تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام والخطاب حول تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني، كانت عملية التطبيع، التي تشير إلى إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية رسمية بين دول لم تكن تربطها بها علاقات تذكر من قبل قضية حساسة للغاية ومثيرة للجدال في العالم العربي، وقد عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تضخيم كل من الدعم والمعارضة لهذه العملية؛ مما أدى إلى خلق بيئة معقدة ومثيرة للجدل في كثير من الأحيان.
وتؤدي وسائل التواصل دوراً مهماً على مستوى القناعة بهذه العملية أو تبيان الوجه القبيح والحقيقي لها، فيما يلي نعرض كلتا الحالتين:
دور وسائل التواصل الاجتماعي في عملية التطبيع
– الدبلوماسية العامة والقوة الناعمة: تستخدم الحكومات ودعاة التطبيع وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للدبلوماسية العامة، فهم يروجون لفوائد التطبيع، مثل التعاون الاقتصادي والتبادل التكنولوجي وزيادة الاستقرار الإقليمي، وتسمح منصات التواصل الاجتماعي بنشر الروايات الإيجابية، وتسليط الضوء على قصص نجاح التعاون والمنافع المتبادلة، في المقابل.
– المشاركة والحوار: تعزز وسائل التواصل الاجتماعي التواصل المباشر بين مواطني البلدان المختلفة، وتمكن منصات مثل «إكس» و«فيسبوك» و«إنستغرام» الأشخاص من الدول العربية و«إسرائيل» من المشاركة في الحوار وتبادل وجهات النظر وبناء الروابط، ويمكن أن يساعد هذا التفاعل بين الأشخاص في كسر الصور النمطية وبناء شعور بالإنسانية المشتركة، وهو أمر ضروري لعملية التطبيع.
– تأييد المؤثرين والمشاهير: يمكن للمؤثرين والمشاهير الذين لديهم عدد كبير من المتابعين التأثير على الرأي العام، فعندما تؤيد الشخصيات المؤثرة التطبيع أو يشاركون محتوى يدعم العلاقات السلمية، يمكن أن يشجع ذلك متابعيهم على النظر إلى العملية بشكل أكثر إيجابية، ومن الممكن أيضاً أن تساعد هذه التأييدات في تطبيع فكرة التعاون العربي «الإسرائيلي» داخل الثقافة الشعبية.
– تقديم نماذج إيجابية واستغلال الأحداث الإيجابية:: إبراز قصص نجاح لشركات أو أفراد استفادوا من التطبيع، بهدف إقناع الآخرين بأن التطبيع الخيار الأفضل لمستقبل المنطقة اقتصادياً، كما يتم استغلال الأحداث الإيجابية التي تنتج عن التطبيع، مثل الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الاقتصادية، لتأكيد وجهة نظرهم.
من وجهة نظري، تساعد وسائل التواصل الاجتماع من نشر المعلومات المضللة حيث تعتبر هذه المنصات أرضًا خصبة للمعلومات المضللة حول التطبيع، يمكن استخدام المعلومات الكاذبة أو المضللة لتأجيج التوترات وخلق سوء الفهم واستقطاب الآراء بشكل أكبر، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى إعاقة الحوار البناء وتفاقم الانقسامات داخل المجتمعات.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في معارضة التطبيع
في المقابل، فقد أدت وسائل التواصل دوراً حاسماً في لفت الانتباه العالمي إلى الحقائق على الأرض في فلسطين، فقد وفرت هذه المنصات (بالرغم من التحيز في الكثير من الأحيان) للفلسطينيين لمشاركة تجاربهم وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وحشد الدعم الدولي، ومن خلال مقاطع الفيديو والصور والروايات المباشرة، فقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي للكثيرين عن التحديات اليومية التي يواجهها الفلسطينيون، التي قد لا تغطيها وسائل الإعلام التقليدية دائماً.
من جهة أخرى، يسعى ناشطو القضية الفلسطينية إلى فضح التطبيع وكشف تعاون الشركات والسياسيين مع الاحتلال، وذلك عبر تقديم أدلة ملموسة وتسليط الضوء على العواقب السلبية للتطبيع، كما يستخدمون لغة بصرية قوية، مثل الصور والفيديوهات، لبناء سرديات قوية وجذابة، ومع ذلك، يواجهون تحديات كبيرة مثل الحرب المعلوماتية، الرقابة، وسيطرة الرواية «الإسرائيلية» على وسائل الإعلام التقليدية بالإضافة إلى التحيز في بعض المنصات للروايات «الإسرائيلية» أو مؤيدي التطبيع، وعلى الرغم من هذه التحديات، يستمر الناشطون في استخدام هذه المنصات لنشر الوعي وحشد الدعم للقضية الفلسطينية، مؤكدين أهمية الحفاظ على الحقائق والاحترام المتبادل في النقاش.
هناك أمثلة حية تبين مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، ومثال على ذلك:
– «#FreePalestine»: واحد من أقدم وأشهر الهاشتاجات المستخدمة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، تم استخدامه في العديد من الحملات والمظاهرات حول العالم، ونجح في جذب انتباه الرأي العام الدولي.
