هل تدق طبول الحرب بين الأردن و"إسرائيل"
![](https://mugtama.com/storage/uploads/Me5ChfN1MwEB2Vh9HYbjDvuyDYMadutsSELeij9Z.jpg)
الحرب لن تكون خيارا أردنيا بل حالة يجبر عليها للدفاع عن أراضيه وسيادته ووجوده كدولة وكيان سياسي، في حال أريد فرض تهجير الفلسطينيين إليه، وسواء كان ذلك من قطاع غزة أو من الضفة الغربية بأدوات اقتصادية أو عسكرية، فإن خيار الحرب سيبقى في الأفق مهددا الاستقرار وفرص التنمية وخفض التصعيد في المنطقة.
فالحرب سيناريو حذرت منه الدبلوماسية الأردنية في الشهر الأول من معركة طوفان الأقصى والعدوان على قطاع غزة، بعد أن تم تداول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة على لسان وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في حينها، ما دفع الأردن للتحذير من انهيار اتفاقية وادي عربة واندلاع مواجهة مسلحة مع الاحتلال “الإسرائيلي”.
التحذير الذي ورد على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي دفع الجانب الأمريكي لاستفسار عن مصداقية وجدية الأردن في الذهاب للحرب مع الكيان “الإسرائيلي” في حال تهجير الفلسطينيين إلى أراضيه ليجيب بأن هذا الأمر جدي، إذ تناقلت الأوساط السياسية في الأردن وداخل مراكز التفكير المغلقة بأن الجانب الأردني أقر بالكلفة العالية للحرب، غير أنه أكد ذهابه مضطرا إليها دفاعا عن وجوده، ما يعني أن أمن المنطقة والإقليم واستقراره ومعه النفوذ الأمريكي سيوضع على المحك وفي مهب الريح.
لم تمض أشهر قليلة على هذه المواجهة الدبلوماسية، ليتبعها اندلاع مواجهة في البحر الأحمر مع الحوثيين في اليمن واتساع نطاق المواجهة في جنوب لبنان والعراق، على شكل اشتباك مباشر وللمرة الأولى ما بين إيران والكيان “الإسرائيلي” في أبريل وكذلك في نوفمبر من العام الفائت 2024، معززة الإدراك الأمريكي والأوروبي ومن خلفه “الإسرائيلي” بأهمية حياد الأردن واستقراره، معيدا التذكير ببدهيات الجغرافيا الأردنية من منظورها السياسي والثقافي والاستراتيجي.
عودة ترمب وأزمة نتنياهو
التدهور الأمني والتصعيد الإقليمي سرعان ما بدد الأحلام “الإسرائيلية” الأمريكية بتهجير الفلسطينيين، ولو مؤقتا، كونه يهدد بإضافة جبهات جديدة شديدة السخونة على الحدود المصرية والأردنية، وهو آخر ما كان يرغب به الاحتلال “الإسرائيلي” والولايات المتحدة وأوروبا في حينه، غير أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض بالتزامن مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، ومن بعده في قطاع غزة أعاد الزخم لهذا المقترح المدمر، مترافقا مع ضغوط أمريكية على الدول العربية وعلى رأسها الأردن ومصر لتوطين الفلسطينيين على أراضيهما، وبحجج واهية، صرح بها ترمب خلال لقائه نتنياهو في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الموافق 4 فبراير، مدخلا المنطقة العربية في حالة من التوتر.
تعاظم التهديدات ومستويات التوتر في الإقليم على نحو مباغت وغير متوقع بدعوة نتنياهو المملكة العربية السعودية، ومن على شبكة فوكس نيوز الأمريكية السبت الموافق 8 فبراير الجاري لإقامة دولة للفلسطينيين على جزء من أراضيها الشاسعة، ما هدد بتوسع الاشتباك الإقليمي ليشمل دول الاعتدال العربي التي لم يتوقف ترمب ونتنياهو في المراهنة عليها لتحقيق السلام في المنطقة، لتتحول هذه الدول لمشروع ضحية جديدة لهذه السياسيات الجشعة الهادفة لحل أزمة الكيان الأمنية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية على حساب غيرها.
تصدير الأزمة والهروب من الفشل عبر الضغوط القصوى بات سياسة “إسرائيلية” أمريكية تهدد بانفجار صراع سياسي بأدوات عسكرية واقتصادية مع الدول العربية، فأمريكا تسعى لحل أزمة الكيان على حساب شركائها وأصدقائها العرب في الإقليم، ما يهدد بإشعال حرب اقتصادية تشارك فيها السعودية ودول الخليج العربي، وأخرى عسكرية يشارك فيها الأردن ومصر، بل ويتوقع أن يعيد الاعتبار للجبهات التي أغلقت عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع “حزب الله” في لبنان 27 نوفمبر من العام 2024 والعراق، ومن ثم اليمن في البحر الأحمر، وهو آخر ما يرغب ترمب، وهنا يطرح السؤال التالي: إلى أي حد يمكن أن يكون سيناريو اندلاع حرب إقليمية واقعيا وممكنا هذه المرة، خصوصا أنه لن يكون مع إيران ومحورها، بل مع العرب.
