في يونيو 2019م، أطلقت كلية إليوت للشؤون الدولية التابعة لجامعة جورج واشنطن، التي تُعد واحدة من المدارس العالمية الرائدة في الشؤون السياسية الدولية، مشروعاً بعنوان «Youth Politics in the Middle East and North Africa»، تابعاً لـ«مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط» (POMEPS)، وقد عقد المشروع ورشة عمل حول السياسة الشبابية في عمَّان بالأردن، وبعض الدول الأفريقية بالتعاون مع مركز فينيكس للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.
هدفت أوراق الورشة ومداولاتها إلى تفكيك مفهوم «السياسة الشبابية»؛ ما الذي يميز الموجة الأخيرة من الأجيال الشبابية عن غيرها؟ كيف يتغير نشاط الشباب؟ وما علاقتهم بالسياسة والمواقف العامة والسياسات الحكومية؟ وهل يمكن إجراء تعميمات حول تجربة كونك شاباً وسياسياً في الشرق الأوسط اليوم؟
الكثير من الشباب العربي يتجنبون الانخراط في النشاطات الرسمية ويتجهون للشبكات الاجتماعية
يعتبر الشباب في العالم العربي جزءاً حيوياً من نسيج المجتمع، حيث يشكلون نسبة كبيرة من السكان، يُنظر إليهم كمحرك رئيس للتغيير والابتكار، إذ يبلغ ما يقرب من 60% من سكان المنطقة العربية أعمارهم أقل من 30 عاماً، ونصفهم تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، ومع ذلك كان الشباب يواجهون في البلدان العربية العديد من التحديات السياسية والاقتصادية التي تعيق مشاركتهم الفعالة في الحياة العامة وتحد من دورهم في صنع القرارات.
وأمام هذه التحديات الكبيرة رصدت الدراسة الحديثة التي قدمها المشروع جملة من النتائج المهمة، من بينها:
1- تجنب الشباب العربي للنشاطات الرسمية: يتجنب الكثير من الشباب العربي والمسلم الانخراط في النشاطات الرسمية سواء التابعة للدولة أو الأحزاب المعارضة أو منظمات المجتمع المدني، ويتجهون للشبكات الاجتماعية التي ينبغي تتبعها ومراقبتها بعناية، قد يكون عدم الرسمية سلاحاً ذا حدين؛ فهو يتيح تحقيق مكاسب سريعة وربما يؤدي إلى سياسات تخريبية بسرعة أيضاً، ولكنه لا يترجم بسهولة إلى عالم السياسة العليا.
2- اهتمام الشباب بالقضايا الجديدة: يهتم الشباب بدراسة القضايا الجديدة واستخلاص الدروس المستفادة من فشل الفاعلين السابقين، على سبيل المثال، يسألون: هل فشلت تجارب «حزب الله»؟ وهل ستحسم قدرات «حماس» القتالية الواقع في «إسرائيل»؟ يتساءلون عن فعالية التشكيلات الحزبية والجماعية في السنوات القادمة؟ وهل يمكن الاستمرار بدون التكنولوجيا الحديثة في العالم العربي؟
الشباب يعانون من نقص التمثيل السياسي إذ تهيمن النخب التقليدية على معظم الأنظمة السياسية
3- التكيف مع الواقع الجديد: يتسم نشاط الشباب الجديد بالتكيف مع الواقع، سواء الافتراضي أو الضغوط الداخلية أو تحدي السلطة، فقد أصبح واضحاً أن أشكال السياسة المثيرة للجدل تتغير بمرور الوقت؛ لأن أساليب المقاومة وإستراتيجيات المشاركة ليست ثابتة أبداً، وتدرك الأجيال الجديدة هذه الديناميكية؛ ما جعلهم سياسيين بطرق غير متوقعة إلى حد كبير.
4- التعليم السريع والمتخصص: يميل الشباب الآن إلى التعليم السريع من خلال البرامج التدريبية والدورات التعليمية المتخصصة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى مجالات أخرى مثل «البزنس» أو تعليم اللغات الحية أو الهروب السيبراني أو التتبع الرقمي.
