«مايكروسوفت» ملطخة بالدماء.. مغربية تكشف تواطؤ الشركة في إبادة غزة

في موقف جسّد
شجاعة فردية وضميرًا حيًّا داخل واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، واجهت
المهندسة المغربية إبتهال أبو السعد إدارة شركة مايكروسوفت، متهمةً الشركة بالتواطؤ
في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة.
خلال حفل الذكرى
الخمسين لتأسيس شركة مايكروسوفت، وقفت إبتهال أبو السعد، وهي خريجة جامعة هارفارد
وتعمل مهندسة برمجيات ضمن فريق الذكاء الاصطناعي بالشركة، على خشبة المسرح، وصرخت
بوجه الرئيس التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان، وهو سوري الأصل: «عارٌ
عليك، أنت مستغلّ للحرب، توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي للإبادة الجماعية في
منطقتنا، أيديكم ملطخة بالدماء، كيف تجرؤون على الاحتفال بينما مايكروسوفت تقتل
الأطفال؟!».
ردود
فعل داعمة
كان هذا المشهد
كافيًا ليشعل موجة من التفاعل والدعم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتُبرت إبتهال
نموذجًا نادرًا للضمير الحي ومثالاً للبطولة الأخلاقية في زمن الخنوع والتواطؤ.
قال الكاتب
الفلسطيني أحمد الحيلة: إبتهال، قبل أن تكون مغربية، هي إنسانة حرة وصاحبة ضمير حي،
قد تخسر وظيفتها، لكن ما كسبته من احترام الذات والكرامة لا يقدّر بثمن.
ووصفها الناشط
الحقوقي رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأنها ضمير أخلاقي
يقظ داخل واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، مؤكدًا أن ما قامت به لم يكن
مجرد لحظة غضب، بل تعبيرٌ واعٍ عن رفضها لاستخدام مهاراتها في دعم جرائم الإبادة.
وكشف عبده أن إبتهال أرسلت لاحقًا بريدًا إلكترونيًا لجميع موظفي مايكروسوفت، شرحت فيه موقفها، وأوضحت أنها اكتشفت بأن عملها في الذكاء الاصطناعي كان يُسخَّر بطريقة غير مباشرة في دعم الاحتلال، كما فضحت محاولات سابقة من موظفين للاعتراض، لكنهم قوبلوا بالطرد والترهيب.
وقال الكاتب الكويتي عبدالعزيز الفضلي: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، إبتهال ضحّت بوظيفة مرموقة من أجل كلمة حق.
أما الكاتب خالد العتيبي فكتب: في زمنٍ تصمت فيه الضمائر، وقفت إبتهال كصوت حرّ، موقفها لم يكن انفعالًا، بل قرارًا مدروسًا، تبعته برسالة فضحت فيها تواطؤ شركتها.
وأشار الناشط
مراد علي إلى أن إبتهال لم تخسر مستقبلها في مايكروسوفت فقط، بل ربما في مجمل قطاع
التكنولوجيا الخاضع لنفوذ اللوبي الصهيوني، مضيفًا: بينما ضحت شابة بمستقبلها
المهني، يواصل حكام ورجال أعمال مسلمون التعاون مع «إسرائيل» وتزويدها بالدعم.
حركة المقاومة
الإسلامية (حماس) أصدرت بيانًا حيّت فيه موقف إبتهال، واعتبرته نموذجًا يحتذى به،
وقالت: إن موقفها البطولي فضح تواطؤ كبرى شركات التكنولوجيا مع آلة القتل
الصهيونية، وانحيازها لقيم العدالة، رغم التبعات المحتملة.
ودعت الحركة
جميع العاملين في هذه الشركات إلى الاقتداء بموقف إبتهال، وطالبت الأمم المتحدة
والمؤسسات الحقوقية الدولية بتوثيق التواطؤ التكنولوجي ومحاسبة الشركات المتورطة.
كيف
دعمت «مايكروسوفت» العدوان على غزة؟
ما كشفته إبتهال
لم يكن صرخة في فراغ، بل جاء مؤيدًا لتحقيقات صحفية دولية موثقة، ففي بداية عام
2025م كشف تحقيق أجرته وكالة «أسوشيتد برس» عن استخدام نماذج ذكاء اصطناعي من
مايكروسوفت، وأوبن إيه آي، في إطار برنامج عسكري «إسرائيلي» لاختيار أهداف القصف
خلال حرب «إسرائيل» في كل من غزة ولبنان، وفق وكالة «رويترز».
وفي تحقيق آخر
موسع نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية تحقيقًا كشف عن تعميق شركة مايكروسوفت
تعاونها التقني مع الجيش «الإسرائيلي»، خاصة في أعقاب الهجوم على قطاع غزة الذي
بدأ في 7 أكتوبر 2023م.
