دعوة للإنجاز في وقت الأزمات (8)

بيئة الأزمات محضن إيجابي للإنجازات

سؤال مهم يطرح نفسه وبقوة على الأذهان: أين محل عملية تحويل الشحنات السالبة لشحنات موجبة؟ هل محلها في القلب أم في العقل؟ الإجابة: إن عملية تحويل الشحنات السالبة تتم في العقل وليس في القلب، ومن أجل تبسيط ذلك نبين نماذج وشواهد على ذلك، ومنها:

أن ذاك الذي ارتدى الغطاء البصري لمطالعة واقع افتراضي، عبر مسار من واقع غير حقيقي، فخشي أن يقع من على سطح مبنى مرتفع حين خطى لبضع خطوات، بالرغم من عدم وجود المبنى حقيقة، خشيته تلك كان محلها القلب كنتيجة طبيعية عن مشاعر الخوف، ذلك أن العقل هو من أبلغ القلب بعدم الاستمرار لخطوة إضافية وإلا سيسقط!

التجربة العملية التي خاضها كاتب هذه الأسطر، عبر ذات الواقع الافتراضي، ولم يتمكن حتى من الاستمرار في ارتداء الغطاء البصري فنزعه، وهو ما يشير إلى أن العقل هو المركز حين ترد إليه المعلومات، ليشكل على ضوئها نتيجة سريعة ليمنحها للقلب كي يقرر على ضوئها القلب بالسلوك المناسب، وهو ما يمكن الاستفادة منه في التأثير على العقل ليمنحنا نتائج إيجابية ليرسلها للقلب ليرتفع على ضوئها الهم ليستقر.

ولنبين مفهوم النهج نذكر، على سبيل المثال، أنه حال رغبت في الذهاب للسوق، فإنك ستحتاج إما لتطبيق إلكتروني تستدعي على ضوئه أقرب حافلة أجرة من موقعك، أو لعلك سوف تستقل سيارتك، أو عبر مطية حيوان، أو بالمشي، ولكل أداة مما سبق ستجد نظاماً خاصاً به وميزات، فإن اخترت سيارتك ما عليك سوى أن تتعرف على آلية تذليلها من أجل تحقيق الهدف، وكذلك مع عقلك ستحتاج أن تتعرف على النهج الذي ستتبعه لإقناعه بما ستنبري لإنجازه عبر الأزمة التي أحاطت بك، كي لا يكون للأزمة أثر سالب يحول دون إنجازك.

ولاحظ على ذات النهج، حين يدفع الجمهور مبلغاً لشراء تذكرة كي يبكوا لفيلم عاطفي، هم يشترون الشحنات السالبة بسعادة، وربما يكررون ذلك، فهل للشحنات السالبة ما يعزز للإيجاب؟ إن نماذج عن شراء الشحنات السالبة نجده عبر تقمص الدور عند الممثل فيبكي؛ فيصفق له الجمهور لبكائه؛ فيزداد ثقة بنفسه، وتزداد ســــعـــادتـه.

ونجده، كذلك، عند ألعاب الساحر في تعاطيه مع الأخطار مثل النار، ونجده مع البهلواني عبر أخطار الارتفاعات التي يرتقي إليها، ناهيك عما يزاوله عبر الحركات الخطرة، ونجده مع دخول التاجر في صفقات موجعة أملاً في تحقيق أهداف إيجابية، فهذه صور من مسارات الدخول في الشحنات السالبة، وعبر شراء الأزمات، في مثل الاستحواذ على شركة متهاوية كي تعيد إطلاقها مجدداً بحكم ميزات الترخيص، وكافة الشركات العالمية يعمدون لصرف مبالغ طائلة بملايين الدولارات وهو ما يخصم من الأرباح بهدف ممارسة المسؤولية المجتمعية (CSR) من أجل تحسين صورة الشركة لدى العملاء.

والعلاقة تستمر فيما بين السالب بالموجب حين يتعرض الحجر للجلف كي يبرق ليعلو ثمنه، والفحم للضغط كي يصبح ماساً، وكم عدد اللكمات التي تعرض إليها الملاكم كي يرتقي بأدائه؟ ونجد في المطابخ يضاف شيء من الملح في التحضير لأطباق الكيك ليرقى بطعمه.

نخلص من ذلك أن بيئة الأزمات (وهي بيئة سالبة) تعتبر محضناً إيجابياً للإنجازات والإبداع بما ننجز أو نبدع.

ولعل أساليب تضليل العقل وإقناعه بخلاف ما يراه ممكن عبر ذات أساليب السحر، فما يراه المشاهدون ليس واقعاً وإنما إيهام وتضليل للعقل، وعملية تضليل العقل ممكنة، وهو ما يشير لمسار إن تمكنا من تضليله لحظياً عما يشاهده؛ سننجح بتحقيق الهدف.

إذاً، إقناع العقل بتحويل السالب لشحنة غير مُعرّفة أولاً ثم لشحنة موجبة لتتجه لمسار مخالف؛ ما يعني إحداث لكمة تخِل من قدرة السالب من أن يكون سالباً أولاً، وتصور على سبيل المثال كيف أن الإصابة التي تعرض لها كانت سبباً في إنقاذه من القتل.

ولا نجد فرصة عن أزمات يتعرض إليها عالمنا العربي من إطلاق مشروع «شراء الأزمات» وجعله كما لو كان محفظة استثمارية، مثال شراء اليمن كمتعهد لإعادة تعميره عبر شركة تدرج في البورصة العربية، وشراء سورية وغيرها، عبر محافظ استثمارية في إعادة بناء البنى التحتية، وتشغيل المرافق السياحية، وتدشين مراكز الأبحاث والجامعات، وغيرها الكثير من النماذج التي لا يتسع المجال لذكرها والوقوف عليها.

إن عملية تحويل الهموم السلبية الناتجة عن أزمات إلى شحنات إيجابية أمر ممكن علمياً وعملياً، وبالتالي فإنه يليق بالمسلم قبل غيره أن يسعى لاستثمار كل أزمة لصالحه وتحويلها إلى استثمار ناجح لصالحه ولصالح مجتمعه، وهو مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّباً وَوَضَعَتْ طَيِّباً وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِدْ».


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة