رحلة عطاء «كفر خزام» بصعيد مصر.. من الفول المدمس إلى لحوم «دليفري»!

رغم كل المعوقات
التي قابلت أصحاب العمل الخيري في قرية كفر خزام، التابعة لمركز ديرمواس في محافظة
المنيا بصعيد مصر، لكن إصرار وعزيمة الآباء المؤسسين، دفعت بعجلة العطاء لعدة عقود،
التي تلقفها منهم الشباب الجدد، الذين طوروا وسائل عصرهم، ودفعوا بمزيد من تطوير
الفكرة ووضع آليات جديدة، عمّت على جميع أهالي القرية بالخير وروح المشاركة.
روح المشاركة
التي توارثتها الأجيال، ساهمت بشكل كبير وممتد، على جذب الشباب إلى المساجد،
والمسارعة في المشاركات الرمضانية بكل أشكالها من العمل الخيري، بعيداً عن أي شكل
من أشكال الانحراف السلوكي.
«المجتمع» زارت كفر
خزام، وتواصلت مع عدد من القائمين على تفعيل مسار العمل الخيري في القرية، من
الشباب الجدد المطوّرين للفكرة.
محمد محمود
رضوان، إحدى أيقونات العمل الخيري بالقرية، الذي يدير جمعية عباد الرحمن الخيرية،
كشف لـ«المجتمع»، أن البداية كانت في شهر رمضان قبل عقود، حيث اجتمع شباب القرية
على هدف واحد ومحدد، وهو تقديم وجبة فول مدمس للفقراء والمحتاجين.
حيلة ذكية وراء انطلاق 50 عاماً من العمل
الخيري
ولأجل تنفيذ هذه
الفكرة الوليدة، التي لاقت صعوبات في مهدها نتيجة الطبيعة الصعيدية والريفية، التي
ترفض قبول أي مساعدات تأتي في شكل يحمل معنى الصدقات، فقد بدؤوا بجمع التبرعات من
أهل الخير داخل البلد، وشراء الأدوات اللازمة، ثم تحضير الفول ليلًا وتوزيعه بعد
صلاة العصر أمام المسجد، في حالة من الروحانيات الرمضانية المباركة، حيث كان
الأهالي يتوافدون، حاملين أطباقهم وأكوابهم، ليحصلوا على نصيبهم من الفول.
وجبة
فول
واجهت الفكرة في
بدايتها في السبعينيات من القرن الماضي، صعوبات ومعوقات، كطبيعة أي شيء في بدايته،
إذ تحرّج الفقراء داخل القرية من أخذ الطعام في أول يوم من توزيعه، وذلك بسبب
الحياء الشديد لديهم، الذي كان يتم فيه توزيع الفول بواسطة مؤسسي المشروع،
المعروفين بين أهالي القرية بالشيخ حسن البرنس، والشيخ عثمان عبد العواض، اللذَيْن
يحظيان بتقدير كبير، حتى بعد رحيلهما، وسط تقدير واحترام من الشباب الجدد، الذين ساروا
على دربهم.
لكن سرعان ما
تدخل الشيخ فتحي صديق بذكائه –وهو من كبار وجهاء القرية، الذي يشارك في حل أكثر
الخصومات تعقيداً على مدار عقود- حيث أبدع في حل المشكلة، متقدماً الصف بنفسه
ليحصل على نصيبه من الفول، ليكسر تابوه الخجل والحرج بين الأهالي، فاقتدى به
الآخرون، وأصبح الإقبال على التوزيع كبيرًا، وسرعان ما انتشـرت الفكرة إلى جميع
مساجد القرية، ليصبح لكل مسجد دوره المحدد في توزيع الطعام.
لم يتوقف فعل
الخير عند هذا الحد، بل تطور الأمر إلى تقديم وجبات إفطار متكاملة داخل المساجد،
فبمجرد سماع صوت المؤذن لصلاة المغرب، يتناول الصائمون سندوتشات الفول وعصير العسل
بالليمون، الذي كان يُعد بإتقان على يد أحد الشباب، وذلك تحت إشراف الشيخ عبدالجليل
حسن، إمام المسجد المحمدي بالقرية.
عباد
الرحمن
في مارس عام
2005، تم تأسيس جمعية عباد الرحمن الخيرية، برقم إشهار 1609 لسنة 2005، لتكون
المظلة الرسمية التي تنظم وتوسع أعمال الخير في القرية.
جهد تطوعي ودور نسائي ونقلة نوعية بجنيه واحد
وبدأ شباب
الجمعية بتقسيم القرية إلى أربع مناطق، حيث يتولى كل فريق جمع التبرعات من
الأهالي، التي بدأت بمبلغ رمزي قدره جنيه واحد فقط من كل منزل شهريًا، وكان الهدف
الأساسي علاج المرضى، ومع مرور الأيام وازدياد احتياجات ومتطلبات الفقراء، توسع
نشاط الجمعية ليشمل كفالة الأيتام، ورعاية الطلاب المتفوقين غير القادرين، وتقديم
رواتب شهرية لهم.
