اعتقال الصحفيين في سجون الاحتلال لا يلغي دورهم الريادي في توثيق عذابات الأسرى في السجون، وما يواجهونه من معاملة عنصرية من قبل مصلحة السجون.
المحرر الصحفي سامي الساعي من مدينة طولكرم أب لأربعة أطفال، حكمت عليه محكمة سالم بالسجن لمدة تسعة أشهر، بتهمة صفحته على “الفيسبوك” والتحريض من خلالها حسب زعم الاحتلال.
“المجتمع” التقت الصحفي المحرر سامي الساعي، لتسليط الضوء على معاناة الأسرى بعين الصحفي الفلسطيني.
دافع مهني ووطني وإنساني
آثر الصحفي المحرر سامي الساعي الحديث عن دافعه في توثيق هذه الانتهاكات بالقول: الدافع مهني ووطني وإنساني، ففي الأسر تلتقي مع أصحاب المؤبدات، وقد مضى على اعتقالهم عشرات السنوات، فمنهم مازال يحتفظ بحذاء طفله الصغير الذي زاره قبل 20 عاماً أو بقلة طفلته والتي أصبحت أماً بعد زواجها، فمقتنيات الأسرى الشخصية لعائلاتهم، تجسد تراجيديا لا توجد إلا في فلسطين في سجون الاحتلال.
وأضاف: أن تعمل صحفياً وأنت أسير كأنك تعمل في حقل أشواك، فعند نقلي من سجن مجدو إلى سجن جلبوع بناء على رغبتي، أخضعني مسؤول الاستخبارات في السجن إلى الاستجواب والذي تضمن تهديداً بالعقوبة إذا قمت بتوثيق معاناة أسرى المؤبدات، فهم يخشون الحقيقة ونشرها في وسائل إعلامية.
العمل في الخفاء
يشرح المحرر الساعي عمله داخل السجن القول: كنت أحرص على إخفاء كل ملاحظاتي وتدويناتي الشخصية عن حالات الأسرى التي التقي بها، ففي عملية التفتيش يكون التخريب والمصادرة، ولذا كنت أتخذ وسائل احتياطية كي لا ينجح ضباط السجن في مصادرة ما أقوم بتدوينه، وعند إخراج المادة المكتوبة تكون بطريق التمويه، بحيث لا يلاحظ ضباط السجن هذه التدوينات المهمة.
اللقاء مع أقدم أسير
يصف المحرر سامي الساعي اللقاء مع أقدم أسير في سجون الاحتلال عميد الأسرى ماهر يونس من الداخل الفلسطيني المحتل، بالنادر والمهم ويقول: في سجن جلبوع وقبل الإفراج عني بيوم واحد، التقيت به، وما نجم عن اللقاء هو التفاؤل بالإفراج هذه المرة إلى مسقط رأسه في وادي عاره في المثلث الشمالي من الداخل المحتل، رفض الإبعاد سواء كان داخلياً أو خارجياً، لا يمكن بعد 34 عاماً من الاعتقال والإبعاد داخل الأسر القبول بطرح الإبعاد، لديه عتب على الجميع كونه مازال داخل الأسر وعدم تحريره.
وأضاف الساعي: لم أمكث مع أسرى المؤبدات فترة زمنية طويلة، حيث كانت معظم مدة الأسر في سجن مجدو مع أسرى من حديثي العهد بالأسر، بينما أسرى جلبوع بالرغم من قصر الفترة الزمنية، فإن أسرى المؤبدات وجع الأسرى والحركة الأسيرة، وهم الأكثر تمثيلاً لواقع الحركة الأسيرة، فهم عايشوا سجوناً هرم البناء فيها وهم ما زالوا بداخلها.
أوجاع الحركة الأسيرة
المحرر سامي الساعي تحدث عن أوجاع الحركة الأسيرة قائلاً: الطعام على حساب الأسرى، البوسطة قبر متنقل، المحاكم رحلة إذلال، الإهمال الطبي وسيلة انتقام من جهاز المخابرات، العزل ألإنفرادي وسيلة لضرب صمود الحركة الأسيرة، الحرمان من الحقوق إستراتيجية يتم التعامل من خلالها مع الحركة الأسيرة في كافة السجون.
