سالم بن عبدالله بن عمر، أحد فقهاء المدينة السبعة ومن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، الحافظ ومفتي المدينة، أبو عمر ويقال أبو عبدالله، قال الإمام مالك: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى في الزهد والفضل والعيش منه.
اسمه ونسبه
سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، وقد ذُكِر أن سبب تسميته كان تيمُّنًا بسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما، عن سعيد بن المسيب، قال: قال لي عبد الله بن عمر: أتدري لمَ سميتُ ابني سالماً؟ قال: قلت: لا، قال: باسم سالم مولى أبي حذيفة (ابن عساكر، تاريخ دمشق، 12/ 51)
نشأته
وُلد سالم بن عبدالله في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم، وأقام في الحجاز ومكة والمدينة وبلاد الشام، وكان من عادة الصحابة أن ينشأ أبناؤهم في المدينة دار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى وإن كانوا مستقرين خارج المدينة؛ فنشأ الإمام الحافظ الزاهد سالم بن عبدالله في المدينة المنورة؛ حيث الصحابة الذين حرصوا على تحصيل العلم وتعليمه (ابن حجر، فتح الباري، 7/ 281).
ولا سيما أن الصحابة جلسوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي للتعليم في نظام الحلقات التي بدأت خطوة خطوة تأخذ طابعًا منظمًا في الزمان والمكان (الفراجي، عدنان، الحياة الفكرية في المدينة المنورة، 61).
ففي هذه البيئة الحافلة بالعلم والعلماء نشأ سالم فأخذ العلم عن كبار الصحابة، وقد أخبر موسى بن عقبة عن أخذه للعلم، فقال: «أسند سالم ما لا يعد كثرة عن أبيه وعن جلة الصحابة» (أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، 194).
صفاته
كان سالم بن عبدالله يمتاز بعدة صفات خُلقية؛ فقد كان خشن المعيشة؛ حيث يُذكر أنَّه رضي الله عنه كان يرتدي الصوف الخشن، وكان زاهدًا في الدنيا، فبلغ من زهده أنَّه لم يكن يعمد إلى جمع شيء معين إلا ابتغاء الدار الآخرة، وذات مرَّة دخل عليه ميمون بن مهران فعمد إلى تقويم بيته، ولم يجد أنَّه يُساوي سوى مائة درهم (الباشا، صور من حياة التابعين، 56).
ومن زهده وورعه ابتعاده عن أموال السلطان؛ فقد ذُكر أنه كان يرفض العطاء من الولاة، والروايات الواردة عنه مع الخليفة هشام بن عبدالملك تثبت ذلك، فقد ذُكر أن هشام بن عبدالملك دخل إلى حجر الكعبة المشرَّفة، فإذا هو قد لقِيَ سالم بن عبدالله، فقال سالم لهشام: “إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره”؛ أي: إنَّه يستحي من الله تعالى أن يدعو ويطلب شيئًا من أحد غيره سبحانه وتعالى، وعندما خرج سالم خرج هشام متعقبًا لأثره؛ أي: كان خلفه، فقال له حينها: «الآن قد خرجت من بيت الله فسَلني حاجة»، فردَّ عليه سالم وقال: «من حوائج الدُّنيا أم من حوائج الآخرة؟»، فردَّ هشام بن عبدالملك قائلًا: «من حوائج الدنيا»، فقال سالم: «إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟»؛ أي: إنَّه لم يطلب حاجته من الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، فهل يطلبها منه؟! (ابن عساكر، تاريخ دمشق، 22/ 54).
مكانته العلمية
كان سالم بن عبدالله من فقهاء المدينة، فقد قال ابن المبارك: «كان فقهاء أهل المدينة، الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة: ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وسالم، والقاسم، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد، وكانوا إذا جاءتهم مسألة، دخلوا فيها جميعاً؛ فنظروا فيها، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم، فينظرون فيها، فيصدرون»، وكان سالم لا يتوسع في التفسير، قال الطبري عن عبيدالله بن عمر، قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير منهم: سالم بن عبد الله. (محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ص 85).
روايته للحديث
كان سالم بن عبدالله رضي الله عنهما إمامًا عاملًا زاهدًا، يلبس الثوب بدرهمين، وكان أبوه عبدالله يقبله ويقول: «شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا»، تلقى علمه في المدينة، وسمع من الصحابة، فروى عن أبيه وعن أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين، وروى عنه من التابعين عمرو بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وموسى بن عقبة، وحُميد الطويل، وصالح بن كيسان، وغيرهم، وروى عنه كثير من أتباع التابعين، ولعلمه وجلالته عَدُّوهُ من الفقهاء السبعة، وكان ذا مكانة رفيعة حتى إن سليمان بن عبدالملك رحَّب به وأقعده على سريره؛ قال محمد بن سعد: «كَانَ سَالِمٌ كَثِيرَ الحَدِيثِ عَالِيًا فِي الرِّجَالِ وَرِعًا»، وقال إسحاق بن راهويه: «أَصَحُّ الأَسَانِيدِ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ» (الخطيب، محمد عجاج، السنة قبل التدوين، 519).
علمه بالجرح والتعديل
برز التابعي سالم بن عبدالله بعلم الحديث، وكان صاحب مرتبة علمية في الجرح والتعديل، وهو أحد العلوم المهمة التي أضافت للحديث النبوي رونقه وموثوقيته؛ فقد اعتبر أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه أن أصح أسانيد أحاديث عبدالله بن عمر، هو ما رواه الزُّهري عن سالم بن عبدالله عن أبيه (الذهبي، سير أعلام النبلاء، 5/ 132).
وفاته
توفي سالم سنة خمس ومائة، وقيل: سنة ست ومائة في آخرها، ووافق موته حج هشام، الذي قدم المدينة فصلى عليه، وقيل: توفي سنة سبع ومائة، وقيل: سنة ثمان ومائة (ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق).
____________________
1- تاريخ دمشق، ابن عساكر.
2- فتح الباري، ابن حجر.
3- الحياة الفكرية في المدينة المنورة، عدنان الفراجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2005م.
4- حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني.
5- صور من حياة التابعين، عبدالرحمن رأفت باشا.
6- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري.
7- السنة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، 2008م.
8- سير أعلام النبلاء، الذهبي.
9- مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور.