»(4).
الثانية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول أيام هجرته يصوم يوم عاشوراء ويأمر الناس بصيامه؛ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ورأى صيام أهل الكتاب ليوم عاشوراء وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمَر به، صامه وأمر الناس بصيامه.
وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصوِّمونه أطفالهم، ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»، قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
الثالثة: لما فُرض صيام شهر رمضان، ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء، فمن شاء صام ومن شاء أفطر، ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك ذلك، وكان عبدالله لا يصومه إلا أن يوافق صومه(5)، وفي رواية لمسلم: إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه»(6).
الرابعة: عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على ألا يصومه مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم(7)، وفي رواية له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع مع العاشر»؛ يعني عاشوراء.
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود صوموا قبله يوماً وبعده يوماً(8).
___________________________
(1) أخرجه البخاري (2006)، وأخرجه مسلم (1132).
(2) أخرجه مسلم (1162).
(3) لطائف المعارف، ابن رجب الحنبلي، ص 68.
(4) أخرجه البخاري (2002)، وأخرجه مسلم (116).
(5) أخرجه البخاري (1892)، وأخرجه مسلم (1126).
(6) أخرجه مسلم (1126).
(7) أخرجه مسلم (1134).
(8) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 241).