لم تعد إجابة “نعم” عن هذا السؤال: “هل فعلاً يخافون من الاسلام؟” لمصلحة الإسلام والمسلمين كما كان يتصور البعض أو ما زالوا، فـ”الإسلاموفوبيا” (التخويف من الإسلام والمسلمين)، أصبح أقرب لهستيريا غدت تصيب عامة الناس، وتؤثر سلباً على حياة المسلمين، مع الهوس بتوظيفها السيئ من الإعلام وكبار السياسيين، حتى أصبح المجاهرة بذلك علناً من الطرق الموصّلة للسلطة لا سيما بعد ظاهرة “ترامب”!
لو أخذنا نماذج من أسئلة تناولت مدى اعتبار الإسلام دين سلم أم عنف، وعلاقة الإسلام بالعنف مقارنة بالأديان الأخرى؛ لتبين لنا أن الأمر أصبح يمثل خطراً على صورة الإسلام وحياة المسلمين في البلدان غير الإسلامية، بغض النظر عن دوافع العنف واعتباره عاملاً تابعاً لسياسات غربية وازدواجية في التعامل وغيرها.
كان ربط العنف أو التطرف بالإسلام من أكثر مواضيع استطلاعات الرأي؛ حيث تم السؤال عن العلاقة بين الإسلام والعنف (بصيغ مختلفة) ما يقرب من مائة مرة حسب بيانات بنك استطلاعات رأي “iPOLL“، تركزت بعد عام 2002 وحتى بداية عام 2015م.
فعلى سبيل المثال، تم سؤال الأمريكيين خلال الفترة بين عامي 2002 – 2014م فيما إذا كان الدين الإسلامي أكثر احتمالاً من غيره من الأديان للتشجيع على العنف بين أتباعه؟ ويلاحظ أن نسبة اعتبروا أن الإسلام لا يشجع على العنف أكثر من غيره من الأديان كانت 25% مقابل 51% من يرون أنه أكثر تشجيعاً عام 2002م، حتى تضاعفت النسبة فوصلت 50% مقابل 39% من لا يرون ذلك!
ولكن في الأسئلة التي تسأل عن الإسلام تحديداً دون المقارنة مع الأديان الأخرى تخف حدة النقد كما يلاحظ من الشكل، ولا سيما مع تخصيص السؤال بالعنف مع غير المسلمين.
وعلى مستوى ربط الدين الإسلامي بالعنف عند الكنديين؛ فقد رفض الأغلبية منهم (7 من كل 10 تقريباً) في استطلاع عام 2006م؛ أن يتم ربط جرائم العنف التي يقوم بها آخرون باسم الدين الإسلامي أو المسلمين، حتى أغلبية الذين لديهم انطباع سلبي عن الإسلام رفضوا تلك الفكرة، بنسبة 58%.
ومما يعزز أن النتائج تكون أكثر سلبية حينما يتم ربط الإسلام مع الأديان الأخرى، أنه نادراً ما تجد من يصف الإسلام أنه أكثر سلمية من الأديان الأخرى؛ حيث لم تتجاوز نسبة المتوسط الحسابي بهذه النسبة 2.7%، ففي العامين 2011 و2012م تكرر السؤال: “بالمقارنة مع معظم الديانات الأخرى، هل تعتقد أن الإسلام هو دين أكثر سلمية، دين أقلّ سلمية، أو لا تعتقد أن الإسلام دين سلمي مثل معظم الأديان الأخرى؟”، وقد اعتبر نصف الأمريكيين تقريباً، وبنسبة 45.7% (متوسط)، أن الإسلام هو دين سلمي بنفس مستوى سلمية الأديان الأخرى، في حين اعتبر 2.7% فقط من الأمريكيين أن الإسلام – بالمقارنة مع الأديان الأخرى – هو دين أكثر سلمية، مقابل 34.4% اعتبروه أنه أقل سلمية بالمقارنة مع الأديان الأخرى.
