دعا مختصون عراقيون في مجال الطفولة والأسرة إلى إنقاذ أطفال العراق من آثار الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، حيث يعاني 1.2 مليون طفل من أوضاع متردية في مخيمات النزوح، فيما جرى الزج بـ10 ملايين طفل في بيئات عنف، ويفتقرون إلى حقوق الطفل.
وشددوا على ضرورة وضع إستراتيجية حكومية، بمساعدة منظمات دولية، لرعاية هؤلاء الأطفال، واستعادة من وقع منهم تحت تأثير “داعش”، لاسيما وأن هذا الجيل سيقود العراق يوماً ما.
مخيمات النزوح
د. جاسم محمد الساري، الباحث والأكاديمي في “مركز المعرفة للإسناد الأسري” قال: إن هناك ضعفاً في عمل المنظمات الدولية المتخصصة في دعم الطفل العراقي.
وكشف الساري عن وجود مليون و200 ألف طفل عراقي إجمالاً (من أصل 36 مليون نسمة) في مخيمات النزوح بمختلف المناطق، أغلبهم من مدينة الموصل، واصفاً حالة الطفل العراقي بـ”المزرية”.
وتابع الساري أن عدد الأطفال في مخيمات النزوح مرعب، والعمل على رعايتهم يجب ألا يكون فردياً، فهم بحاجة إلى مؤسسات الدولة ودعم من منظمات دولية.
ولا يقل وضع الأطفال خطورة في المناطق المحررة من تنظيم “داعش”، فهم، بحسب الباحث العراقي، يعيشون حالة من الخوف والتداعيات النفسية؛ بسبب عمليات القتل التي نفذها التنظيم الإرهابي أمام أعينهم، فضلاً عن أن أغلبهم يعانون ضغوطاً كبيرة بعد الصدمة التي تلقوها طيلة السنتين الماضيتين منذ سيطرة “داعش” على مناطقهم.
ومحذراً، قال: إن “داعش” عمل على غسل أدمغة الأطفال وحولهم عقائدياً إلى مؤمنين بالتحريف العقائدي، وزرع فيهم أفكاراً لا عقلانية تفاعلت مع رواسب اعتقادية دينية؛ ما أنتج أطفالاً عدوانيين.
الساري كشف عن إحصائية رسمية لدى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تفيد بتفجير 89 طفلاً أجسادهم في القوات الأمنية بعد تدريبهم من قبل “داعش”، محذراً من تشكيلات أعلنها التنظيم الإرهابي، مثل “أطفال داعش” و”أبناء داعش” في المناطق التي تم تحريرها، وهؤلاء الأطفال لا يسمون عناصر التنظيم “داعش”، بل “تنظيم دولة الإسلام”؛ وهو ما يعكس قناعات بالفكرة.
ولمواجهة هذا الوضع بعد اكتمال عمليات التحرير، شدد الباحث العراقي على ضرورة أن يكون الطفل جزءاً أساسياً من المجتمع عبر العمل على تفكيك أفكاره بزرع منظمة فكر ومعايير جديدة وتدعيمها ورعايته بصورة خاصة وفق فلسفة كاملة تعتمد على التسامح والتصالح وتفهم الآخر وتقبله.
هبة ديموجرافية
بدورها، قالت د. هدي جاسم، الباحثة المتخصصة في علم الاجتماع بالجامعة المستنصرية في العاصمة بغداد: إن أكثر من 50% من أطفال العراق متسربون من التعليم، ومعظمهم في مناطق النزوح، وأن المليون و200 ألف طفل الموجودين بين النازحين يعيشون في بيئة مضطربة.
وزادت بأن 10 ملايين طفل عراقي دون سن 15 عاماً جرى الزج بهم في بيئات عنف، وحرموا من حقوق الطفل المتوافرة في دول الجوار.
وفي مخيمات النزوح قرب الموصل، أضافت الباحثة العراقية: يقدم للأطفال فقط ما يضمن الحياة في حدها الأدنى، فهم محرومون من التعليم والرعاية والصحة الجسدية والنفسية، وما زالوا يعيشون في بيئات متاخمة لمناطق الاشتباكات المسلحة.
ورجحت أن يمر العراق، خلال السنوات الخمس المقبلة بظاهرة تسمى علمياً الهبة الديموجرافية؛ ما يعني أن الفئة العمرية فوق 15 عاماً وأقل من 64 عاماً، وهي فترة العمل والطاقة والإنتاج، ستزيد، بحيث تنقلب المعادلة في العراق من 60% طفولة إلى 60% قوة فاعلة في المجتمع.
وليستفيد العراق من هذا التغير المتوقع، قالت الباحثة العراقية: إنه حينما تتوافر قوى العمل والطاقة ستنخفض نسبة الإعالة، ويتمكن العراق من تربية جيل جيد، لكن شريطة منحه رعاية اجتماعية ونفسية وتعليمية كافية.
وختمت بالقول: لو أحسنت الحكومة العراقية التخطيط، فستنتج جيلاً جيداً قادراً على إدارة شؤون البلد لثلاثين عاماً قادمة، لذا على الحكومة العمل وضع إستراتيجية آنية وأخرى بعيدة لإزالة آثار الحرب عن الأطفال، وعلى المؤسسات المعنية ألا تجرم الأطفال الذين بين ثنايا “داعش”، بل عليهن إعادتهم إلى المجتمع، مع البدء بذوي الأطفال من خلال العمل مع الآباء والأمهات.
أوضاع متردية
كاظم عبد الزهرة، مدير “المركز العراقي لثقافة الطفل” (غير حكومي)، وصف وضع الطفل العراقي الاقتصادي والنفسي والأمني بـ”المتردي”، معتبراً أنه لا توجد محاولة جادة من الحكومة للنهوض بواقع الطفل.
عبد الزهرة، مضى قائلاً: إن المنظمات الحكومة العراقية والدولية تشترك في تهديم المجتمع من خلال تخليهم عن الطفل العراقي في هذه المرحلة التي يمر بها العراق.
وبينما، بحسب المختص في مجال الطفولة، يتعامل “داعش” مع الأطفال العراقيين بذكاء لتحقيق أهدافه، لا تمتلك الحكومة أهدافاً عامة تخص المجتمع، ولاسيما الطفل، لا يمكن النهوض بالعراق إلا عبر الاهتمام بالطفل، ليس من خلال مناهج التربية والتعليم الكلاسيكية، وإنما عبر برامج خاصة بتنمية متطلبات الطفل.
مندداً بالوضع الحالي، دعا عبد الزهرة الحكومة إلى وضع دراسة تطبيقية لإنقاذ الأطفال في المناطق التي تم تحريرها من “داعش”، وخاصة الموصل، حيث عمل “داعش” طيلة الفترة الماضية على ترسيخ علومه الخاصة في العقول فكسب جيلاً جديداً.
وفي الموصل يحتجز “داعش” مئات الآلاف من المدنيين، أغلبهم أطفال ونساء؛ لاستخدامهم دروعاً بشرية؛ على أمل الاحتفاظ بالمدينة التي يسيطر عليها منذ يونيو 2014م.
وتحت وطأة القتال والتدمير، نزح قرابة 90 ألفاً من سكان الموصل، البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة، إلى مخيمات نزوح خارج المدينة، لكنهم يعانون أوضاعاً صعبة، لا سيما مع حلول فصل الشتاء.