الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول الله ﷺ وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا رضي الله عنه وأرضاه.
اسمه ونسبه ومولده
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جُندب بن عامر بن غنم بن مالك بن النجَّار الأنصاريّ النضريِّ، وأُمُّه أمُّ سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد من بني النَّجَّار، ويُكنّى أبو حمزة، وجدّهُ النَّجَّار اسمهُ تيمُ الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، وينتهي نسبه إلى قحطان، وأُمّهُ هي أُمُّ أخيه البراء بن مالك، وقد ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: “لَئِنْ لَمْ نَكُنْ مِنَ الأَزْدِ مَا نَحْنُ مِنَ الْعَرَبِ”، أي أنَّه من الأزد، ولد رضي الله عنه بالمدينة، وأسلم صغيراً وكناه الرسول محمد ﷺ بأبي حمزة. خدم الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته وهو ابن 10 سنين، فلقب بخادم الرسول الذي دعا له ﷺ قائلا “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له، وأدخله الجنة” فعاش طويلا، ورزق من البنين والحفدة الكثير.
إسلامه ونشأته وخدمته للنبي ﷺ
وُلِد أنس بن مالك -رضي الله عنه- في الجاهليَّة قبل انتشار الإسلام، وقد كان محصوراً في مكَّة قبل هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومات أبوه بعد الهجرة بقليلٍ بعد أن كان غاضباً من زوجته لإسلامها، فتولّت تربية ابنها أنس بعد موتِ أبيه، وكانت تُعلّمهُ الشهادتين، فعَقِلَها مُنذُ صِغره، وآمن برسول الله ﷺ دون رؤيته، حتَّى جاء ﷺ مهاجراً إلى المدينة، ثم هيأ الله تعالى لأنس رعاية أكرم ومربياً أعظم ، هيأ تعالى له أن يعيش في الكنف الكريم والظلال الحاني الرحيم عندما شرفه الله تعالى بصحبة النبي ﷺ وخدمته والتلمذة له، فكان عليه الصلاة والسلام أباً لأنس ومعلماً ومربياً، وسعد أنس عشر سن وات في ظلال المصطفى ص ثم سعد بقية عمره المديد وهو يعيش ذكريات تلك السنوات العشر، تلك الذكريات التي انطبعت في وجدانه ولم تفارقه في سفر أو حضر ، في عافية أو مرض، في عسر أو يسر، بل ولا في يقظة أو منام، وكان رضي الله عنه خادماً أميناً للنبي ﷺ خدمه أحسن خدمة ولازمه أكمل ملازمة منذ أن هاجر إلى أن توفي ، خدمه سفرا وحضرا سلماً وحربا قال رضي الله عنه: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فقال يا رسول الله إن أنساً غلام كيس، ووثق به النبي رغم حداثة سنه في ذلك الوقت وائتمنه على بعض أسراره فحفها أنس ولم يبح بها لأحد في حياة النبي وبعد وفاته، وكان رضي الله عنه محباً للنبي ﷺ ووفيا له كل الوفاء، يحرص على متابعته واقتفاء أثره.
جهاده
لم يُشارك أنس بن مالك -رضي الله عنه في غزوتي بدرٍ وأُحدٍ؛ لِصِغَرِ سنِّهِ، ولكنَّه حضرها بصفتهِ خادماً للنبيِّ ﷺ وشارك في غزوة الخندق وكان عُمره خمسة عشر سنة، كما شهد صُلح الحُديبية، وبايع مع من بايع تحت الشجرة، وشهد غزوة خيبر، وشارك في حصارها، وتعدّدت أقوال العُلماء بين حُضوره لغزوة مؤتة، كما شهد غزوة حُنين، وبقي مُجاهداً بعد وفاة النبيّ ﷺ فشارك في حُروب الرّدّة في معركة اليمامة، وشهد الحروب في فتح العراق، ومعركة القادسية، وشارك في حصار تستر، وبقي مُجاهداً حتى تُوفّيَ، واتَّصَفَ أنس بن مالك -رضي الله عنه- بكثرةِ عبادته، ولم يمنعهُ ذلك من الاهتمام بِحُسن مظهره، كما كان كثير الخُشوع والخُضوع، وكثير البكاء، وشديد المحبة للنبيّ ﷺ.
