التهجير الفلسطيني سياسة ترمب والصهيونية لتنفيذ «صفقة القرن» المشبوهة
![](https://mugtama.com/storage/uploads/hqtOKaRBUhu6v8ww76tqywKlBcyGEBoA18ajNBDb.jpg)
لم يقتصر صدى تصريحات ترامب الأخيرة بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة على الصعيد المحلي والإقليمي فحسب، بل تردد على صعيدٍ عالمي، فتصريحاته بشأن نقل الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، كجزء من حل القضية الفلسطينية، أثارت الكثير من الجدل، حيث تم تفسيرها على أنها دعوة لتهجير الفلسطينيين، أو نقلهم بالقوة إلى دول مجاورة بدلاً من أن يعيشوا في أراضيهم التاريخية.
تناقض وعدم واقعية
هذه التصريحات العلنية والمتكررة تؤكد بشكلٍ ضمني التناقض بين دعايته الانتخابية التي روج لها فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبين سياسته الدارجة بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، حيث بنى حملته الانتخابية على أساس تقليص دور أميركا في الخارج، ولكن منذ تولّيه منصبه، صاغ رؤية عالمية توسّعية، لصالح حليفته الصهيونية، وعلى حساب القضية الفلسطينية ولا تنسجم مع مواقف المجتمع الدولي الذي يعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أراضيهم، كما تعتبر مخالفة لحقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
تلك التصريحات واجهت رفضاً شديداً من السلطة الفلسطينية والدول العربية، حيث اعتُبرت محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتغيير التركيبة السكانية في المنطقة بشكل غير قانوني، في حين أجمعت كافة ردود الفعل على رفض التصريحات بشكلٍ قطعي، ووصفتها بغير الواقعية.
هذه التصريحات بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة لم تأت من فراغ، ولكنها جاءت استكمالا لرؤيته خلال فترته السابقة، والتي كانت جزءاً من صفقة القرن المشبوهة التي قدمها في العام 2020، والتي اقترح فيها أن يتم توسيع الأراضي الصهيونية وضم بعض المناطق الفلسطينية إلى دولة الاحتلال.
صحيح أن اقتراحه لم يتضمن في حينها تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة أو مناطق أخرى بشكل صريح، ولكن من خلال التغييرات الإقليمية المقترحة في الخطة كان هناك إشارات إلى تغييرات في الحدود وتقسيم الأراضي، ولم يختلف الموقف الدولي والعربي الرافض حينها حول الخطة والرؤية الترامبية في السابق عن خطاب تجديدها.
نية خبيثة مبيّتة
لمعرفة مدى صدق تصريحات ترامب نذكر القرارات التي اتخذها في ولايته السابقة تمهيدا لخطته وفرض صفقة القرن وأهمها: الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتقليص الدعم المالي الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مما ساهم في تفاقم معاناة اللاجئين، والاعتراف بالاستيطان الصهيوني. الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر لدولة الاحتلال لزيادة النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطرحه صفقة القرن، التي قدمت رؤية أحادية للصراع الفلسطيني - الصهيوني، حسب الرؤية الصهيونية.
اليوم وفي أول قراراته المتعلقة بمستقبل القضية الفلسطينية نسمع تصريحاته المتعلقة بغزة وسياسة تهجير سكانها وإنهاء القضية الفلسطينية، وتوسيع مساحة دولة الكيان على حساب الدول العربية المجاورة، وكأنها تأتي استكمالا لمشروع صفقة القرن.
تداعيات وتأثيرات
لقد عكست خطة ترامب في تصفية القضية الفلسطينية ضمن صفقة القرن وسياسة التهجير التي يتبناها، العديد من التداعيات والتأثيرات على الفلسطينيين والدول المجاورة، منها:
انهيار عملية السلام
مواقف ترامب المناهضة للحقوق الفلسطينية في قضايا القدس والحدود واللاجئين، إلى جانب مواقف أخرى مثل ما سُمي بـ"صفقة القرن"، وآخرها التهجير أدى إلى تعميق الخلافات بين الفلسطينيين والصهاينة، وكان لها تأثير كبير في إغلاق أي آفاق لعملية السلام بين الجانبين.