الحبس المنزلي وغسيل الدماغ
فرض الحبس المنزلي على مئات الأطفال في القدس من قبل أجهزة أمن الاحتلال له دوافع خبيثة، يكشفها المرشد النفسي المقدسي حسن فرج، الذي يساهم في علاج أطفال الحبس المنزلي باستمرار، ويواجه معضلات نفسية تحول الطفل إلى شخص مريض نفسياً، ومن أهم النظريات التي تطبق على الأطفال الإشراط الكلاسيكي التي تتدرج في عدة مراحل زمنية.
يقول المرشد النفسي حسن فرج في لقاء معه: بناء على هذه النظرية يمر الطفل المقدسي في الحبس المنزلي في عدة مراحل، يتعرض خلالها إلى عدة نكسات نفسية، فالمرحلة الأولى التي تمتد من شهر إلى شهرين يكون الطفل في حالة تأهب على مدار الساعة وترقب من قدوم ضباط المخابرات لاعتقاله، والتحقيق معه والاعتداء عليه، وبعد انتهاء المرحلة الأولى تأتي مرحلة البلادة النفسية أو ما يسمى بعلم النفس حالة الانطفاء، وهي عدم الاكتراث لمن حوله، وتتحول الساعة البيولوجية في حياة الطفل في الحبس المنزلي بشكل عكسي نوم في النهار وسهر واستيقاظ في الليل، ويكون لدى الطفل حالة من الشك لمن حوله، بحيث يدخل في حالة من الهوس النفسي، وأن من يحيطه سيبلغ عنه أجهزة أمن الاحتلال.
ويتابع المرشد فرج قائلاً: وعلى صعيد الأهل يكون الوضع العائلي في إرباك، فالأهل لديهم حرص على التزام الطفل بشروط الحبس المنزلي خوفاً من الغرامات المالية الباهظة، وتزداد عصبية الطفل حتى يكون فيها إفراط.
لقاء ضابط السلوك
ولفت المرشد حسن فرج إلى قضية خطيرة تتمثل في ضرورة زيارة الطفل بشكل أسبوعي ما يسمى بضابط السلوك الذي يحدد في تقريره فترة الحبس المنزلي، وهنا يتعرض الطفل إلى نكسة نفسية في كل زيارة تولد لديه حالة من الإحباط؛ لأن تجديد الحبس المنزلي يكون مثل تمديد الاعتقال الإداري من قبل ما يسمى بضابط السلوك، الذي يعبث بمشاعر الطفل في كل مقابلة معه.
وشرح فرج قضية خطيرة تطبق على أطفال الحبس المنزلي تتمثل بتنظيم دورات لهم في الجامعة العبرية عن قوانين الاحتلال التي يجب أن يلتزموا بها حتى لا يتم اعتقالهم مرة ثانية، وهنا تمارس عملية غسيل الدماغ الخطيرة ويصبح الطفل مستودعاً لقوانين عنصرية يتحدث عنها باستمرار، وهنا تكون الطامة الكبرى في تحول الطفل إلى مدافع عن قوانين الاحتلال.
وعن رسائل الحبس المنزلي قال فرج لـ”المجتمع”: هي رسائل عنصرية تهدد استقرار المجتمع، بحيث يتم تحويل العائلات إلى سجانين؛ ما يخلق فجوة بين الطفل وعائلته وجيرانه، وهنا يدخل ما يسمى بالعنف الرمزي؛ أي العقاب الناعم بدون أي ضجة، ففي الاعتقال العادي يخرج الطفل بطلاً وطنياً، وفي الحبس المنزلي تنهال الأمراض النفسية عليه فأطفال القدس تمارس عليهم التجارب من قبل الاحتلال كفئران تجارب.
مثال للطفولة المخطوفة
طفولة الأطفال المقدسيين مخطوفة بقرار من مؤسسة الاحتلال الأمنية، والوجع في قلوبهم يتجدد بالاعتقال والحبس المنزلي والتحقيق في مركز المسكوبية والضرب أمام عائلاتهم والضرب داخل دوريات الاحتلال.
الطفل عبدالله أبو عصب في الصف العاشر من بلدة العيساوية المقدسية يروي 5 مرات من الاعتقال والوجع المتكرر، وغيابه عن أهله في سجن مجدو في رمضان والعيد، والغياب عن المدرسة.