– «#BoycottIsrael»: حملة مقاطعة المنتجات «الإسرائيلية» التي حققت نجاحًا كبيرًا، خاصة في الجامعات والمجتمعات المدنية، تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لهذه الحملة وتشجيع الناس على المشاركة فيها.
– حملات فضح جرائم الحرب «الإسرائيلية»: تم استخدام وسائل التواصل لبث مباشر للأحداث في فلسطين، ونشر صور وفيديوهات تظهر جرائم الحرب «الإسرائيلية»؛ مما أثار غضب الرأي العام العالمي ودفع العديد من الحكومات إلى إدانة هذه الجرائم.
– حملات التضامن مع الأسرى الفلسطينيين: تم استخدام وسائل التواصل للتعبير عن التضامن مع الأسرى الفلسطينيين، ومطالبة بالإفراج عنهم، مثل #مي_وملح وغيرها من الحملات.
وأخيراً، ولإنجاح حملات مقاومة التطبيع، يجب أن تكون الحملة مدروسة بعناية وتركز على الإستراتيجيات الفعّالة التي تحقق تأثيرًا واسعًا ومستدامًا، وهذه بعض النصائح التي يمكن أن تسهم في إنجاح حملات مقاومة التطبيع:
1- توحيد الرسالة والرؤية:
الحرص على توحيد رسالة الحملة بحيث تكون واضحة ومتسقة، وتعبر عن موقف جماعي وتعكس القيم والمبادئ التي تسعى الحملة إلى الدفاع عنها، إن توحيد الرسالة يعزز من قوة الحملة ويسهل فهمها وتبنيها من قبل الجمهور.
2- استخدام وسائل التواصل بفعالية:
وسائل التواصل تعد مكاناً منساباً وفعالاً لنشر الرسالة على نطاق واسع، يجب الاستفادة من جميع المنصات المتاحة («إكس»، «فيسبوك»، «إنستغرام»، «يوتيوب») وابتكار محتوى يجذب الانتباه مثل الفيديوهات، الإنفوجرافيك، والمقالات التوعوية، واستخدم الهاشتاجات المؤثرة وتعاون مع المؤثرين لدعم الحملة والحرص الكامل عن محاولة عدم مخالفة القوانين المنحازة لهذه المنصات من أجل الاستمرار في استخدامها
3- التوعية وبناء الوعي:
يجب التركيز على توعية الجمهور حول أخطار وأبعاد التطبيع السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، إن تقديم معلومات مدعومة بالأدلة والبراهين والإحصاءات الموثقة (وهذه مهمة) حول كيفية تأثير التطبيع على القضية الفلسطينية وعلى حقوق الشعب الفلسطيني.
4- التعاون مع منظمات ومجموعات حقوق الإنسان:
التعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية يضفي على الحملة شرعية ويزيد من تأثيرها، هذه المنظمات يمكن أن تقدم دعمًا قانونيًا، إعلاميًا، وتنظيميًا، مما يعزز من فعالية الحملة.
5- تنظيم فعاليات ميدانية وجماهيرية:
إلى جانب النشاط الرقمي، من المهم تنظيم فعاليات ميدانية مثل المظاهرات، الندوات، المؤتمرات، والعروض الثقافية التي تدعو إلى مقاومة التطبيع، هذه الفعاليات يمكن أن تخلق زخمًا وتحشد دعمًا شعبيًا أوسع.
6- التركيز على التأثير الاقتصادي:
إن إبراز التأثير الاقتصادي للتطبيع وكيف يمكن أن يضر بالمصالح الوطنية مهم جداً، يجب تقديم أمثلة على المقاطعات الاقتصادية الناجحة السابقة وكيف يمكن استخدام هذه الإستراتيجية للضغط على الحكومات والشركات لعدم الانخراط في التطبيع.
7- تسليط الضوء على النماذج الناجحة:
إن استعراض أمثلة ناجحة لحملات مقاومة التطبيع من دول أخرى أو مناطق مختلفة يساهم في إقناع الجمهور بنجاعة خط مقاومة التطبيع، إبراز هذه النماذج يمكن أن يشجع الآخرين على الانضمام إلى الحملة ويعتبر دليلًا على فعالية هذه التحركات.
8- إشراك الشخصيات العامة والمثقفين:
دعوة الشخصيات العامة والمثقفين لدعم الحملة علنًا يمكن أن يضفي مصداقية ويزيد من تأثيرها، تصريحاتهم ومشاركتهم يمكن أن تجذب اهتمام وسائل الإعلام والجمهور العام.
9- المتابعة المستمرة والتقييم:
يجب مراجعة وتقييم أداء الحملة بشكل دوري لضمان تحقيق الأهداف المرجوة، التكيف مع التغيرات وتحديث الإستراتيجيات حسب الحاجة هو مفتاح النجاح المستدام.
10- بناء شبكة دعم دولية:
التواصل مع حركات مقاومة التطبيع في دول أخرى وبناء شبكة دعم دولية يعزز من قوة الحملة، الدعم العالمي يمكن أن يزيد من الضغط على الأطراف المتورطة في التطبيع.