يعد كتاب «العيال» أحد أبرز المراجع التربوية التي يجب على الأسرة المسلمة التبحر فيه، والتجول بين سطوره وصفحاته، خاصة أن الكتاب القيم لمؤلفه الإمام ابن أبي الدنيا، قدم موسوعة شاملة لشؤون الأسرة، برصانة علمية، وثقافة واسعة.
ويضم الكتاب بين جانبيه 35 باباً، تستعرض حقوق الزوج والزوجة، وواجباتهما، وتربية الأبناء، والعدل بينهم، وحج الصغير، وشهادته أمام القضاء، كما أورد أبواباً خاصة بالذكور والإناث، والمسائل المتعلقة بهم تعليمياً وفقهياً، ممزوجاً بالأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين في ذلك.
وتنبع أهمية الكتاب في أن مؤلفه الذي طلب العلم وهو ابن العاشرة على يد الإمام أحمد بن حنبل وغيره، كان سباقاً في تلك الحقبة المزدهرة من تاريخ الإسلام والدولة العباسية، ليسطر كتباً في التربية والتعليم، ويصيغ نظريات تربوية نابعة من الكتاب والسُّنة، حتى إن العلماء صنفوا مؤلفات ابن أبي الدنيا بأنها مصدر رئيس لكل من له عناية بالأخلاق والتربية.
وتزداد قيمة الكتاب، بالنظر إلى أن صاحبه، الذي ولد في بغداد عام 208هـ، وتوفي في عام 281هـ، كان يصطفيه الخلفاء لتأديب أبنائهم وتثقيفهم، فقد امتلك الرجل الحجة والبلاغة، وكان ضليعاً في اللغة والأدب، وكان عالماً موسوعياً تبحر في العلوم المختلفة.
ويقدم الكتاب إطلالة على أبواب، منها باب النفقة على العيال والثواب على النفقة عليهم، والعدل بين الأولاد والتسوية بينهم، والعقيقة عن المولود وما يصنع به عند ولادته، والإحسان إلى البنات، وتزويج البنات، والعطف على البنين والمحبة لهم، وباب الرأفة على الوِلدان والرأفة بينهم، وحمل الوِلدان وشمهم وتقبيلهم، وتنقيز الوِلدان ومداعبتهم، والتسليم على الصبيان، وتعليم الصبيان الصلاة، وتعليم الأصاغر القرآن، وتعليم الرجل أهله، وتعليم ولده وتأديبهم.
ويستعرض الكتاب باباً في حفظ الله عز وجل المؤمن في ذريته من بعده، وباب التوسع على العيال، وباب جماع الزوجة صدقة ووقاعها من أجل الولد، وتعود المرأة على مغزلها، وتخفر المرأة في بيتها وتركها الزينة لغير بعلها، والصلاة على المولود، وصلاح الولد، والاغتباط بقلة العيال، والعطف على الأزواج والرأفة بهم والمداراة لهم، وحق المرأة على زوجها والثواب على النفقة عليها، وباب ما للمرأة أن تأخذ من بيت زوجها، وحق الرجل على زوجته، وباب ملاعبة الرجل أهله.
ويبحث العالم الجليل، في مؤلفه، باب الختان، واللعب للصبيان، وتعليم العلم للأصاغر، وباب في اليتامى، وأدب اليتامى، وشهادة الصبيان، والحج بالصبيان، وغير ذلك من أمور تتعلق بالصغير؛ تربوياً وخلقياً وتعليمياً وفقهياً.
وتناول الكتاب كيفية اختيار السلف الزوجةَ وأساليبِهم في تربية الأبناء، لذلك اعتبره العلماء والفقهاء منارة أمام المربين، ومرجعاً تربوياً، جامعاً لكل ما يتعلق بشؤون العائلة وتربيتها.
ويخصص «العيال» جانباً كبيراً من أبوابه للمرأة، والجوانب التربوية المتعلقة بزواج البنات، والإحسان إلى البنات، والمفاهيم التربوية التي رسخها النبي صلى الله عليه وسلم في صحابته، بشأن تربية البنات، والعطف عليهن، وحثّ الآباء والأمهات على تزويج بناتهن للأصلح.
ولم يتناول الكاتب فقط أبواب النفقة والإطعام والتعهد بالرعاية والنمو، بل اهتم بما يتعلق بالنمو النفسي والروحي والوجداني، وكيف كان السلف يربون الأولاد، وكيف كان يجري الاهتمام باليتامى، وجعلهم ممن يستحقون العناية والتأديب، وأهمية التكافل الاجتماعي لحفظهم ورعايتهم.
وأفرد المؤلف بعض الصفحات من كتابه حول تعليم الصغار الصلاة، والحج، وغير ذلك من العبادات، وكأنه يقدم إستراتيجية تربوية متكاملة؛ تربوياً وعبادياً وعقائدياً ونفسياً، ما يجعله قد سبق بذلك علماء التربية ومفكري علم النفس والاجتماع.
يجمع الكتاب للعالم الإسلامي أبي بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، بين علم الحديث والخبرة التربوية العملية، ما يجعل من الكتاب أحد المصنفات المهمة في مجال التربية الإسلامية، فضلاً على أنه أول مصنف حول الأسرة، بعمق وشمولية لا يتوفران في كتب أخرى.
صدر كتاب «العيال» في القرن الثالث الهجري؛ ما يعني أن علماء المسلمين اهتموا في وقت مبكر بمؤسسة الأسرة، وتقوية أركانها، كما تحسبوا للأخطار المحدقة بها، فهي نواة المجتمع، التي يجب تحصينها وتمتين بنيانها، ولذلك ينصح بقراءة الكتاب ودراسته، خاصة للمشتغلين بالتربية، والعاملين في الحقلين التعليمي والدعوي.