هل سبق لك أن نظرت إلى السماء ليلاً وجذبك جمال صفحة الفضاء الباهرة بالنجوم اللامعات الزاهرة، وتساءلت: ما مدى سعة السماء؟ وكم عدد النجوم فيها؟ لقد أذهل هذا السؤال العلماء والفلاسفة والشعراء والحالمين والمفكرين على مر العصور، ومن الصعب على علماء الفلك أن يقدموا إجابة عادلة.
كلما نظرتُ إلى ليل السماء الصافية بعيداً عن وهج أضواء الشوارع، وأرى النجوم المتألقة؛ يغمرني إيمان أشعر أنه يملأ صدري بعظمة الله وقدرته وجلاله، بديع السماوات والأرض، واتساع ملكه المطلق، وصدق الإمام الغزالي إذ قال: تجد النفوس عند رؤية السماء في سعتها نعيما وراحة، وفي النظر إليها فوائد: تنقص الهم والوسواس، وتزيل وهم الخوف، وتذكّر بالله، وتنشر في القلب التعظيم للّه، وهي قبلة دعاء الداعين(1).
كم عدد المجرات في الكون؟
المجرة هي تجمع هائل للنجوم مع غازات وغبار تضمها الجاذبية معاً، والكون المعروف ما هو إلا جزء صغير من الكون الذي لا تستطيع الأجهزة الوصول إلى حجمه الحقيقي.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الكون عظيم الاتساع وكأنه غير نهائي؛ ما يعني أن هناك عدداً لا يحصى من المجرات، وحتى أفضل التلسكوبات ستفشل في رصد المجرات الخافتة جداً، أو البعيدة جداً، أو القريبة جداً من المجرات الأخرى، بالإضافة إلى المجرات التي تحجبها المواد المتداخلة، أو التي لا ينبعث منها ضوء يمكن اكتشافه(2).
ويوجد الآن بعض الأدلة على أن الكثير من عمليات تكوين النجوم المبكرة كانت مخفية بواسطة سحب الغبار الكوني الكثيفة، وتحجب هذه السحب النجوم عن الأنظار وتحوِّل ضوءها إلى إشعاع تحت أحمر؛ مما يجعلها غير مرئية، لكن مرصد «هيرشل» للأشعة تحت الحمراء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية استطاع أن يدقق النظر في بعض هذا الكون المخفي سابقاً، ليكشف عن عدد هائل من النجوم لم يسبق له مثيل(1).
يعطي علماء الفلك تقديراً تقريبياً بافتراض وجود 10 تريليونات مجرّة في الكون المعروف الملاحظ، وشددت الدراسات على أن التقديرات الأكثر تفصيلاً لحجم الكون ستشير إلى أن عدد المجرات أكثر من ذلك، وبضرب ذلك حسابياً في عدد نجوم المجرة الواحدة (يقدر عدد نجوم مجرتنا درب التبانة بين 100 مليار إلى 400 مليار نجم)، فبأخذ العدد الأقل كمتوسط لعدد النجوم في المجرة الواحدة، نحصل على عدد جبار جداً للنجوم لا تتخيله العقول وهو 1 على يمينه 24 صفراً(4).
هل النجوم أكثر من كل حبيبات الرمل؟
يقال: إن حساب عدد النجوم في الكون مستحيل ويشبه محاولة حساب عدد حبيبات الرمل الموجودة على كل شواطئ الأرض وصحراواتها، وقد حاولت مجموعة من باحثي جامعة هاواي حساب عدد حبيبات الرمل على شواطئ الأرض، فكان رقماً مهولاً (75 أمامها 17 صفراً)(5)، ولكن تقدير عدد النجوم في الكون المرئي فقط أكثر بكثير، فبذا يكون هناك 133 ألف نجم لكل حبيبة رمل على سواحل الأرض! بمعنى أن عدد النجوم أكثر من حبيبات الرمال 133 ألف مرة!
الكون الواسع
السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في مساحة فارغة في عام واحد، ونظراً لأن سرعة الضوء تبلغ حوالي 300 ألف كيلومتر في الثانية، فإن السنة الضوئية تبلغ حوالي 10 تريليونات كيلومتر، مثلاً إذا كان نجم ما على بعد 100 سنة ضوئية عن الأرض، فضوؤه يستغرق 100 عام للوصول إلينا، وعندما نرى ضوءه، فإننا نرى موقع ذلك النجم كما كان قبل 100 عام؛ فسبحان الله القائل: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة)، وعندما نستخدم تلسكوبات حديثة قوية لمراقبة الأجرام البعيدة في الفضاء، فإننا في الواقع ننظر في الزمن الماضي!