علمه
كان أنس رضي الله عنه لبيباً عاقلاً يحسن القراءة والكتابة، وكان كريما شجاعاً رامياً شديد الحب للرسول ولأصحابه الخلفاء الأربعة، إذ انتقل أنس -رضي الله عنه- من الجهاد المُسلَّح إلى الجهاد العلميِّ والفكريِّ، حتى أصبَحَ من كِبار رواة الحديث، وقامت به السُّنَّة؛ لأنه تلقَّاها عن رسول الله ﷺ وحفِظها وتعلَّمها منه، وكان من الحَفَظَة النَّقَلَة للسنَّة؛ لكثرةِ مُلازمته لرسول الله ﷺ وامتداد عُمره، الأمر الذي أتاح له تعليم النَّاس، فقد كان أنس رضي الله عنه من الحفظة النقلة الذين اختارهم الله سبحانه ليكونوا أساتذة الإسلام والأمناء عليه بعد رسول الله، بل كان رضي الله عنه من كبار حفاظهم، فلم يسبقه في رواية الحديث سوى اثنين منهم، ووراء كثرة روايته عاملان: أولهما ملازمته للنبي أثناء خدمته له، وثانيهما امتداد عمره الذي أعطاه فسحة زمنية كبيرة لتعليم السنة وتحفيظها، وفي استقراره في البصرة مكث فيها مدة تزيد على ستين سنة وهو يعلم الناس سنة رسول الله ﷺ وتمكن من خلال هذه المدة من تكوين طبقة من العلماء في البصرة يعتبرون من سادة علماء التابعين ، كان لهم أثر كبير فلي تاريخ الإسلام، منهم: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن جبير وغيرهم.
ولم يقتصر أنس على السنة التي تلقاها مباشرة من النبي ﷺ بل روى قسما آخر عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم وقد حمله حبه للسنة للرحلة في طلبها فإذا سمع حديثاً من تابعي ولم يكن حافظاً لهذا الحديث، بادر مسافراً إلى الصحابي الذي يرويه عن النبي ﷺ ليتلقاه مباشرة.
وقد امتاز رضي الله عنه بحيطته الكبيرة في رواية السنة حذر الخطأ، إذ كان يقتصد في روايته خشة الخطأ ويختم حديثه عن النبي، ويستعين بالكتابة ويأمر بها، وإذا تحدث يعيد كلماته ثلاثاً ليحفظها عن تلاميذه مقتديا بالنبي ﷺ ، ويأمر تلاميذه أن يطبقوا على أنفسهم العلم الذي تعلموه، ويسعى ليغرس في نفوس تلاميذه الثقة به حتى يكتمل انتفاعهم به، لهذا أصبح رضي الله عنه حجة أهل الحق في العراق وقف في وجه أصحاب الأهواء الفاسدة والعقائد المنحرفة، وقد اعتمد على ذخيرته الكبيرة من السنة النبوية الشريفة ليعرف أحكام المسائل التي عرضت له، وكره تفريغ المسائل وتصور أحكام مالم يقع من الحوادث، ولهذا قل اعتماده على استنباط الأحكام بواسطة الاجتهاد، وقد كان يميل فيها إلى جانب التيسير والتسهيل.
وفاته
تُوفّيَ أنس بن مالك -رضي الله عنه- في البَصرة، سَنَةَ ثلاثٍ وتسعين للهجرةِ، وهذا ما ذهب إليه أكثرُ أهل العلم، فَهُم مُتَّفِقُونَ على وفاته بعد التِّسعين للهجرة، وتعدَّدت أقوالهم في تحديد السَّنةِ، فقيل: إحدى وتسعين، وقيل: اثنان وتسعون، والأصحُّ هو أنه تُوفّي سنة ثلاثٍ وتسعين للهجرة، وكان آخر مَن تُوفّيَ من الصَّحابة الكرام في مدينة البَصرة في العِراق، وكان عُمرُه مئةً وثلاث سنوات، وكانت وفاتهُ بقَصْرِهِ، ودُفن على بُعد فرسخين من البصرة، وكانت الناس في مرض موته تقول له: ألا ندعو لك طبيباً؟ فيقول: الطبيب أمرضني، وطلب منهم أن يُلقِّنوه الشَّهادةَ حتى تُوفّيَ وهو يَنطِقُ بها.
كان رضي الله عنه له الدور في خدمة رسول الله والعمل ثم كان له دور في التعليم ونقل سنة رسول الله وإلى جانب ذلكم الدورين لم يترك السيف فقد حمله إلى جانب رسول الله وحمله من بعده مجاهداً محتسباً فكان خادماً عاملاً معلماً سيداً مجاهداً صادقاً وفي كل هذا يبتغي وجه الله فكان قدوة لمن يريد التأسي به، ممن يأتي بعده.