يطلق مصطلح الأقليات المسلمة على المسلمين الذين يقيمون خارج ديار الإسلام، سواء كانوا من أهل البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، أو كانوا من المهاجرين الذين قدموا من بلاد الإسلام، وهم اليوم يشكلون ثقلاً بشرياً وثقافياً ملحوظاً مع ازدياد أعدادهم ووعيهم بانتمائهم الإسلامي.
ولا شك أن منطق الغلبة والمغالبة إذا لم يضبطه العدل واحترام الإنسان بغض النظر عن عرقه أو لونه أو دينه؛ سيؤدي إلى طغيان الأقوياء واضطهاد الضعفاء؛ وسينعكس ذلك على الأقليات؛ تهميشاً وإقصاء وهضماً للحقوق وطمساً للهوية.
نظرة الإسلام للأقليات
نستطيع أن نفهم موقف الإسلام من الأقليات من خلال أساسين، هما:
1- نظرته للإنسان التي تقوم على احترامه وتكريمه بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70)، والمتتبع للآيات القرآن وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم يجد رفعة وسمو الإسلام في تعامله مع الإنسان وأنه يرفض أي ازدراء أو تحقير له.
2- المنظومة القيمية الرفيعة للإسلام التي تقوم على العدل والإحسان وأداء الحقوق التي قوامها الصدق والأمانة والرفق والتسامح، وهذه المنظومة التي تزخر بقيم أخلاقية رفيعة وجليلة يدعو فيها الإسلام أتباعه للتحلي بها ومعاملة الناس وفقها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فالأخلاق في ديننا ليست نسبية، بل هي مطلقة، يقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) (النساء: 58)، وينتج عن هذا أن تعامل المسلم مع المخالف له أكان أقليلة أم أكثرية يكون مرتكزاً على العدل والتعاون والتعارف والدعوة بالتي هي أحسن، دون جبر ولا إكراه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13).
فلا غرو أن نجد أنه طوال التاريخ حظيت الأقليات غير المسلمة من يهود ونصارى وغيرهم في البلدان الإسلامية بأفضل معاملة وأعطيت لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.
أهم التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة
الأقليات المسلمة في عصرنا الحاضر تنقسم إلى قسمين، هما:
1- أقليات من أصل البلد الذي هم فيه؛ أي أنهم جزء من السكان في ذلك البلد، يتكلمون عادة نفس اللغة، ولهم عادات وتقاليد وتاريخ مشترك معهم، وقد يكونون من نفس العرق أو من إثنية أخرى لكنها استوطنت ذلك البلد لقرون من الزمن؛ ومن ثم فهم جزء أصيل من ذلك المجتمع وجزء من تركيبته السكانية، ومثالهم المسلمون في الهند والصين وبورما، والمسلمون الموجودون في عديد من الدول الأفريقية غير المسلمة؛ وكذلك المسلمون الأوروبيون الذين هم ينتمون أصلاً إلى تلك القارة ودخلوا في دين الله تعالى.
2- أقليات مسلمة أصولهم ترجع إلى بلدان إسلامية لكن الظروف السياسية أو الاقتصادية أو غيرها اضطرتهم إلى ترك أوطانهم والعيش خارجها في بلدان غير إسلامية، ويشكل المسلمون في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا مثلًا على ذلك.
أما التحديات والصعوبات التي تواجه الأقليات المسلمة في عالمنا المعاصر فهي كثيرة ومتنوعة، ولا شك أنها تختلف بين أقلية وأخرى، منها:
1- تحدي الهوية والانتماء: وتشترك فيه تقريباً كل الأقليات وإن كان مؤشره يرتفع وينخفض حسب المكان الذي مكان وجود الأقلية ومدى تمكينها من حقوقها من عدمه، ولا شك أنه تحدٍّ خطير؛ لأنه يتعلق بالدين والهوية، وأي خرق فيه سيؤدي إلى هدم الأسس العقدية والقيمية لهذه الأقلية، ومن ثم يجعلها مسلوبة الانتماء، والمتتبع لواقع الأقليات المسلمة يجد أنها جميعاً تتعرض لحرب ضروس على هويتها الإسلامية سواء تلك الأقليات من السكان الأصلين أو الأقليات الأخرى، ولعل من مظاهر هذا التحدي الحرب المعلنة على الحجاب والشعائر الإسلامية والمد العنصري تجاه المظاهر الإسلامية في كثير من بلدان العالم.
2- التحدي الوجودي: وهو معاناة بعض الأقليات من أجل استمرار حضورها في الحياة، ففي بعض البلدان هناك سعي حثيث لاجتثاث الأقليات المسلمة من بلدانهم ومحاولات كبيرة لتغير التركيبة السكانية وإفراغ وتهجير المسلمين من مناطق استوطنوها لقرون من الزمن.
3- التحدي الحقوقي: وتمر به أغلب الأقليات المسلمة في العالم وإن بدرجات مختلفة، حيث في كثير من المناطق في العالم ينظر إليهم كعبء على الدولة وتهضم حقوقهم المدنية ويعاملون كأفراد من الدرجة الثانية وتحجب عنهم مزايا يتحصل عليها بسهولة بقية المواطنين في تلك الدولة، ونتيجة لهذا الانتقاص في الحقوق، فإن هذه الأقليات في كثير من الدول يكون مواطنوها أشد فقراً وأدنى في السلم التعليمي مع الممارسات الإقصائية التي يتعرضون لها التي تجعلهم بعيدين عن مواقع التأثير والقرار في تلك الدول.
وللإنصاف، ليست كل الأقليات المسلمة في العالم تمر بنفس المعاناة، فبعضها يتمتع بحقوق مدنية جيدة، وربما التحدي الذي تواجهه هو التأقلم والانسجام مع المجتمعات التي تعيش فيه مع حفاظها على خصوصيتها، وهو تحدٍّ يتطلب منها أن تتحمل مسؤولياتها تجاه أجيالها، وتعمل على تحصينها، وتحقق التوازن بين الانسجام والذوبان.
وفي المقابل، فإن التحديات كثيرة في مواجهة أغلب الأقليات المسلمة، ويرتفع مستوى التهميش والإقصاء، بل ومحاولة الاستئصال إلى مدى كبير في بعض المناطق من العالم، كما حصل لإخواننا في البوسنة ومسلمي الروهنجيا في بورما، وكما يحصل للمسلمين في الصين والهند وغيرها من المناطق في العالم.
واجبنا تجاههم
المسلمون أمة واحدة؛ والجامع بينهم هو الأخوة الإيمانية، واليوم علينا جميعاً أن نكون سنداً لهذه الأقليات المسلمة في كل أنحاء العالم، بالأمور التالية:
1- مناصرة قضاياهم والضغط السياسي والاقتصادي على الدول التي تتعامل بعنصرية مع هذه الأقليات.
2- دعم هذه الأقليات خاصة الفقيرة منها مادياً وتعليمياً ومعنوياً.
3- إظهار حقائق ما تمر به هذه الأقليات من خلال وسائل الإعلام وفضح هذه الممارسات والتنديد بها.
4- إيجاد تأييد شعبي فعال يتفاعل مع قضايا هذه الأقليات.
5- بناء أواصر قوية مع المؤسسات الدعوية والخيرية والتعليمية لتلك الأقليات وإيجاد تشابك قوي مثمر مع المؤسسات في بلداننا وهذه الأقليات.
6- الحرص على صناعة قيادات ونخب قيادة لتلك الأقليات ليكون لها دور فعال في بلدانهم.