والشمس أقرب نجم إلينا تبعد 150 مليون كيلومتر، لذلك يستغرق ضوء الشمس حوالي 8.3 دقائق للوصول إلى الأرض؛ هذا يعني أننا نرى الشمس دائماً كما كانت منذ 8.3 دقائق، وجميع النجوم الأخرى التي يمكننا رؤيتها أبعد من ذلك، وبعضها على بعد آلاف السنين الضوئية، تقول وكالة الفضاء الأمريكية: إن حجم الكون المرئي غير ممكن معرفته، أما قطره فهو 94 مليار سنة ضوئية(6)؛ أي أن قُطر الكون الملاحظ بالكيلومترات هو 94 أمامها 22 صفراً!
هل تتسع السماء مع الوقت؟
في عام 1998م، وجد العلماء أن بعض النجوم من المستعرات العظمى، والانفجارات النجمية الساطعة، كانت خافتة أكثر من المتوقع، وخلصوا إلى أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تحركت بعيداً بمعدل أسرع مما كان متوقعاً، ويتوقعون أن يستمر الكون في التوسع في جميع الاتجاهات إلى وقت غير معلوم، ويتسع الكون بمعدل 74 كيلومتراً في الثانية لكل 3 ملايين سنة ضوئية، ويصل الاتساع الهائل إلى سرعة الضوء في أجزاء الكون البعيدة(7)، ونظراً للتوسع المستمر للكون، فإن الكون المرئي يتوسع سنة ضوئية أخرى كل سنة أرضية(8).
يقول الله سبحانه: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات: 47)، للمفسرين أقوال بعضها يلمّح بسبق القرآن للحقيقة العلمية عن توسع السماء، اختصرها الماوردي (ت 450 هـ) في تفسيره «النكت والعيون» فقال: فيه 5 أوجه؛ أحدها: لموسعون في الرزق بالمطر، قاله الحسن، الثاني: لموسعون السماء، قاله ابن زيد، الثالث: لقادرون على الإيساع بأكثر من اتساع السماء، الرابع: لموسعون بخلق سماء مثلها، قاله مجاهد، الخامس: لذوو سعة لا يضيق علينا شيء نريده.
وقال القاسمي (ت 1914م) في «محاسن التأويل»: «لقادرون على الإيساع، كما أوسعنا بناءها»، ومن المعاصرين أبو بكر الجزائري في «أيسر التفاسير»: «لقادرون على توسعته أكثر مما هو عليه، وذلك لسعة قدرتنا»، وسعيد حوى في الأساس في التفسير: الآية تشير إلى سعة الكون من ناحية، كما تشير إلى موضوع تمدد الكون وتوسعه المطّرد، وفي ذلك ما فيه من إعجاز وسع به القرآن الزمان والمكان، فالذين يريدون أن يعطلوا العمل بهذا القرآن بسبب تقدم العلوم، عليهم أن يراجعوا أنفسهم.
وقال بدلالة الآية على تمدد الكون وتوسعه مصطفى محمود، والزنداني، وزغلول النجار، وراتب النابلسي، وفاضل السامرائي، ومحمد إسماعيل المقدم، وعليّ الصلابي، والجمعية الأردنية لإعجاز القرآن، ومعظم مترجمي معاني القرآن للإنجليزية، وغيرهم.
فالآية قد تشير إلى أن الكون المعبّر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، يدل على ذلك لفظ «لَمُوسِعُونَ» فهو اسم فاعل بصيغة الجمع يفيد الاستمرار (وهذا ما حمل الكوفيين على أن يسمُّوا اسم الفاعل بالفعل الدائم)، وأن الكون في حالة توسع مستمر، وهذا ما كشفت عنه المشاهدات الفلكية للعالم هابل عام 1929م(9).
فسبحان الله القائل: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل: 12)، فالجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسييره، وفي ذلك دلالات على قدرته الباهرة وسلطانه العظيم، لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه، فسبحان الله واسع العظمة والملك والسلطان، المستحق حقاً وحده للعبادة.
____________________
(1) الغزالي، مجموعة رسائل الإمام الغزالي، المكتبة التوفيقية، ص6.
(2) Gunn, How many galaxies are there in the universe? Sky at night magazine, 10 /2/2023.
(3) The European Space Agency, How many stars are there in the Universe?
(4) Harvey & Howell, How many stars are in the universe? Space.com, 11/2/2022.
(5) Blatner, Spectrums: Our Mind-Boggling Universe from Infinitesimal to Infinity, Bloomsbury, 2014.
(6) NASA, Age & Size of the Universe Through the Years, 2006.
(7) NASA, What is Dark Energy? Inside our accelerating, expanding Universe, 5/2/2024.
(8) Sottosanti, “observable universe.” Encyclopedia Britannica, 23/10/2024.
(9) يوسف الحاج أحمد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، دار ابن حجر، 2003، ص383.