تزداد أهمية الزواج المبكر في العصر الحالي مع تزايد الاختلاط، وتكاثر الفتن، وتعدد أبواب الفاحشة، وكثرة المغريات أمام الشباب من الجنسين، بينما تقوم مجتمعات بتعسير أموره، وفرض اشتراطات مبالغ فيها، تحد من الإقبال على آية من آيات الله، قال عنها في محكم كتابه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).
والزواج سُنة نبوية أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، كما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لَكِني أنا أصلي وأقوم، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنتي فليس مني» (متفق عليه).
والترغيب في الزواج ليس في حاجة للتذكير بأدلة شرعية من الكتاب والسُّنة، فهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن البعض يغفل أو يتغافل عن فوائد الزواج المبكر؛ نتيجة الانشغال بالسفر، أو العلم، أو تحصيل المال، وربما يتسبب الوالدان في تأخير الأمر بالنسبة لأبنائهما، نتيجة المبالغة في تجهيزات الزواج من مسكن وغيره، فتجد الشباب يتزوج في سن الثلاثين أو الأربعين في بعض البلدان العربية.
يقول ابن الجوزي، في كتابه «أحكام النساء»: «كان يقال: العجلة من الشيطان إلا في خمس، إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب».
هذه السطور تذكر جميع الأطراف بأهمية وفوائد الزواج المبكر، وتفضيل السعي إليه، وعدم التسويف في هذا الأمر؛ لأن النتائج الناجمة عن ذلك سلبية وكارثية، وقد تفتح أبواب الرذيلة والفاحشة في المجتمع.
أولاً: الزواج يحصن الطرفين، ويعف النفس، ويشبع الغرائز، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه، فقال: «وفي بضع أحدكم صدقة»، فقال أحدهم: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر على ذلك؟ فقال: «نعم، أرأيت إن كان في حرام هل عليه معصية؟!» (رواه مسلم).
ثانياً: الزواج يقي من الزنى والفجور، ويحول دون الوقوع في الرذيلة، وهو بمثابة مظلة حماية تقي المجتمع المسلم من الفتن والحرام، فما بالك إذا كان مبكراً، والشباب في عنفوانه الجنسي، وكذلك الفتاة، لا شك أنه سيكون أكثر فاعلية في تحقيق هذا الهدف.
ثالثاً: يعمل الزواج المبكر على تكوين أسرة في سن أصغر، مقارنة ممن يتأخرون في اتخاذ خطوة الزواج، فيصبح الشاب المتزوج أباً في سن العشرين مثلاً؛ ما يتيح له توفير بيئة مستقرة وآمنة لتربية الأطفال، ومتعة أكبر في الحياة، وهو يرى أطفاله يكبرون أمامه، وهو ما زال في مرحلة الشباب.
رابعاً: ينمي الزواج في الطرفين تحمل المسؤولية؛ ما يعزز من قدرة كل منهما على مواجهة تحديات الحياة، فالشاب سيصبح مسؤولاً عن زوجة وطفل أو أكثر، والزوجة ستصبح أماً وراعية في بيت زوجها، عن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال: سَمِعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسؤولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ» (متفقٌ عَلَيهِ).
خامساً: يحسن الزواج من الصحة العامة، ويسهم في تحسين نمط حياة الطرفين، من اتباع نظام غذائي صحي، والإقلال من تناول الوجبات السريعة، والمطاعم الخارجية، وهو ما ينعكس بالإيجاب على الحالة الصحية.
سادساً: يمنح الزواج كلا الطرفين حالة نفسية ومزاجية طيبة، مع انخفاض مستويات التوتر والاكتئاب، وتزايد منسوب السعادة مع ممارسة العلاقة الزوجية في جو من المودة، حيث يتمتع المتزوجون في سن مبكرة بمستويات أقل من التوتر مقارنة بمن يفضلون تأخر الزواج، وفق دراسات حديثة.
سابعاً: يساعد الزواج المبكر على بناء شبكة علاقات اجتماعية واسعة بالمصاهرة مع أهل الزوجة؛ ما يعني أنه ربح عائلة جديدة، وتوطدت علاقاته بأشخاص جدد من خارج محيطه الأسري.
ثامناً: تشجع تلك الخطوة الرجل على الاستقرار المالي، والعمل على تحسين وضعه الوظيفي، والعمل بجدية؛ لضمان حياة كريمة لأسرته، ومستقبلاً مشرقاً لأبنائه، فمن يتزوج مبكراً يستشعر المسؤولية نحو ضرورة تحقيق أهدافه المهنية.
تاسعاً: يحقق الزواج المبكر فوائد نفسية جمة، منها نيل الدعم العاطفي والمعنوي والأدبي من الشريك، والحصول على الأمان والمشاركة والحافز دوماً نحو النجاح والاستقرار، وهي فوائد لن يحققها تأخر الزواج وتبعاته من الإحباط والاكتئاب والوحدة والعزلة.
عاشراً: يكتسب كل طرف مهارات جديدة في ترتيب الأولويات وإدارة الأزمات والتواصل الفعال، من خلال التعامل بين الزوجين، بما يساعدهما على مواجهة التحديات، ويسرّع من نضج شخصيتهما، الأمر الذي يمنح المجتمع شخصية قوية، سواء كان رجلاً أو امرأة.