شهر الله المحرّم شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنّة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»(1).
ونستعرض في هذه السطور 4 فضائل لشهر الله المحرم دلت عليها نصوص الوحي الشريف:
1- من الأشهر الحرم:
قال الله عز وجل: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة: 36).
قال القرطبي: خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان(2).
2- الصيام فيه أفضل الصيام بعد رمضان:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ»(3)، وفي ذلك الترغيب من الإكثار من الصيام فيه، وقد اختلف أهل العلم في أفضلية صومه كاملًا أو بعضه، ورجح طائفة منهم صومه من غير استكماله، وذلك لقولِ عائشةَ رضي الله عنها: ما رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استكمَلَ صيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رمضانَ، وما رأيتُه في شهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شعبانَ(4).
3- فيه يوم عاشوراء:
هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله تعالى، وصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»، فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه(5).
وثواب صيامه عظيم، فعن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء، فقال: «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»(6)، وهذا من فضل الله علينا أن جعل صيام يوم واحد يكفر ذنوب سنة كاملة.
4- أفضل الشهور قاطبة حسب ما رجح جماعة من أهل العلم:
وقد رجَّح طائفةٌ من العلماء أن المحرم هو أفضل الأشهر الحرم؛ قال ابن رجب: وقد اختلف العلماءُ في: أيُّ الأشهُرِ الحُرُمِ أفضَلُ؟ فقال الحسَنُ وغيرُه: أفضلُها شهرُ اللهِ المُحَرَّمُ، ورجَّحه طائفةٌ من المتأخِّرين(7).
ويدُلُّ على هذا ما روي عن أبي ذرٍّ قال: سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ اللَّيلِ خيرٌ، وأيُّ الأشهُرِ أفضَلُ؟ فقال: «خيرُ اللَّيلِ جَوفُه، وأفضَلُ الأشهُرِ شَهرُ اللهِ الذي تَدْعونَه المُحَرَّمَ»(8).
_______________________
(1) رواه البخاري (2958).
(2) الجامع لأحكام القرآن (135/ 8).
(3) رواه مسلم (1982).
(4) رواه البخاري (1969).
(5) متفق عليه.
(6) رواه مسلم (1976).
(7) لطائف المعارف، ص 70.
(8) رواه النَّسائيُّ، والدارميُّ، وأحمدُ، والطبراني، والبيهقي بسند صحيح.