أحب النبي زاهراً لصدق إيمانه، وصفاء نفسه، ودماثة خُلُقه
كان زاهر رجلاً بدوياً ذميماً لم يرزقه الله من جمال الوجه ما يغبطه عليه الناس، بل إن العين كانت لا ترتاح إلى النظر إليه، بل إنها تنفر من متابعة التفرُّس في تقاسيم وجهه، ولقد أضيف إلى ذلك لون بشرته القريب من السواد، وصوت نبرته التي لا تسرّ السامع، بالإضافة إلى رثاثة ثيابه وجميع أحواله! وسمع زاهر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يدعو إلى الهدى والخير، ويعرف الناس بالله وبدينه الذي يرتضيه لعباده، فاستأذن أباه أن يذهب إليه ويستمع منه، فنهاه عن ذلك، وقال له: يا بني أنى لك أن تظفر بالجلوس إليه والاستماع إليه؟ وأنى لك أن يُقبل عليك ويهتم بشأنك؟! لكن زاهراً قال له: دعني يا أبت أذهب إليه، فلعلي أن أجد حظوة منه، فإني سمعت عنه أنه متواضع، يجلس إلى كل من قصده.
وأقبل زاهر صباح يوم من الأيام على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنه، فقيل له: إنه في حجرته، وأتى زاهر حجرة النبي، وطرق عليه بابها، ففتح له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدخله إلى حجرته، فقال له زاهر: اعرض عليَّ يا محمد ما تدعو إليه، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، وتلا عليه القرآن، فما كان من زاهر إلا أن آمن من ساعته، ومد يده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعاً على دينه، ثم ودّع رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفاً إلى باديته.
أحبَّ زاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً، وأصبح لا يدع زيارته في مدينته، وكان في كل مرة يذهب فيها إلى المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستماع له والصلاة خلفه، يحمل إليه طُرفة من طُرف البادية يهديها إليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرب به ويزوده إذا رجع بهدية أحسن من هديته.
وفي يوم من الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على سوق المدينة، فإذا بزاهر يبيع أشياء أحضرها معه من البادية، فأتاه عليه السلام من وراء ظهره، ثم أمسكه وشده إلى جسمه، وزاهر لا يبصر من يمسكه، فما كان منه إلا أن صرخ: أرسلني أيها الرجل، من هذا؟ والتفت زاهر برأسه إلى الوراء، فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يداعبه، فجعل يُلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مغتبط بذلك فرح به أيما فرح! ونادَى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري العبد؟» فصاح زاهر: إذن – والله – يا رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدني كاسداً، لكن النبي صلى الله عليه وسلم المحب الرحيم الكريم، أجابه على مسمع من أصحابه: «لكنك عند الله لست بكاسد، إنك عند الله غال»، وسُرَّ زاهر أيما سرور بما سمع، وأعجبه أن يبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه البشارة التي تعدل الدنيا وما فيها، وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أطلقه يقوله له: جزاك الله عني خير الجزاء يا رسول الله، فقد أسعدني الله بك في الدنيا، وأرجو منه سعادة الآخرة.
أحب النبي زاهراً لصدق إيمانه، وصفاء نفسه، ودماثة خُلُقه، وكان يقبل هداياه التي كان يأتيه بها من البادية، ويثيبه عليها بأحسن منها، ويقول عنه: «زاهر باديتنا، ونحن حاضرته».
المصدر: كتاب “أنوار رمضانية”