أيضاً في ذات السياق، وخلال الفترة بين عامي 2002 – 2013م، طرحت “CBS News” مع غيرها سلسلة من جنس السؤال الآتي على الأمريكيين: “بصفة عامة؛ هل تعتقد أن الدين الإسلامي يشجع على العنف أكثر من الأديان الأخرى في جميع أنحاء العالم، أم تقريباً نفس المقدار، أو أقل من الأديان الأخرى في جميع أنحاء العالم؟”، وقد طرح 7 مرات، وكان متوسط من يعتبرون الإسلام أكثر عنفاً من الأديان الأخرى 40.4%، وأعلاها كانت عام 2007م بنسبة 45%، وأقلها كانت عام 2011م بنسبة 36%، مقابل 38.3% اعتبروا أن العنف يوجد في الإسلام بنفس المقدار الذي يوجد به في الأديان الأخرى، في حين كانت نسبة من اعتبروا أن الإسلام أقل عنفاً من الأديان الأخرى 7.4%.
وفي ذات السياق، تتفق نتائج استطلاعات الرأي في الأعوام 2005، 2006، 2011م حينما جمعت الأديان الأخرى بالسؤال (المسيحية، الإسلام، اليهودية، الهندوسية).
وكذلك الأمر في استطلاع رأي “CNN” للأمريكيين عام 2007م.
وفيما يتعلَّق بالجنسيات الأخرى؛ فقد جاء في العام 2011م، خلال الفترة 15 – 21 مارس 2011م، وخلال المسح الذي أُجري كجزء من مشروع القيم العالمي لمركز “بيو” (Pew)، عبّر الغالبية عند سؤالهم: أيُّ الأديان يميل أكثر للعنف حسب اعتقادك؟ فقد أجابت الأغلبية في جميع الدول السابقة أنه الإسلام، وبالطبع وكما هو متوقع كان “الإسرائيليون” هم أكثر الشعوب المشمولة بالمسح ممن رأت أن الإسلام يشجع على العنف بنسبة 91%.
وحول مدى مسؤولية المسلمين عن أعمال العنف برأي الأستراليين؛ فقد بيَّن استطلاع “Roy Morgan Research” أن 34% من الأستراليين يعتبرون أن المسلمين- غالباً – هم المسؤولون عن الإرهاب في العالم، مقابل 11% يعتبرون الأمريكيين المسؤولين عن الإرهاب، و9% يرون أن العرب هم المسؤولون، وذهب 4% إلى أن “الإسرائيليين” هم المسؤولون.
استكمالاً لما يتعلق بربط العنف بالدين الإسلامي؛ تناولت بعض أسئلة استطلاعات الرأي نسبة وحجم المتطرفين بين المسلمين، والنتيجة أيضاً سلبية ولا سيما عند مقارنة مسار النتائج؛ حيث يلاحظ أن نسبة من يرى أن أعداد المتطرفين داخل الإسلام آخذة في الارتفاع بشكل أكثر من الأديان الأخرى.
مقابل هذا الكم الكبير من النتائج السلبية التي عرضنا نماذج منها عن ربط العنف بالإسلام والمسلمين، ثمة نتائج في المقابل متوازنة وفيها جوانب إيجابية تستحق الوقوف عندها، ربما في مقالات أخرى ليكتمل الموضوع، ولكن يمكن الإشارة إلى بعضها؛ ومنها مثلاً اعتقاد الأغلبية من الأمريكيين أن التفجيرات الانتحارية وأعمال العنف الأخرى من قِبل بعض أتباع الإسلام تُمثّل انحرافاً عن الإسلام من قِبل المتطرفين، وأن فئة قليلة جداً هي التي تمارس الإرهاب، وحتى بعد أحداث سبتمبر؛ حيث رأى أكثر من النصف أن أحداث سبتمبر لا تمثل تعاليم الإسلام.
لا شك بأن ما ورد في هذا المقال أرقام مزعجة للقارئ المسلم، بغض النظر عن لوم أطراف عديدة لما وصلت إليها هذه الحال من العلاقة السيئة بين المسلمين وغيرهم وصورة دينهم الحنيف وصناعة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)؛ وهو ما استدعى أن نكون صرحاء مع أنفسنا لاتخاذ مواقف وخطوات عملية في الجانب الفكري والديني والسياسي وغيرها، سواء بدور المدافع أو المهاجم تناسب هذا الواقع المرير.
(*) جميع النتائج الواردة في هذا المقال موثقة في كتاب “كيف ينظرون إلينا؟” من تأليف الكاتب نفسه.