إذا قمت بكتابة جملة «انتحر بسبب التنمر» على متصفح الإنترنت، فإنك تجد المعاناة والمأساة في غالب دول العالم، حيث تتصدر عناوين مجلاتها وصحفها أن فتاة انتحرت بسبب التنمر عليها، أو أن ولداً شنق نفسه بسبب التنمر، أو أن أمراضاً من الاكتئاب والحزن تسيطر على قطاع كبير من الناس بسبب التنمر؛ مما يستدعي المواجهة الحاسمة والتدخل السريع لإيقاف هذا الخطر والحيلولة دون استمراره في بلادنا،
وفيما يأتي بيان بعض المقترحات والواجبات العملية التي تسهم في الحد من التنمر والوقوف في مواجهته:
أولاً: الحرص على سلامة الناس من الأذى:
روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، فسلامة الناس من لسان المسلم ويده تعني ألا يتعرض لهم بالسوء، سواء كان هذا التعرض بالإشارة أو العبارة أو التعدي باليد.
ثانياً: عدم السخرية من الناس ولو على سبيل المزاح:
لا ينبغي للمسلم أن يسخر من الناس بأي صورة من الصور، لأن الله تعالى نهى عن ذلك بشكل عام، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) (الحجرات: 11)؛ فهذا نهي عام عن السخرية بالناس، سواء كانت على سبيل الجد أو الهزل، أما الجد فمعروف، وأما الهزل فقد يحتج به بعض الناس عند السخرية بالآخرين بقولهم: إننا نضحك ونلعب ونتسلى، ولا نقصد الأذى، والصحيح أن اللعب والضحك لا ينبغي أن يترتب عليهما أذى الناس، وإلا كان ذلك كله محرماً، لعموم النهي عن الأذى.
والناظر إلى بعض المشتغلين بهذا الأمر من الضحك والسخرية بالآخرين يجد أنهم يتحدثون بالاستهزاء على بعض الناس أو البلدان أو القبائل أو المؤسسات، من أجل إضحاك الناس، وهذا لا يجوز، بل إن هذا قد يدخل في باب الغيبة، لأنه حديث عن المرء بما يكره.
ثالثاً: وقولوا للناس حسناً:
لقد أمر الله تعالى المسلم أن يحسن إلى الناس في القول، حتى وإن كانوا مخالفين، حيث قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة: 83)، وقال عز وجل: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء: 53)، وقال أيضاً: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت: 46)، ونهى تعالى عن الجهر بالسوء من القول، فقال: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (النساء: 148)، بل إنه نهى عن سب الكافرين، حتى لا يسبوا الله تعالى والمؤمنين، فقال عز وجل: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: 108).
فعلى المسلم أن يعود لسانه القول الجميل، حتى لا يقع في التنمر والسخرية، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقول الحق والخير وإلا صَمَت، ففي صحيح البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
رابعاً: الحرص على معرفة فضائل الناس:
حين يتنمر الإنسان على غيره يكون مدفوعاً بانتقاصه له، ولذا كان من سبل علاج التنمر ومواجهته أن يتعرف المتنمر على فضائل الناس ويحرص على إنزالهم منازلهم وتقديرهم بأحسن التقدير، ففي مسند أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَصَعدَ عَلَى شَجَرَةٍ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى سَاقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَعدَ الشَّجَرَةَ، فَضَحِكُوا مِنْ حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَضْحَكُونَ؟ لَرِجْلُ عَبْدِ اللهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ».
خامساً: ضبط ميزان التفاضل:
قد يتنمر الإنسان على غيره لأنه يرى أنه أفضل من غيره، وأن هؤلاء الناس لا يساووه في منزلته ومكانته، فيسوغ لنفسه بذلك أن يتعالى عليهم أو يسخر منهم، ومن أساليب علاج ذلك أن يوقن هذا الإنسان أنه ليس أفضل من غيره، فالفضل عند الله تعالى يكون بالتقوى، والتقوى لا يعلمها إلا الله، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس متساوون عند الله وأن الفضل بينهم في التقوى، ففي مسند أحمد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب خُطْبَة فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى».
سادساً: سن قوانين لمعاقبة المتنمرين:
إذا أمن الإنسان العقوبة فإنه قد يسيء الأدب، ويتطاول على غيره من الناس؛ ولذا فإن الإسلام قد شرع الحدود لمواجهة الجرائم الكبرى التي تعتدي على ضرورات الناس، كما شرع الإسلام التعزير لتأديب الخارجين على نظامه وقانونه، وجعل ذلك بيد القاضي، وإذا كان التطاول على الناس والتنمر عليهم يؤدي إلى أذيتهم فإن تشريع قانون يمنع ذلك واجب، وخاصة في حق من يجاهر بذلك في وسائل الإعلام أو الشوارع أو المؤسسات التعليمية أو مؤسسات المصالح العامة، فإذا حدث ذلك فإنه قد يكون رادعاً ومانعاً من التنمر والسخرية بالناس.