يتم إثراء الخطاب المتعلق بالنساء المسلمات في المجتمعات الغربية بشكل كبير من خلال مفهوم إدوارد سعيد عن «الاستشراق»، حيث يشكل إطارًا لكيفية فهم الصور النمطية المتكررة والمفاهيم الخاطئة.
فقد أحدث سعيد ثورة في كيفية خلق الغرب لسردية معينة عن الشرق التي تصوره ككيان غريب، مما يعزز من فكرة «الآخرية» لتبرير هيمنة الغرب واستعماره للدول الأخرى.
وغالبًا ما تتقاطع هذه السرديات مع قضايا معاصرة مثل حظر الحجاب في فرنسا، وصورة النساء المسلمات في وسائل الإعلام، التي تعكس ديناميكيات القوى والتحيزات التي تشكل تصورات الغرب اليوم.
لقد قامت الدول الغربية بتبني صورة معينة للنساء المسلمات بوصفهن كائنات مجبرات على عيش حياة مليئة بالاضطهاد والمعاناة، وبالرغم من وجود نساء محجبات خارج إطار الإسلام أيضًا، فلماذا إذًا توضع النساء المسلمات تحت المجهر بشكل مكثف ويوصفن على أنهن ضحايا يتم إخراسهن حتى يقبعن تحت السلطة الأبوية والسلطة الدينية بلا أي حراك؟!
ويمثل قرار حظر الحجاب في فرنسا مثالًا على تداخل الكليشيهات الاستشراقية مع الصناعة السياسية، فغالبًا ما يصور المدافعون عن هذا القرار الحجاب كرمز للقمع، مرددين السرديات الاستشراقية التي تصف النساء المسلمات بأنهن خاضعات بطبيعتهن ويحتجن إلى إنقاذ، ومع ذلك، فإن مثل هذه التصورات تتجاهل كيان واستقلالية المرأة المسلمة التي تختار ارتداء الحجاب كجزء من تعبيرها عن هويتها الدينية أو اختيارها الشخصي، وبدلاً من ذلك، تعزز هذه القوانين المجحفة فكرة الغرب الذي يتحتم عليه «إنقاذ» النساء المسلمات من اضطهادهن المزعوم!
ويساهم التصوير الإعلامي للمرأة المسلمة بشكل إضافي في هذه النظرة الاستشراقية؛ مما يؤثر على تصورات وسلوكيات العامة تجاههن، حيث تعرض وسائل الإعلام الأساسية النساء المسلمات من خلال رؤية ضيقة للغاية، فتصب تركيزها فقط على قصص القمع والضحايا متجاهلة استقلاليتهن في اتخاذ القرار، وهذه الانتقائية لا تعزز تلك الصور النمطية فحسب، بل تتسبب أيضًا في تكميم أفواه العديد من النساء المسلمات، حيث تقوم بخلط تجاربهن، متجاهلة تنوع هوياتهن ونضالاتهن وإنجازاتهن.
من الضروري أن نركز على أصوات وتجارب النساء المسلمات أنفسهن لتحدي السرديات الاستشراقية في صناعة القرارات السياسية ووسائل الإعلام، فمن خلال عرض وجهات النظر المتنوعة، يمكننا تغيير الصورة النمطية للنساء المسلمات على أنهن مضطهدات عالميًا، ونسلط الضوء على قدرتهن في اتخاذ القرار للتعامل مع الواقع الاجتماعي المعقد.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير منصات إعلامية للنساء المسلمات لمشاركة قصصهن، وحتى يكنّ جزءًا من الخطاب العام، مما يمكِّنهن من تحدي الصور النمطية والتحكم في سردياتهن، فبفضل منصات التواصل الاجتماعي، يمكننا رؤية الفتيات والنساء المسلمات يخلقن مساحة لأنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مشاركة تجاربهن الحياتية.
ومن المهم أيضًا نقد التمثيل الإعلامي لتفكيك الصور النمطية عن المرأة وتعزيز فهم الناس لتجارب النساء المسلمات، ويشمل ذلك الدعوة إلى تصوير النساء المسلمات بطريقة أكثر شمولية ودقة في وسائل الإعلام الرئيسة، وفهم التحيزات وديناميكيات القوى التي تؤثر على تغطية وسائل الإعلام، والسماح للنساء المسلمات بأن يكون لهن صوت في الإعلام.
وكلما سعينا لتحقيق العدالة والتحرر، دعونا لا ننسى أن نناضل من أجل حقوق النساء المسلمات بدءًا من تغيير تصور الناس عنهن، فقد أدت التصورات الاستعمارية الضارة إلى إقناع الغرب بأن النساء المسلمات هن الجاني والمجني عليه في آن واحد، حيث تفترض تلك التصورات أنهن يفتقرن إلى الإرادة الحرة داخل مجتمعاتهن وبيوتهن، ومع ذلك يدينونهن بعدم التكيف مع معايير المجتمع الغربي فيصبحن تهديدًا عليه، وتُعمق السياسات التي تستهدف النساء المسلمات ومعتقداتهن، بالإضافة إلى الإعلام الذي يرسم صورة عامة لهؤلاء النساء، فكرة «آخرية» المسلمين؛ مما يرسخ هذه التصورات الاستعمارية ويزيد من الانقسامات المجتمعية، فمن خلال مواجهة هذه السرديات وإعطاء الأولوية لقدرة النساء المسلمات على اتخاذ القرار، يمكننا بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولية للجميع.
________________________
بقلم- نور خان:
مجلس الشؤون العامة الإسلامية الولايات المتحدة.