شهدت مدينة سنبهل في ولاية أترابراديش الهندية في الآونة الأخيرة أحداثًا مأساوية إثر اندلاع اشتباكات بين الشرطة ومجموعة من السكان المحليين أثناء عملية مسح لمَسجد الشاهي في المنطقة، الحادث الذي أسفر عن مقتل 3 شبان، وهم: نعيم، وبلال، ونويد، أثار جدلاً واسعاً حول التعامل الأمني مع المظاهرات والاحتجاجات في المناطق الحساسة من الناحية الدينية،
وشهدت الهند في السنوات الأخيرة العديد من الحوادث التي أظهرت التوترات الطائفية بين المجتمع الهندوسي والمسلم، وكان آخرها الحادث الذي وقع في سنبهل، في ولاية أترابراديش، الذي أسفر عن مقتل 3 شبان على يد الشرطة أثناء اشتباكات اندلعت في المنطقة على خلفية مسح مسجد الشاهي، ويعتبر هذا المسجد من أقدم المساجد في المنطقة وله تاريخ طويل يمتد لأكثر من 500 عام، وقد تم إنشاؤه بأمر من الإمبراطور بابر في عام 1528م.
خلفية الحادث
في 19 نوفمبر الجاري، قررت المحكمة المحلية إجراء مسح للمسجد كجزء من تحقيقات مرتبطة بجزء من سلسلة من المسوح التي تتم في مختلف المواقع الدينية في الهند، وتم تعيين مفوض من قبل المحكمة للإشراف على عملية المسح، حيث كان من المفترض أن يتم المسح في وقت لاحق في 26 الجاري، ومع ذلك، وبعد وقت قصير من بداية المسح في الساعة السابعة صباحًا من اليوم المقرر، اندلعت اشتباكات عنيفة بين السكان المحليين والشرطة، تعود هذه الاشتباكات إلى قيام بعض الأشخاص برمي الحجارة على فريق المسح وتدمير سيارات الشرطة؛ ما دفع الشرطة للرد باستخدام الغاز المسيل للدموع وضرب المواطنين بعصيها.
ورغم أن الشرطة قد استخدمت أسلوبًا تدريجيًا في رد فعلها في البداية، فإن الأمور تصاعدت بسرعة، حيث تحولت الاشتباكات إلى أعمال عنف شديدة أسفرت عن مقتل 3 شبان برصاص الشرطة كما يزعم أهل المدينة، وهؤلاء الشبان تم التعرف عليهم على أنهم نعيم، وبلال، ونويد، وقد لقيت وفاتهم احتجاجًا واسعًا من قِبل المجتمع المسلم في سنبهل.
الظروف السياسية والدينية
تشهد الهند منذ سنوات طويلة توترات طائفية متزايدة، حيث تزداد النزاعات بين المسلمين والهندوس بسبب قضايا دينية وثقافية، ولعل أحد الأسباب الرئيسة لهذه التوترات سياسة «الهندوسية السياسية» التي يتبعها الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا (BJP)، الذي يُنظر إليه من قبل بعض الأوساط كحزب يروج للأيديولوجية الهندوسية على حساب الأقليات، خاصة المسلمين، هذه السياسة كانت عاملاً محوريًا في إشعال العديد من الاشتباكات الطائفية في أنحاء البلاد.
وفي ظل هذه البيئة المتوترة، أصبحت العديد من المواقع الدينية مواضيع للنزاع، من هذه المواقع مسجد الشاهي في سنبهل، الذي يُعتبر مكانًا حساسًا جدًا من الناحية الدينية، فقد اندلعت مظاهرات احتجاجًا على مسح المسجد، وتبعت هذه الاحتجاجات أعمال عنف شملت رمي الحجارة وإحراق السيارات، وقد يكون هذا الصراع جزءًا من حملة أوسع تستهدف المساجد والمواقع الإسلامية في الهند، التي يعترض عليها بعض الجماعات الهندوسية بشدة.
ردود الفعل الحكومية والشرطة
أدى الحادث إلى ردود فعل متباينة على المستوى الحكومي، فقد واجهت الشرطة انتقادات حادة بسبب تعاملها العنيف مع الاحتجاجات، وخاصة فيما يتعلق باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين؛ وهو ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص، إذ صرح المفوض بأن الشبان الذين قُتلوا كانوا يحملون سكاكين في جيوبهم، ولكن لم يقدم أي دليل يدعم هذا الادعاء، كما أن تصرفات الشرطة في استخدام الغاز المسيل للدموع والضرب بالعصي كانت محل انتقاد، حيث وصفها الكثيرون بأنها رد فعل مبالغ فيه وغير مبرر.
من جهة أخرى، أدلى بعض المسؤولين الحكوميين بتصريحات تدعو إلى تعزيز الإجراءات الأمنية ضد الاحتجاجات العنيفة، مشيرين إلى ضرورة فرض قوانين صارمة مثل قانون الأمن الوطني (NSA) ضد أولئك الذين يشاركون في أعمال العنف، كما هدد بعض المسؤولين بتدمير المنازل التي يعتقد أنها تستخدم كمراكز لتمويل الاحتجاجات؛ ما أثار مخاوف من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى مزيد من التوترات الطائفية في المنطقة.
التأثيرات على المجتمع المحلي
أثارت الحادثة موجة من الاحتجاجات والغضب في المجتمع المسلم في سنبهل، حيث نظم العديد من الأشخاص مظاهرات حاشدة مطالبين بالعدالة للقتلى الثلاثة، وأكد المتظاهرون أن الشرطة لم تحترم حقوقهم في التعبير السلمي عن احتجاجاتهم، وأن تصرفاتها كانت غير مبررة، كما أشار بعض الناشطين إلى أن وسائل الإعلام المحلية كانت تحاول تصوير الضحايا على أنهم مشاغبون؛ ما يساهم في تشويه صورتهم وتبرير العنف الذي تعرضوا له.
وفي المقابل، أدت هذه الحادثة إلى تضامن واسع بين المجتمعات المسلمة في سنبهل والمناطق المجاورة، كما أن هذه الحادثة أثارت أيضًا مخاوف من تصاعد العنف الطائفي في المستقبل، خاصة إذا استمر تعاطي الحكومة مع هذه الحوادث بأسلوب عسكري وقمعي.
التحديات والآفاق المستقبلية
تواجه الحكومة الهندية تحديات كبيرة في التعامل مع مثل هذه الحوادث، حيث يجب عليها موازنة حقوق الأقليات مع ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، في الوقت ذاته، يجب أن تتم محاسبة الشرطة بشكل عادل على تصرفاتها، ويجب التحقيق بشكل شفاف في ملابسات الحادث ومحاسبة المسؤولين عن مقتل الشبان الثلاثة.
على المستوى المحلي، يحتاج المجتمع الهندي إلى إعادة التفكير في كيفية تعزيز التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأديان، يجب أن تكون هناك جهود حقيقية من قبل الحكومة والمجتمع المدني لتقليص الفجوات بين المسلمين والهندوس، وتعزيز ثقافة التسامح والقبول المتبادل.
وخلاصة القول: إن الحادث الذي وقع في سنبهل يعد بمثابة تذكير آخر بالتحديات الكبيرة التي تواجه الهند في مجال تعزيز التعايش السلمي بين مختلف الأديان، لا بد من أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر فاعلية لضمان احترام حقوق الإنسان وحمايتها، وتجنب تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل، كما يجب أن تظل العدالة هي المعيار في معالجة هذه القضايا، مع ضمان ألا يكون هناك تمييز ضد أي فئة من المواطنين بسبب دينهم أو خلفيتهم الثقافية.