أحد أبرز مشاريع
الجمعية كان إفطار الصائم، حيث بدأ بإعداد وتوصيل 37 وجبة للمسنين، كانت هذه
الوجبات تحتوي على قطع من اللحم والفراخ والكفتة، وغيرها من المشويات، إضافة إلى
الأرز والخضار، وتوصيلها للفقراء.
اقرأ أيضاً: المسحراتي علي.. رحلة كل رمضان إلى القاهرة تنعش التراث والجيوب
دور
نسائي
ويضيف محمد
رضوان لـ«المجتمع»: مع مرور الأيام والسنين، ازداد العدد تدريجيًا ليصل إلى 350
وجبة يوميًا، التي تُعدّها متطوعات الجمعية صباحًا، ويغادرن إلى منازلهن عصراً،
ويتم توزيعها على الفقراء في منازلهم قبيل المغرب مباشرة من خلال مجموعة من الشباب
المتطوع.
تحوّلت القرية
إلى خلية نحل في المشاركة، لدرجة أن السيدات وربّات البيوت يشاركن بإعداد الصلصة
وتقشير الثوم والبصل، رغبة ومحبة في إفطار الصائم.
ليلة
العيد
لم تقتصـر جهود
الجمعية على الإطعام فقط، بل امتدت لتشمل تقديم المساعدات في مختلف مناحي الحياة.
مبادرات لدعم المشـروعات الصغيرة داخل القرية
يقول أحد شباب
القرية إسلام حسن عبدالشكور، وهو من المتطوعين: إنه مع اقتراب عيد الفطر، يتم
توفير ملابس جديدة للأطفال الأيتام والفقراء، وتكون عالية الجودة حتى لا يشعر
الفقراء بالاختلاف بينهم وبين الآخرين، مع توزيع عيدية مبالغ مالية ليلة العيد
لإدخال البهجة على قلوبهم.
كما أطلقت
الجمعية مشـروع تيسير الزواج، وذلك تزامناً مع ارتفاع تكاليف الزواج، حيث يتم شراء
الأجهزة الكهربائية (ثلاجة، غسالة، بوتاجاز) للعرائس الفقيرات، مع ضمان عدم إحراج
الأسر، إذ يتم الدفع مباشرة للمحل، لتتسلم العروس مستلزماتها بنفسها.
وإيمانًا بأهمية
تمكين الأسر المحتاجة، أطلقت الجمعية مبادرات لدعم المشـروعات الصغيرة داخل
القرية، مثل توفير ماكينات خياطة، إنشاء محلات بقالة، وتربية الطيور.
اهتمت الجمعية
أيضًا بتعليم الأجيال الجديدة، فبدأت بمساعدة غير القادرين على سداد المصروفات
المدرسية، وتوزيع الأدوات المدرسية مع بداية العام الدراسي.
كما تم إطلاق
مسابقات لحفظ القرآن الكريم، وتكريم الفائزين بجوائز مالية وعينية تحفيزًا لهم.
موسم
الأضاحي
مع مرور
السنوات، توسعت أعمال الإطعام، لتشمل ذبح العجول في المناسبات، وتوزيع اللحوم على
الأسر المحتاجة، حيث تحصل كل أسرة على نصيبها وفقًا لعدد أفرادها.
أيضاً يتم توزيع
المواد الغذائية الجافة، مثل البيض، والجبن، والعدس، والفول، فضلًا عن الشنطة
الرمضانية التي تُوزع سنويًا في رمضان.
اقرأ أيضاً: رمضان يثري الحملات الإغاثية والخيرية في مصر
كما ذكر محمد
عبدالباقي الذي يبلغ من العمر 15 عاماً، أنه ينتظر رمضان بفارغ الصبر ليقوم بعمل
تطوعي، حيث يتنافس الشباب على فعل الخيرات.
أيضاً ذكر شيئاً
غريباً في القرية، يدل على تغير نوعي وثقافي بين الشباب وأهالي القرية، أنه يتم
تنظيم زيارات جماعية للقبور، والدعاء للأموات، مع الاهتمام بشوارع ودروب المقابر
والحدّ من حدوث الوحشة، وذلك عبر إنارتها الدائمة، وتذليل شوارعها وزراعة الأشجار.
أما في العشـر الأوائل من ذي الحجة، يتم إعداد وجبات يومية، وتصل ذروتها في يوم عرفة، حيث تُوزع 1000 وجبة ساخنة على الأسر الفقيرة.
اقرأ أيضاً: الرحلات الخيرية والعمل التطوعي.. سفر نحو الأجر وخدمة الإنسانية
وفي عيد الأضحى،
فتُذبح الأضاحي أمام الجمعية، ويتم توزيع اللحوم مباشرة على المحتاجين، ليحظى
الجميع بفرحة العيد.
وفي النهاية
يؤكد رضوان لـ«المجتمع» أن رحلة الخير في كفر خزام ليست مجرد مبادرة، بل قصة ملهمة
تؤكد أن العطاء يمكن أن يصبح أسلوب حياة.