قواعد التربية الإيمانية في رمضان

أيام معدودات
وهبنا الله إياها خلال شهر رمضان الكريم لنستخلص الدروس والعبر والموعظة، ورحلة
يومية تلامس فيها القلوب عبادة من نوع خاص، إنها عبادة الصوم التي تقوم على التقرب
إلى الله من بوابة الزهد وترك الملذات وإن كانت حلالاً، ومن خلال تلك الرحلة يترقى
الإنسان من رتبته البشرية وماديته المتأصلة إلى صفوف الملائكة، ويكتسب عبر مكابدة
النفس عدداً من الهبات الربانية التي تمنح المؤمن قدرات خاصة من الصبر والجلد
والقوة والروحانية.
ومن بوابة الصوم
يجب أن نخوض مهمتنا التربوية بقواعد إيمانية، تستلهم من الشهر الكريم أسساً جديدة
للتربية تُعيننا على توجيه أبنائنا وصغارنا نحو القيم والأخلاق والإيمان بشكل
فعال، ذلك أن التربية الحقة يجب أن تقوم على تقديم القدوة وخوض تجارب حياتية عملية
وليس الاقتصار على المواعظ والدروس والنصائح النظرية؛ لذا فإن شهر الصوم يعد
بمثابة فرصة عظيمة يجب على الآباء والمربين اقتناصها لترسيخ قواعد التربية
الإيمانية لدى أبنائهم.
القاعدة
الأولى: القدوة:
إن القاعدة
الأهم في ترسيخ مبادئ التربية المرغوبة لدى الأبناء هي توفير النموذج والقدوة
الحسنة، مصداقاً لقوله تعالى: (لَّقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21)، فكما قدم
الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لأمته قولاً وفعلاً بغرض هدايتهم لخيرهم
وصلاحهم، فإن الأبوين يجب أن يقدما لأبنائهما الصورة المُثلى من خلال الالتزام
الحقيقي والصادق بالمبادئ والقيم والعبادات التي يأملون أن يلتزم بها الأبناء من
بعدهم، وهو ما تجلى في دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ
الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم: 40)،
فقد دعا نبينا إبراهيم لنفسه كما دعا لأبنائه ليقينه بأن إقامة الأبناء والذرية
للصلاة تستوجب أولاً أن يقيمها الأب ويلتزم بها.
اقرأ أيضاً: ماذا يريد الأبناء من الأب؟
من هنا كان
لزاماً علينا كآباء أن نعتنق أسلوب القدوة الحسنة في مسألة الصوم، فنحسن استقبال
الشهر الكريم والإعداد له على مراد الله، وننصرف عن العادات والتقاليد التي لا
تتفق مع روحانية الشهر كي لا يرثها الأبناء منا عبر تقليد تلك السلوكيات، فالأبناء
ينقلون عنا ما نفعله لا ما نقوله لهم من نصائح ومواعظ طالما لا يروننا نلتزم بها
عملياً في سلوكنا.
القاعدة
الثانية: الحوار:
إن كثيراً من أسباب الانصراف عن العبادات في الأجيال الجديدة غياب لغة الحوار بين الآباء وأبنائهم، وتقديم الدين على أنه أوامر جامدة غير قابلة للتساؤل أو النقاش بشأنها، ما يدفع بعض الأبناء إلى انتهاج الرفض أو على أقل تقدير النفاق عبر ادعاء الاقتناع والانصياع مع إخفاء السلوكيات السيئة عن الآباء.
اقرأ أيضاً: أيها الآباء والأمهات.. بروا أبناءكم
ولذلك، فإن على
الآباء أن يتثقفوا بفهم فلسفة العبادات بشكل عام، وفلسفة الصوم بشكل خاص لشرحها
بشكل وافٍ وحقيقي ومستفيض للأبناء بما يشبع فضولهم ويجيب عن تساؤلاتهم بخصوص جدوى
الصوم والدروس المستفادة منه أو منافعه، مع انتهاج أسلوب قريب من فهم الأبناء بحسب
أعمارهم والحرص على فتح المجال لهم للاستفسار عما يحتاجون فهمه.