تفاقم التباين بين الضفة الغربية وغزة
سياسات ترامب أدت إلى زيادة الفجوة بين الضفة الغربية وغزة، فبينما كانت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ترفض المواقف الأمريكية وتتعامل مع الضغوط الدولية بشكل سلبي، كانت غزة لا تعترف بالقرارات الدولية الموجهة ضدها، هذه السياسات فاقمت الانقسام الفلسطيني الداخلي وزادت من عدم قدرة الفلسطينيين على التوحد في مواجهة التحديات.
تصعيد المواقف العسكرية
سياسات ترامب وفرت غطاءً سياسيًا لدولة الاحتلال لتكثيف عملياتها العسكرية في غزة، مما أدى إلى مزيد من العنف الصهيوني ضد الفلسطينيين، وإلى تصعيد الأوضاع في غزة، وزيادة الخسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية في القطاع.
التداعيات الإنسانية
مواقف ترامب كانت لها آثار مدمرة على الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية، فتم تضييق الخناق على الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، وتم تشديد الحصار الصهيوني على قطاع غزة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية في القطاع.
الضغط على الدول المجاورة
الدول المجاورة لفلسطين، مثل مصر والأردن ولبنان وسوريا، كانت تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين منذ عقود، وسياسة ترامب عززت الضغوط عليهم، بسبب تزايد معاناة الفلسطينيين، وقلة الدعم الدولي الذي كان يصل من خلال الأونروا، كذلك، فرضت سياسة ترامب مزيدًا من التعقيد على البلدان التي كانت تعارض أي تهجير قسري أو محاولات لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكنهم، بدلاً من عودتهم إلى الأراضي الفلسطينية.
بين الضغط والرفض
من غير المحتمل أن ترضخ الدول العربية لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، وذلك بسبب عدة عوامل تاريخية وسياسية وإنسانية منها:
الحقوق الفلسطينية
القضية الفلسطينية تمثل جزءًا جوهريًا من هوية العديد من الدول العربية، وخاصة تلك التي تحتفظ بعلاقات تاريخية وثيقة مع الفلسطينيين، مثل الأردن ومصر وسوريا ولبنان، هذه الدول لا تستطيع تجاهل حقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، التي تعد جزءًا أساسيًا من الموقف العربي الرسمي.
الضغوط الشعبية
في معظم الدول العربية، لا تزال الشعوب تتضامن بشكل قوي مع الفلسطينيين، وأي خطوة نحو تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم قد تؤدي إلى ردود فعل شعبية غاضبة، وستزيد من تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات في الشوارع، وهذا يشكل ضغوطًا كبيرة على استقرار الحكومات العربية.
أزمة غزة الإنسانية
غزة تشهد بالفعل أزمة إنسانية شديدة بسبب الحصار الصهيوني المستمر والظروف الاقتصادية المتدهورة، وأي اقتراحات لتهجير أو نقل الفلسطينيين من غزة ستكون بمثابة إجراء قسري ومرفوض من جميع الجهات الإنسانية والدولية، حتى الدول العربية التي تحاول تحسين علاقاتها مع دولة الاحتلال لن تتمكن من تجاوز الضغوط السياسية والإنسانية التي تتطلب التزامًا بحل عادل للقضية الفلسطينية.
تهديد الوجود الفلسطيني
محاولة التهجير قد تُعتبر تهديدًا للوجود الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ككل، وهذه المنطقة التي هي جزء من تاريخ الفلسطينيين وهويتهم، لن تقبل ببساطة بتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير سكانها.
مواقف الدول العربية الرسمية
حتى في ظل التقارب الأخير بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال من خلال اتفاقيات التطبيع لا يبدو أن التحالفات الرسمية ستذهب بعيدًا جدًا في القبول بالتهجير القسري للفلسطينيين، فالدول العربية لا تزال تحتفظ بموقف سياسي يتضمن حل الدولتين كحل للمشكلة الفلسطينية، وما زالت ترى أن التهجير القسري للفلسطينيين سيكون خطوة غير مقبولة في السياق العربي بشكل عام.
الالتزامات الدولية
غالبية الدول العربية تخضع لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرارات حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم، وأي اتفاقية تروج لفكرة تهجير الفلسطينيين من غزة ستكون في تعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، مما قد يعرض الدول العربية لضغوط دولية شديدة.