دوافع الحرب ومبرراتها
الإجابة عن السؤال السابق تكمن في طبيعة الأدوات التي سيلجأ إليها ترمب ونتنياهو لتمرير مشروعهما بتهجير الفلسطينيين، فإن كانت الأدوات العسكرية السبيل لتحقيق ذلك، فإن الحرب هي الرد المنطقي والطبيعي المباشر على هذا التحدي، الذي سيتخذ شكل اشتباكات حدودية مع جيش الكيان على الحدود الأردنية والمصرية، ليتطور فيما بعد إلى مواجهة شاملة بين الاحتلال ودول الطوق العربي وعلى رأسها الأردن ومصر.
وفي حال كانت الأدوات اقتصادية بتفعيل سلاح التجويع والحرمان من الإعمار لقطاع غزة والتجويع الاقتصادي والمالي للضفة الغربية، وفرض ضغوط اقتصادية وسياسية على الأردن ومصر والتهديد بتطويرها إلى عقوبات اقتصادية، فإن الحرب لن تكون خيارا ملحا للأردن لتوافر بدائل ممكنة وهوامش للمناورة الاقتصادية عبر تفعيل التضامن العربي ومن خلفه الإسلامي والدولي مع مصر والأردن، بإسنادهما اقتصاديا لمواجهة الضغوط الأمريكية، مع التذكير بأن أوروبا والمجموعة الدولية وضعت مسافة شاسعة فيما بينها وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشكل يحد من قدرته على ممارسة ضغوط اقتصادية قصوى على كل من مصر والأردن، بما يفرض عليهما الاستسلام للتهجير والقبول به.
فالضغوط الاقتصادية خيارات أمريكية تمهد لفشل سياسات الرئيس ترمب وانقلاب أثرها عكسيا على فاعلية سياساته ونفوذ بلاده في المنطقة العربية، في حال تفعيل التضامن العربي، كما سيهدد بتقويض نفوذ بلاده التي اعتمدت على اتفاقات السلام الأمريكي من كامب ديفيد عام 1978 إلى وادي عربة 1994 ومن ثم اتفاقات أبراهام التطبيعية في الأعوام 2019 و2020 مع الإمارات والبحرين والمملكة المغربية.
الحرب خيار أميركي
الحرب لا تعد خيارا أردنيا بهذا المعنى والسياق، ولا حتى خيارا مصريا، بل هي خيار أمريكي تتخذه الإدارة الأمريكية ومن خلفها الكيان الإسرائيلي، في حال أصرتا على تنفيذ التهجير عبر الأدوات العسكرية والقسرية، نتاجا لسوء تقدير، ورؤية عقائدية متطرفة، مسكونة بهلوسات دينية إنجيلية توراتية، عبر عنها السفير الأمريكي المعيَّن من قبل إدارة الرئيس ترمب "مايك هاكابي" بالقول: سنحقق تغييرا بأبعاد توراتية في الشرق الأوسط، خلال ولاية ترمب، وذلك في مقابلة له مع قناة "فوكس نيوز" الأحد الموافق 9 فبراير الجاري.
وستبقى خيارا أمريكيا في حال واصلت ضغوطها الاقتصادية وغاب الدعم العربي للأردن ومصر وللفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يحرمهم من الإعمار والإغاثة، ويقوض سبل الحياة بإجبارهم على مغادرة الأراضي المحتلة بأعداد كبيرة، رافعا بذلك حدة التوتر على الحدود مع الأردن ومصر، وصولا إلى نقطة المواجهة العسكرية الشاملة مع الاحتلال “الإسرائيلي”.
ختاما
الأمر المؤكد أن سياسة الضغوط القصوى الأمريكية سواء كانت العسكرية أو الاقتصادية، تدفع نحو الحرب وتقوض النفوذ الأمريكي وتجعل من قدرة الولايات المتحدة على احتواء الأزمات والتعامل مع التهديدات بالكفاءة ذاتها التي تعاملت بها خلال الأشهر الخمسة عشر من الحرب، محدودة وضعيفة التأثير، كما أن كفاءتها في خفض التصعيد واحتواء الصراع داخل حدود قطاع غزة والضفة الغربية ستتحول إلى معاناة حقيقية للولايات المتحدة الأمريكية والكيان “الإسرائيلي”، نتيجة انعدام التنسيق والتعاون من الجانب الأردني والمصري اللذين لعبا أداورا مهمة في احتواء الصراع ومنع تحوله إلى مواجهة إقليمية شاملة.