كاتب المدونة: كرم الدين حسين (*)
تعتبر ظاهرة التطرف الديني وكذا ظاهرة الانحلال الأخلاقي من القضايا البارزة التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، هذه الظواهر أرى أنها ترتبط بشكل وثيق بنقص الوعي الديني، وضعف تعليم الدين الصحيح والمعتدل، الذي كان يُقدم في الماضي من خلال المساجد والزوايا، فلم تكن هذه الأماكن مقتصرة على أداء الصلوات وتلاوة القرآن، بل كانت مؤسسات توجيه وتربية شاملة.
في الماضي، كانت المساجد تُمثل مؤسسات تعليمية حقيقية، حيث كان العلماء والفقهاء ينشرون معارفهم في تفسير القرآن وتعليم الناس مبادئ الدين بطرق مبسطة وعميقة، كان للأئمة دور حاسم في توجيه الناس وتبصيرهم، وساهموا في بناء مجتمع واعٍ ومرتبط بقيمه الروحية والأخلاقية، وكمثال على ذلك، نجد شخصيات مثل الإمام محمد عبده الذي ساهم في تطوير الفكر الديني بطرقه المبسطة لفهم الدين، والشيخ جوهري، وحتى الشيخ حسن البنا، الذين كانوا يمزجون بين العلم والدين بطرق تلبي حاجات المجتمع.
اليوم، ورغم تواجد المساجد، فإن دورها قد تقلص في بعض المجتمعات إلى أداء الفرائض فقط، وقلما نجد من يُعنى فيها بتعليم وتوجيه الأفراد بأسلوب عميق ومنفتح، كما أن العديد من الأئمة الحاليين قد يفتقرون إلى التعليم الديني العميق، وحتى إن توافر لديهم، فإنه غالبًا ما يُستخدم فقط في مناسبات محددة مثل خطب الجمعة، ولا نرى حضوراً لشخصيات على قدر من التأثير مثل الإمام محمد عبده، الذين يستطيعون أن يشرحوا تعاليم الدين بطريقة عصرية ومبسطة تلائم المجتمع.
هذا الانحدار في دور المساجد والتعليم الديني، أدى إلى ظهور مشكلتين أساسيتين في بعض المجتمعات الإسلامية، فمن جهة، نجد الأفراد الذين يفقدون الأمل في مغفرة الله ويشعرون باليأس من إمكانية التوبة، ومن جهة أخرى، نجد من يتمادى في طلب المغفرة بشكل مفرط؛ ما يؤدي إلى تهاونهم في التمسك بالقيم الدينية والسقوط في براثن الانحلال الأخلاقي، هذا الانقسام يُعرض الأفراد لأن يكونوا عرضة للتأثر بشيوخ التطرف والتحريف الذين يضللونهم ويجذبونهم إلى مسالك ضيقة تُسيء فهم مفهوم الجهاد، وتحوّل الدين إلى مصدر للعنف بدلًا من أن يكون منهجًا للرحمة والسلام.
لو نظرنا إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن المساجد كانت تمثل دورًا مهمًا في التعليم، مثل جامع الأزهر في مصر، ومسجد الأموي في الشام، ومسجد القرويين في فاس، والزوايا المنتشرة في بلاد الخليج العربي بل وحتى في الأندلس قبل سقوطها، وغيرها من المؤسسات العلمية التي أفرزت علماء ومفكرين قدموا الفكر الديني السليم، فقد كان لهذه المؤسسات دور مهم في نشر التوعية الدينية والثقافية، وتعزيز القيم الأخلاقية.
في الختام، إن استعادة دور المساجد والزوايا كمنارات للعلم والتوجيه، وإعداد أئمة مؤهلين يمتلكون ثقافة دينية عميقة، يشكلان حلاً رئيساً لمشكلة التطرف والانحلال الأخلاقي، علينا أن نعود للمساجد كمنارات ثقافية، وأن نسعى لبناء مجتمع واعٍ دينياً وأخلاقياً، مستفيدين من تاريخنا الحافل بالعلماء والمفكرين الذين ساهموا في نشر تعاليم الدين بشكلٍ معتدلٍ ومتوازنٍ يجمع بين التمسك بالأصالة والقدرة على التكيف مع متغيرات العصر.
__________________
(*) صحفي وباحث مغربي.