الإسلام عنوان جامع لمنظومة كاملة من المعتقدات والأقوال والأفعال على حد سواء، وقضية يمتزج فيها الإقرار القلب الواعي المطمئن، بالاعتراف اللساني الصريح الواضح، بالالتزام العملي البيّن المحدد، وتشكل كلمة التوحيد، التي هي ركن الإسلام الأول والأساس «لا إله إلا الله» الشعار المختصر الجامع لمنظومة فكرية وسلوكية تشمل نظام الحياة كلها بكل أبعادها وتفاصيلها.
ويشكل الإسلام بأركانه الخمسة، والإيمان بأركانه الستة، قاعدة الدين التي يقوم عليها صرحه، ويعمر عليها بنيانه، ومرتكز كل فرع من فروعه، سواء في أصل تشريعه، أو في دافع العمل به، فهما التربة التي تستنبت فيها شجرة الإيمان كاملة: (ضَربَ الَّلُهَ مَثَلًا كَلِمَةً طيَبةً كَشَجَرةٍ طِيَبةٍ أصْلُهَا ثَابتٌ وَفـرْعُهَا في السَّمَاءِ) (إبراهيم: 24).
ويشكل الإسلام أساس الالتزام القانوني، ويشكل والإيمان أساس الالتزام الفكري، ويظلان حاضرين على امتداد الخريطة الإيمانية وعند كل شعبة من شعيه، كأنهما أحرف الأبجدية الدينية وجذور قاموس الإسلام «الترغيب بكل معروف والترهيب من كل منكر ينطلق بالتذكير بهما».
من هنا وبهذا المعنى كان الإسلام دين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً، من لدن آدم عليه السلام إلى محمد عليه الصلاة والسلام، ديناً واحداً في اسمه وأركانه ومضامينه:
أما الاسم، فقد صرح جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن دينهم الإسلام، وإن اكتفيت بما ذكره القرآن على لسان الخمسة أولي العزم منهم فلأنهم هم أئمة الرسالة الربانية، ومحور الهدي الديني.
قال الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 132).
وقال تعالى في نوح عليه السلام: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: 72).
وقال الله تعالى في موسى عليه السلام: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (يونس: 84).
وقال الله تعالى في عيسى عليه السلام: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 52).
وأما أركان الدين التي دعا إليها الأنبياء جميعاً، فهي واحدة في مسمياتها وحقائقها، عباداتهم كلها لها نفس الأسماء وتتألف من نفس الأركان:
قال الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم: 37).
وقال الله تعالى في وموسى عليه السلام: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 87).
وقال الله تعالى في عيسى عليه السلام: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم: 31).
ومثل ذلك قل في الزكاة والصيام والحج..
ومثل ذلك دعوتهم عليهم الصلاة والسلام إلى حقائق الإيمان الكبرى، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه الآية الجامعة لأركان الإيمان، التي أجمع عليها المؤمنون من لدن آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285).
وكذلك اتفقوا على المضامين الكبرى للإسلام، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– الحكم بما أنزل الله: إذ دعوا إلى الاحتكام في كل طارئ من الأمور، وفي مستجد من القضايا، سواء كانت قضايا خاصة أو عامة، إلى الله تعالى.
– إقامة العدل: دعوا إلى بسط العدالة في الناس، في جميع شأنهم الديني والدنيوي، عدلاً يأتي على كل مظاهر الظلم صغيرها وكبيرها، عدلاً يجعل الناس سواسية كأسنان المشط؛ فقيرهم وغنيهم، وضعيفهم وقويهم.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذ أبوا أن يظل الإيمان حبيساً في الصدر أو متوارياً في النفس، بل دعوا إلى إيمان متحرك وفاعل، يؤثر في واقع الحياة، ويغير من تراكيبها، وفق رؤية إيمانية خاصة، ووفق منظومة من الاعتراف والإنكار.
– حرمة النفس والمال والعرض: إذ جعلوا الإنسان يحتل المكانة الأقدس في الكون، وبينوا التكريم الذي خصه الله به، حيث خلقه بيديه، وميزه بتكليفه، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه.
وكذلك المضامين التزكوية الرئيسة:
– الأمانة: جعلوا من لوازم الإيمان ومقتضياته أداء الأمانة، واعتبروا ذلك ميزاناً لسلامة الإيمان أو عدم سلامته، ووصفاً لازماً للمؤمنين، وعلامة على صدقهم وصدق التزامه بالإيمان.
– الصدق: أولوا الصدق اهتماماً خاصاً، وجعلوا صدق القلب ونيته، وصدق اللسان وعبارته، وصدق الجسد وعمله، طريقاً موصلاً إلى حقيقة الإيمان، وجامعاً لثمراته.
– البر والصلة: دعوا إلى إقامة مجتمع الرحمة والإحسان، القائم على البر الذي يطال جميع الناس، منطلقاً من الأخوة الإنسانية، التي تقتضي التعاون والتباذل، والصلة الواجبة لمن أمر الله بوصلهم، ممن تجمعهم أخوة الدين.
ومثلها المضامين التزكوية الجمالية:
– الزهد: دعوا إلى أن يغير المؤمنون نظرتهم لهذه الدنيا، وأن يزينوها بالميزان الإيماني، وينظروا إليها بالمنظار الرباني، ليقفوا بذلك على حقيقتها قيمة ومآلاً، ويحسنوا استغلالها للآخرة.
– الكرم والإيثار: جعلوا من لوازم الإيمان البذل والعطاء، خاصة عند تزاحم الحاجات، وضيق الموجود عن الوفاء، عطاء قد يتعدى بذل الأشياء ليصل إلى بذل الأنفس والأرواح.
– طيب الكلام: نبهوا إلى أن الكلمة تقع في سمع الله قبل وقوعها في سمع الناس، فأولوها من العناية والاهتمام الشيء الكثير، وجعلوها شرطاً لصلاح الأعمال.
هذه المعاني وإن كان منصوص عليها جملة وتفصيلاً في رسالة الإسلام الخاتمة، سواء في نص القرآن، أو متن السُّنة، فإن قوله تعالى مخاطباً الرسول الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: 48) يدل وبلا أدنى لبس أن الرسالات واحدة في أصولها ومضامينها.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة»، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيننا نبي» (رواه البخاري ومسلم).