يشكّل المسلمون في الهند حوالي 14% من إجمالي سكان البلاد؛ مما يجعلهم أكبر أقلية دينية في دولة ذات تنوع ثقافي ولغوي واسع، لكن هذا المجتمع الكبير ليس كتلة متجانسة كما يتصوره بعض الأحزاب والقوى السياسية، بل تتعدد الهويات داخل المسلمين وفقاً للتقسيمات اللغوية، والاجتماعية، والاقتصادية، والطائفية؛ مما يعكس ثراءً داخليًا وتنوعًا في مصالحهم وتطلعاتهم.
ومع ذلك، يعاني المسلمون من إشكاليات في التمثيل السياسي الفعّال، تُعاملهم القوى السياسية إما كضحايا بحاجة إلى حماية أو كخصوم يحتاجون إلى مواجهة، في هذا السياق يصبح التساؤل المطروح: كيف يمكن لهذا المجتمع المتنوع أن يتجاوز هذه الصور النمطية، ويشارك بفعالية في تشكيل السياسة الهندية؟ وكيف يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية والسياسية للمسلمين ضمن هذا المشهد المعقد؟
ومن الخطأ أن يُفترض أن المسلمين في الهند يمثلون كتلة موحدة ذات مصالح واحدة، هناك اختلافات لغوية، وثقافية، واقتصادية واضحة بين مجتمعاتهم، على سبيل المثال، يختلف المسلمون في ولاية كيرالا عن إخوانهم في أوتار براديش من حيث اللغة، والتعليم، ومستويات المعيشة، كما أن هناك اختلافات طائفية بين السُّنة والشيعة واختلافات أخرى.
يشير هذا التنوع إلى أن سياسات التمثيل يجب أن تعكس هذه التباينات، بدلاً من محاولة تجميع المسلمين تحت مظلة واحدة، فمطالبة بكتلة سياسية موحدة للمسلمين ليست فقط غير واقعية، بل أيضًا مضرة بمصالحهم، المطلوب هو تبني سياسة تسمح للمجتمعات المسلمة المختلفة بتمثيل نفسها وفقاً لأولوياتها الخاصة، سواء كانت قضايا التعليم، أو الصحة، أو الاقتصاد.
فشل التمثيل السياسي التقليدي
تعاني الأقلية المسلمة في الهند من ازدواجية التعامل السياسي، فهي تُصوَّر من قبل بعض القوى السياسية على أنها تهديد للهوية القومية، بينما تُعامل من قبل أحزاب أخرى ككتلة بحاجة إلى الحماية والرعاية.
اعتمدت الأحزاب السياسية في الهند، سواء العلمانية أو الطائفية، على استغلال المسلمين سياسيًا، في حين تستخدم الأحزاب اليمينية مثل حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) خطابًا معاديًا للمسلمين لتعزيز قاعدتها الهندوسية، كما تلجأ الأحزاب العلمانية إلى تقديم المسلمين كضحايا محتاجين للدعم، وبهذا يتم تهميشهم فعليًا في كلا الحالتين.
فتعتمد بعض الأحزاب اليمينية، مثل حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، على تأجيج المشاعر الطائفية، حيث يُقدَّم المسلمون كخطر على الهوية الهندوسية، هذا الخطاب يسعى إلى إقصاء المسلمين سياسيًا عبر تهميشهم في الخطط التنموية وتقييد مشاركتهم في صنع القرار.
وفي المقابل، تسعى بعض الأحزاب العلمانية إلى تقديم المسلمين كضحايا يحتاجون إلى دعم مستمر؛ ما يخلق علاقة تبعية، هذا النهج لا يعزز التمكين الفعلي للمجتمع المسلم، بل يكرس التصور بأنه غير قادر على تمثيل نفسه سياسيًا، ويحتاج دائمًا إلى وسطاء من خارج مجتمعه.
هذا النمط من التعامل الثنائي يولد حالة من الإحباط لدى المسلمين، ويولّد شعورًا بالعجز لديهم إذ يجدون أنفسهم محاصرين بين خطاب عدائي يُقصيهم، وخطاب «حماية» يُضعف قدرتهم على المشاركة السياسية الفعالة، بينما تبحث الأحزاب عن أصواتهم، نادرًا ما يتم التعامل مع قضاياهم الحقيقية مثل التعليم، والبطالة، والرعاية الصحية بشكل جاد.
ومن المشكلات الأساسية التي تواجه التمثيل السياسي للمسلمين في الهند هي أن الخطاب العلماني غالبًا ما يكون رد فعل للسياسات الطائفية لحزب «BJP»، فعندما يروج الحزب الحاكم لفكرة أن المسلمين يشكلون تهديدًا، تسارع الأحزاب العلمانية إلى تقديمهم كضحايا، يؤدي هذا النهج إلى تعزيز الصورة النمطية للمسلمين ككتلة واحدة، دون الاعتراف بتنوعهم واحتياجاتهم المختلفة.
