الرزق الحلال والاعتدال في الإنفاق
من رحمة الله بعباده في المعاملات الاقتصادية أنه عز وجل أحل الطيبات من الأرزاق لعباده لتعمير الأرض، كما أمر بالسعي للحصول على الرزق الحلال الطيب والاعتدال في الإنفاق، ومن نماذج الرحمة في المعاملات الاقتصادية:
– أحلّ الله الكسب الطيب رحمة وبركة، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {267}) (البقرة)، وقوله في صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً {67}) (الفرقان)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً، اكتسب طيباً، وأنفق قصداً، وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجته» (كنز العمال)، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب، فقال: «بيع مبرور وعمل الرجل بيده» (رواه أحمد)، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح» (رواه أحمد).
– الادخار لنوائب الدهر رحمة، فمن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم السابق بيانها هو الكسب الطيب والاقتصاد في النفقات، وكذلك الادخار لنوائب الدهر، يقول الله تعالى عن الكسب في المستقبل: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً) (لقمان: 34)، ولقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر» (رواه الترمذي)، ومن وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبي ذر: «.. خذ من غناك لفقرك».
– أمر الله السماحة في المعاملات رحمة، وأصل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وإذا اشترى، وإذا قضى، وإذا اقتضى» (رواه البخاري)، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل المؤمنين رجل سَمْح البيع، سَمْح الشراء، سمح الاقتضاء» (رواه الطبراني)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأغلظ له (أي أغلظ القول لرسول الله)، فَهَمَّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، ثم قال: أعطوه سِنّاً (ناقة) مثل سِنِّه، قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أَمْثَل مِنْ سِنّه؟ قال: أعطوه، فإن خيركم أحسنكم قضاء» (البخاري ومسلم).
– التيسير على المدين المعسر وإعفاء المفلس رحمة، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280}) (البقرة)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسراً أو وضع له (تنازل له عن جزء من الدين) أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله» (رواه الترمذي وابن ماجه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة» (رواه مسلم وابن ماجه)، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: عملت من الخير شيئاً؟، قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجاوزوا عن الموسر، قال: قال الله: تجاوزوا عنه» (البخاري ومسلم). تعقيب من الثمار المباركة لرحمة الله لعباده في المعاملات الاقتصادية والمالية السابق بيانها هو تحقيق الخير والبركة والتكافل والتضامن بين الناس.
ومن مظاهر ذلك ما يلي:
– استشعار الراحة القلبية والطمأنينة والأمن بين المتعاملين، وهذا يحفزهم على التمسك بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. – زيادة الثقة في المعاملات الاقتصادية والمالية وتيسيرها وسهولتها، وهذا يقود في حد ذاته إلى الاستقرار والأمان.
– تحقيق البركات في الأرزاق بسبب الإيمان والتقوى والتراحم، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {96}) (الأعراف).
– يؤدي الالتزام بالقيم الأخلاقية ومنها خلق الرحمة في التعامل مع غير المسلمين إلى إظهار عظمة الإسلام وسماحته ونشره، كما فعل التجار المسلمون في صدر الإسلام. – من صور الشقاء في المعاملات الاقتصادية التي يجب تجنبها، المعاملات التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، وتجلب الحقد والكراهية والبغضاء والشقاء بين الناس، ومن صورها: الربا، لقد حرم الله الربا بكل صوره لأنه يتنافى مع خُلُق الرحمة، ويؤدي إلى المحق والشقاء ويسبب الحياة الضنك للناس جميعاً، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {276}) (البقرة)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه» (رواه مسلم).
ومن المعاملات الاقتصادية المرفوضة الاحتكار: ويقصد به إخفاء السلعة عمداً، ورفع أسعارها على الناس بغية المغالاة في تحقيق الأرباح العالية، مستغلاً حاجة الناس، وهذا السلوك يتنافى مع القيم والأخلاق ومنها خلق الرحمة والرأفة، ولقد حرم الإسلام كافة صور الاحتكار، ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» (ابن ماجه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من احتكر فهو خاطئ» (رواه مسلم)، ويستنبط من ذلك أن المحتكر يخرج من رحمة الله.