التحقيق أُنجز
بالشراكة مع مجلّة «972+»، ومنصّة «لوكال كول» «الإسرائيليتين»، واعتمد على وثائق
مسرّبة حصل عليها موقع «دروب سايت نيوز»، إلى جانب مقابلات مع شخصيات بارزة داخل
الأجهزة الأمنية والاستخباراتية «الإسرائيلية»:
- توسّع
متسارع في الدعم السحابي والاستخباراتي:
أشار التحقيق
إلى أن اعتماد الجيش «الإسرائيلي» على خدمات مايكروسوفت السحابية وتقنيات الذكاء
الاصطناعي شهد ارتفاعًا غير مسبوق، خصوصًا خلال ذروة الحملة العسكرية على غزة، وأكدت
الصحيفة أن الشركة الأمريكية قدّمت للجيش خدمات تخزين ومعالجة بيانات موسعة،
ووقّعت معه عقودًا لا تقل عن 10 ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني
المباشر.
وبحسب الوثائق،
فإن جيش الاحتلال واجه ضغطًا مفاجئًا في قدراته التكنولوجية بعد بدء العدوان؛ ما
دفعه إلى توسيع بنيته التحتية بسرعة، والاعتماد بشكل متزايد على مزودي الخدمات
السحابية، وعلى رأسها مايكروسوفت، وأمازون، وجوجل.
- توظيف
«أزور» في المهام القتالية والاستخباراتية:
كشف التحقيق أن
منصّة «Azure» التابعة لمايكروسوفت لم تُستخدم فقط في
الأعمال الإدارية للجيش «الإسرائيلي»، بل أدت دورًا مباشرًا في المهام القتالية
والاستخباراتية، فقد اعتمدت وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية، إضافة إلى
مديرية الاستخبارات العسكرية، على هذه المنصة في تحليل البيانات، وإدارة العمليات،
وتحديد الأهداف.
وأظهرت الوثائق
أن مايكروسوفت كانت تُصنّف كشريك موثوق لوزارة الدفاع «الإسرائيلية»، حيث كُلّفت
مرارًا بالعمل على مشاريع شديدة الحساسية والسرية، وكان موظفوها يتعاونون مباشرة
مع وحدة «8200»، وهي وحدة المراقبة الإلكترونية النخبوية، إلى جانب وحدة 81
المتخصصة بتطوير تقنيات التجسس.
-
وصول واسع إلى أدوات «GPT-4»:
وأشار التقرير
إلى أن مايكروسوفت منحت الجيش «الإسرائيلي» وصولاً موسعًا إلى نموذج «GPT-4» المطوّر من
«OpenAI»، وهو المحرّك الذي يدعم تطبيق «ChatGPT»، وذلك في
إطار شراكتها العميقة مع الشركة المطوّرة لأدوات الذكاء الاصطناعي، التي غيّرت
مؤخرًا سياساتها بما يسمح بالتعامل مع الجهات العسكرية والاستخباراتية.
-
استخدامات تشمل التجسس والقتل الممنهج:
سجّل التحقيق
عددًا من الاستخدامات الحساسة لخدمات مايكروسوفت، أبرزها:
1- استخدام وحدة
«8200» ووحدة «81» لمنصّة «أزور» في تحليل البيانات وتطوير أدوات تجسس متقدمة.
2- الاعتماد على
تقنيات الشركة في إدارة نظام «رولينغ ستون»، المسؤول عن تتبّع حركة الفلسطينيين في
الضفة الغربية وغزة.
3- استخدام وحدة
أفق الجوية لنظام الاتصالات والبريد الإلكتروني من مايكروسوفت في إدارة قواعد
بيانات الأهداف ضمن ما يُعرف بـبنوك الأهداف.
4- استهلاك
الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت في أنظمة معزولة عن الشبكة –غير متصلة بالإنترنت–
مما يشير إلى استخدامها في مهام شديدة الحساسية.
قفزة
هائلة في استهلاك الخدمات
أوضحت «الغارديان»
أن استهلاك الجيش «الإسرائيلي» لخدمات التخزين السحابية من مايكروسوفت ارتفع خلال
الأشهر الستة الأولى من الحرب بنسبة 60% مقارنةً بالفترة التي سبقتها، كما سجّل
استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ارتفاعًا كبيرًا، إذ بلغ استهلاك أدوات التعلم
الآلي في مارس 2024م 64 ضعفًا لما كان عليه في سبتمبر 2023م.
صمت
مطبق من الشركة والجيش
ورغم هذه
الحقائق، رفضت مايكروسوفت التعليق على نتائج التحقيق، كما امتنعت وزارة الدفاع «الإسرائيلية»
وجيش الاحتلال عن تقديم أي رد رسمي، مكتفين بالقول: لن نعلق على هذا الموضوع.