علاوة على ذلك، يظهر أحيانًا ما يُعرف بـ«الشعور بالذنب العلماني»، حيث تحاول بعض الشخصيات السياسية العلمانية إثبات تعاطفها مع المسلمين بشكل مفرط مما قد يكون ضارًا، ففي حين يهدف هذا التعاطف إلى حماية المسلمين، فإنه يعزز في الوقت نفسه التصور بأن المسلمين غير قادرين على تمثيل أنفسهم ويحتاجون دائمًا إلى حماة من خارج مجتمعهم.
نحو سياسة جديدة
إن تجاوز هذه التحديات يتطلب تبني سياسة جديدة للمسلمين في الهند، تقوم على الاعتراف بتنوعهم الداخلي وبناء تحالفات قائمة على المصالح المشتركة مع الفئات الأخرى المهمشة، يجب أن يتم ربط نضال المسلمين مع نضالات «الداليت» والقبائل والأقليات الأخرى التي تواجه أيضًا تمييزًا وإقصاءً في المجتمع الهندي.
وهناك بعض القادة والمفكرين الذين يرون أن المسلمين يجب أن يتحركوا نحو بناء سياسات تستند إلى الإنتاجية والمشاركة المجتمعية الفاعلة، يجب أن يتم التركيز على قضايا مشتركة مثل البطالة، والفقر، والتعليم، والرعاية الصحية بدلاً من التركيز حصريًا على الهوية الدينية.
كما أن هناك حاجة ماسة لتفعيل دور المسلمين في النقابات والحركات الاجتماعية، والابتعاد عن الخطاب الديني الذي يتم استغلاله سياسيًا، إن بناء تحالفات قائمة على المصالح الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن يكون أكثر فاعلية من التركيز على الهوية الدينية وحدها.
إصلاح القيادة الداخلية
من أجل تحقيق تحول حقيقي، يحتاج المسلمون أيضًا إلى إصلاح القيادة الداخلية لمجتمعهم، هناك حاجة إلى قادة جدد يمكنهم تمثيل مصالح المسلمين المتنوعة بدلاً من التركيز على القضايا الدينية فقط، يجب أن تكون القيادة مستعدة للتفاعل مع قضايا العصر مثل التكنولوجيا، والتوظيف، وتجاوز الخطاب التقليدي الذي يركز على بعض الأمور الدينية فقط، وإنما يوسع نطاقها إلى مجالات الحياة.
نحو مستقبل أكثر شمولًا
المسلمون في الهند ليسوا مجرد ضحايا للسياسات الطائفية أو أدوات في يد الأحزاب العلمانية، بل هم مجتمع غني بالتنوع يمكن أن يكون شريكًا فعالًا في بناء مستقبل الهند، لكن تحقيق ذلك يتطلب تجاوز التصورات الضيقة التي تحصر المسلمين في إطار خاص، والعمل على بناء سياسات تعترف بتنوعهم الداخلي وتفتح المجال أمامهم للمشاركة الفعالة.
إن مستقبل السياسة الهندية يجب أن يقوم على تجاوز الهوية الشخصية الضيقة وبناء تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، فالمسلمون في الهند لديهم فرصة لتحقيق هذا التحول، ولكن ذلك يتطلب منهم التحرر من دور الضحية والعمل على بناء مستقبل قائم على المشاركة والتمكين.
المسلمون في الهند مجتمع غني بالتنوع، ويمكن أن يكون شريكًا فعّالًا في بناء مستقبل البلاد، لكن هذا لن يتحقق ما لم يتم تجاوز التصورات الضيقة التي تحصرهم في إطار تقليدي أو ضحيّة سياسية، ويتطلب المستقبل سياسة تقوم على الاعتراف بتنوع المسلمين الداخلي، وبناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة مع الفئات الأخرى المهمشة.
من الضروري أن يتحرر المسلمون من دور الضحية، ويتبنوا خطابًا قائمًا على الإنتاجية والتمكين الذاتي، بهذا النهج، يمكنهم تجاوز القيود التي فرضتها السياسات الطائفية والعلمانية، ليصبحوا قوة مؤثرة في صنع القرار على المستوى الوطني.
إن مستقبل السياسة في الهند يعتمد على تجاوز الهويات الضيقة وبناء مجتمع شامل لجميع مكوناته، والمسلمون في هذا السياق لديهم فرصة كبيرة لإحداث تغيير حقيقي، من خلال تعزيز مشاركتهم في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بهذا النهج يمكن للمجتمع المسلم أن يحقق تمثيلًا سياسيًا فعّالًا يعكس مصالحه وتطلعاته، ويشارك بفعالية في بناء هند أكثر عدالة وتماسكًا للجميع.