يقول الطفل عبدالله أبو عصب لـ”المجتمع”: منذ أن كان عمري 11 عاماً، وأنا أتعرض للاعتقال والحبس المنزلي والضرب، وأذكر المرة الأولى كانت وأنا في الصف الخامس اقتحموا منزلنا، وكسروا الأبواب علينا وأخذوني إلى التحقيق وحدي بدون أهلي وحققوا معي 6 ساعات فيها الضرب والشتم والبصاق عليَّ من كل محقق كان يمر من جانبي، وبعد 6 ساعات حولوني للحبس المنزلي لمدة 6 أيام، وفي المرة الثانية كان نفس المشهد من العذاب لمدة يوم كامل ملقى على الأرض في البرد الشديد، وتم الإفراج عني مع الحبس المنزلي، وفي المرة الثالثة كان عمري 14 عاماً، وتكرر الضرب والاعتقال وفي هذه المرة أخذوني للمحكمة وصدر بحقي الحكم بالسجن الفعلي لمدة 5 أشهر، وأخذوني إلى سجن مجدو، وهناك كانت المأساة في السجن، فمصلحة السجون كانت تحرمنا من كل شيء، ومر رمضان والعيد وأنا داخل السجن، وهذه المرة الأولى في حياتي أكون بعيداً عن أهلي، وقد تم الاعتداء على والدتي وأشقائي في الاعتقال الرابع، وصادروا صورنا الشخصية في محاولة لإدانتي وإثبات أنني كنت ألقي الحجارة.
واصل المحرر الطفل عبدالله أبو عصب حديثه عن وجع الاعتقال المتكرر قائلاً: في المرة الخامسة كانت بعد الإفراج عني من سجن مجدو بعشرة أيام في 10/ 10/ 2016م، حيث تم اقتحام منزلنا في العيساوية واعتقالي عدة ساعات وفرض الحبس المنزلي بحجة إلقاء الحجارة مع أنه لم يمض عن الإفراج عني سوى 10 أيام فقط.
أمنيات مفقودة
وبعد الاعتقال المتكرر كانت أمنية الطفل المحرر عبدالله أن يواصل تعليمه في المدرسة بعد أن عاد إليها، وأن يذهب للمدرسة بدون حواجز عسكرية مذلة له ولزملائه الطلاب والتفتيش الذي يقوم به جنود الاحتلال لهم، وأن يصل للمسجد الأقصى بدون ضرب ومنع، وألا يشاهد الجنود أمام منزله.
الزغير وجراح مؤلمة
بدوره، قال الناطق الرسمي لأهالي أسرى القدس منير الزغير (أبو أشرف)، والد الأسير أشرف الزغير، المحكوم 6 مؤبدات في حديث معه: عندما نتكلم عن وجع الأطفال المقدسيين الأسرى، تنزف جراح مؤلمة، فالاحتلال من 1/ 10/ 2015م حتى اللحظة اعتقل 964 طفلاً، بينهم 25 طفلة قاصرة، و82 طفلاً دون سن الـ12 عاماً، وهذا الحجم من الاعتقال للأطفال رسالة لنا كمقدسيين أن لا أحد محصن من الاعتقال، والاحتلال يلتف على اعتقال أطفالنا، من خلال احتجاز الطفل في مركز إصلاحي حتى يبلغ السن 14 عاماً لمحاكمته، وهذا الكلام مرفوض، وفي هذه المراكز يكون أطفال من الجنائيين، والهدف حرف رسالة الطفل المقدسي في التحرر من الاحتلال.
إذلال الحواجز
واستعرض الزغير عملية الإذلال لطلبة القدس على الحواجز قائلاً: حاجز قلنديا يمر عليه يومياً 3500 طالب، وهؤلاء يتعرضون للإذلال والاعتقال التعسفي والتحقيق، والسب والشتم، فتعاملهم مع الأطفال سادي عنصري.
وأضاف أبو أشرف: عائلات الأسرى الأطفال يعانون كما يعاني أطفالهم في الزيارات، ويتم التعامل معهم بـ106 أوامر وليس قوانين، وهذه الأوامر التي أحصتها مؤسسة الميزان تشير إلى غياب أي قانون في التعامل مع الأسرى الأطفال وعائلاتهم، وهي ظالمة وتمس كرامة الناس وبدون إنسانية.