التحديات الرئيسة
وبعيداً عن الورقة، يمكن إيجاز التحديات الرئيسة التي تواجه الشباب العربي في:
1- الإقصاء السياسي: يعاني الشباب من نقص التمثيل السياسي، إذ تهيمن النخب التقليدية والأحزاب القديمة والشخصيات الأكبر سناً على معظم الأنظمة السياسية في المنطقة؛ مما يهمش الأصوات الشبابية، حتى في الدول التي تفرض قوانين لدعم تمثيل الشباب، مثل تخصيص مقاعد في البرلمانات، فإن هذه المبادرات غالباً ما تكون شكلية ولا تؤدي إلى تغييرات جوهرية.
2- انعدام الثقة بين الشباب والمؤسسات الرسمية: تشير الدراسات إلى أن الشباب في العالم العربي لديهم مستوى منخفض من الثقة في المؤسسات الحكومية والسياسية، يعود هذا الشعور إلى الفساد والاحتكار السياسي، حيث يعتقد الشباب أن المؤسسات لا تعبر عن مصالحهم وأنها تخدم مصالح نخب معينة فقط.
في بعض الدول العربية يعاني الشباب من قمع الحريات بما في ذلك حرية التعبير والتجمّع والإبداع
3- البطالة والفوارق الطبقية: البطالة من أكبر التحديات التي تواجه الشباب العربي، حيث تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن نسبة البطالة بين الشباب في المنطقة العربية هي من أعلى النسب في العالم، كما أن الفوارق الطبقية تؤدي إلى شعور بعدم المساواة في الفرص، حيث تعتمد الاقتصادات المحلية على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، ما يخلق رجال أعمال أقوياء وطبقات أعمال متواضعة.
4- التعليم والتأهيل المهني غير المناسب: تعاني النظم التعليمية في العديد من الدول العربية من نقص المرونة والتكيف مع متطلبات السوق العالمية الحديثة، حيث يميل التعليم إلى النظريات والتخصصات التقليدية؛ مما يزيد من مشكلة البطالة ويحد من قدرة الشباب على الإبداع والمساهمة في النمو الاقتصادي.
5- الاستبداد والتضييق على الحريات: في بعض الدول العربية، يعاني الشباب من قمع الحريات السياسية والاجتماعية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمّع والإبداع، ويضطر البعض إلى اللجوء إلى الأعمال الروائية للهروب من قبضة الرقابة.
6- العزوف عن السياسة والتركيز على الأنشطة الاجتماعية: نتيجة لهذه التحديات، اتجه العديد من الشباب العربي إلى التركيز على التغيير الاجتماعي بدلاً من المشاركة السياسية المباشرة، فينخرطون بشكل متزايد في المبادرات التطوعية والمشاريع المجتمعية لتحسين الحياة اليومية للمواطنين بعيداً عن المشهد السياسي الرسمي الذي يعتبرونه فاقداً للشرعية أو الفعالية.
العالم العربي لن يحقق تقدماً حقيقياً ما لم يتم دمج الشباب كشركاء فاعلين في بناء المستقبل
تمكين الشباب في العالم العربي يمثل تحدياً رئيساً للمنطقة، وبدون تعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية، ستستمر معدلات البطالة في الارتفاع، وسيظل الإحباط سائداً بين الأجيال الشابة، وهذا يتطلب إيجاد حلول فعالة وإصلاحات شاملة في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية، مع وضع الشباب في قلب هذه الإصلاحات من خلال تشجيع التمثيل السياسي الحقيقي، ودعم الابتكار، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن تمكين الشباب ليس مجرد مسؤولية الدولة، بل هو جهد مشترك يتطلب التعاون بين الحكومات، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، ولن يحقق العالم العربي تقدماً حقيقياً ما لم يتم دمج الشباب كشركاء فاعلين في بناء المستقبل، خاصة وأن الأجيال الجديدة لا تثق كثيراً في المشروعات الرسمية التي تديرها الدول العربية.