القاعدة
الثالثة: التحفيز:
تنطلق إستراتيجية
تحفيز الأطفال من مبدأ جعل الأشياء محببة إلى قلوبهم عبر ربطها بمكافآت طفولية
تحترم عالم الطفل ولا تجبره على الأمور من منطق الراشدين الذي قد يكون عصياً على
فهم الطفل، وهنا يمكن تحفيز الأطفال على حب عبادة الصوم واحترام الشهر الكريم من
خلال قاعدتين مهمتين:
1- الاستعداد: بمعنى توجيه اهتمام مميز لاستقبال
الشهر الكريم والصوم لا من خلال المحرمات وشراء الطعام بشكل مفرط، وإنما عبر تزيين
المنزل وإضفاء البهجة على أجواء الأسرة واستغلال الأيام المباركة في تجمع الأسرة
بشكل مكثف في كافة تفاصيل اليوم الرمضاني، من خلال مشاركة الإفطار والسحور،
ومشاركة الأسرة في الصلاة معاً، والدعاء سوياً في أوقات الإجابة، كل هذه اللحظات
العائلية المكثفة والدافئة ستدفع الأطفال إلى حب الشهر الكريم والارتباط به
باعتباره حدثاً جللاً وذا شأن كبير، ومناسبة أسرية دافئة تنطوي على كثير من الحب
والترابط الأسري الذي يعد مفقوداً طوال العام لانشغال الآباء بأعمالهم.
2- المسؤولية:
بينما يعتقد كثير من الآباء بأن المكافآت يجب أن تقتصر على شراء الحلوى أو تلبية
بعض طلبات الطفل المادية، فإن الشهر الكريم فرصة رائعة لمكافأة أطفالنا بشكل مختلف
تماماً، وذلك عبر تحميلهم بعض المسؤوليات، فحينما نعهد لأطفالنا بالمشاركة في بعض
أعمال الخير التي تتضاعف بشكل ملحوظ خلال الشهر الفضيل، فإننا نمنحهم ثقتنا في
قدرتهم، ونعطيهم الفرصة للاندماج في المجتمع ورؤية جوانب مخفية عنهم من ذلك
المجتمع، وهو ما قد يشعرهم بأهميتهم في الأسرة والمجتمع ويعزز إحساسهم بالمسؤولية
ويرفع من تقديرهم لذواتهم.
ولذلك، فإن
علينا كآباء إعادة النظر في رؤيتنا للمكافآت التي اعتدنا أن نعد بها أطفالنا حال
التزامهم بالصوم أو الصلاة وتجربة إستراتيجية جديدة عبر إشراكهم بشكل أكبر في
مسؤوليات الكبار كمكافأة لهم على تصرفاتهم الملتزمة والمسؤولة خلال الشهر الفضيل.
وبشكل عام، فإننا كآباء يجب أن نستغل الشهر الكريم وعبادة الصوم في إعادة تقييم فلسفة التربية، عبر مراقبة التربية الربانية التي أعدها الله لعباده الصالحين من خلال فريضة الصوم، ففي الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به»، فالصوم عبادة شديدة الخصوصية بين العبد وربه، وتقوم على الإخلاص الحقيقي والنية الصادقة التي لا يعلمها إلا الله، وهو ما يعزز مبدأ مراقبة الله وفعل الصواب من أجل تقوى الله لا من أجل مكاسب دنيوية أو إرضاء الآخرين.
اقرأ أيضاً: رمضان مدرسةً للمراهقين
وهي قيمة محورية
في التربية الإيمانية التي يجب أن نورثها لأبنائنا انطلاقاً من الصوم، ومبدأ حياتي
يقوم على فعل الصواب في السر والعلن ودون انتظار لرقابة أو رادع، فإذا ما رسخنا في
نفوس أبنائنا تقوى الله في سرهم وعلانيتهم نكون قد نجحنا في ضمان التزامهم في
وجودنا وغيابنا ووقيناهم مضار الرياء والنفاق.