كيف نستجلب خصال الخير؟

الخصال جمع خَصْلة، وهي الفَضِيلة والرَّذيلة تكون في الإِنسان، وصارت تستعمل للفضيلة تغليبًا للأشرف، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المستجمع لكل خصال الخير، وهو الذي وصفه ربه جل وعلا فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وإنما يكون الوصف بقدر الواصف، فما بالك والواصف بالعظمة الله تعالى، والموصوف خير خلقه وسيدهم صلى الله عليه وسلم.

التعريف بشيء من خصال الخير

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم رؤوفًا رحيمًا بنا، وأراد لنا سعادة الدنيا والآخرة، فأرشدنا إلى قبس من نوره الشريف صلى الله عليه وسلم، فكان مما قاله: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»؛ قال الإمام العلامة الملا علي القاري في شرحه على الحديث: «الْبِرُّ»؛ أي: أعظم خصاله، «حُسْنُ الْخُلُقِ»: إن حسن الخلق عبارة عن حُسن العشرة والصحبة: مع الخَلْق؛ بأن يعرف أنهم أُسَراء الأقدار وأن كل ما لهم من الخُلِق والخَلْق والرزق والأجل والعمل بمقدار، فيُحسن إليهم حسب الاقتدار فيأمنون منه ويحبونه بالاختيار، ومع الخالق؛ بأن يشتغل بجميع الفرائض والنوافل، ويأتي بأنواع الفضائل عالمًا بأن كل ما أتى منه ناقص يحتاج إلى العذر، وكل ما صدر من الحق كامل يوجب الشكر.

وكان الهدف من إجمال ذكر بعض خصال الخير تعريف القارئ مقصودنا عند ذكرها، ليعلم ما يطلب، فطلب المجهول محال، ولأنهم قديمًا قالوا: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل.

خصال الخير ممنوحة أم مكتسبة؟

وخصال الخير بعضها في فطرة الإنسان بالجِبِلَّة، وفي هذا ورد الحديث عن عبدالله بن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للأشجِّ عبد القيس: «إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ؛ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ»، قَالَ الأشجّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا»، قَالَ الأشجّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

وبعض خصال الخير مُستجلبة؛ أي يبذل الإنسان جهدًا في تحصيلها لكونها خلاف طبعه مثلًا كالعجول الراغب في التحلي بالأناة.

وبمثل هذا المعنى جاء كلام النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا ‌الْعِلْمُ ‌بِالتَّعَلُّمِ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوَقَّهُ».

فمن ظن أن أي خير عمومًا، وحسن الخلق خصوصًا يأتيه بغير جهد منه فقد جانب الصواب وهو إلى الوهم الحلو أقرب منه إلى الحقيقة المرة.

شهر الخير فرصة استجلاب كل خير

يُعد رمضان الفرصة الأمثل لبداية تكوين عادات جديدة تكون بذرة لخصال الخير التي لا بد وستقطف ثمارها يومًا ما.

البيئة مهيئة بالفعل للبَذْر، فالشياطين مصفدة، والناس في رمضان غالبًا مشتغلون بأنواع عبادات لا يشتغلون بها باقي السنة من صيام وكثرة نفل، كل ما تبقى عليك هو الغرس.

وفي الأول تحديدًا تربية للنفس على كثير، من صبر على الشهوات والملذات إلى تحمل لمشاعر ينفر منها الإنسان عادة في سائر أيامه كالجوع والعطش، ولما كان الصيام بطبعه فيه مخالفة لما تعود عليه الإنسان وأَلِفَه كان التَّعود والتَّدَرُّب فيه على مخالفة طباع أخرى وإتيان خصال الخير أسهل منه في باقي شهور السنة، ويكون العبد بتوفيق من الله عز وجل على تلك المخالفة أقدر إن شاء الله تعالى.

وفي الثاني وهو كثرة النفل قُربَة من الله عز وجل بأحب مما تُقرِّب به إليه، ففي الحديث: «وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».

فلا ينبغي أن يخرج الإنسان رمضان كما دخله، كما لا ينبغي أن يرضى من رمضانه بأقل القليل، بل يُزاحم أصحاب المعالي في عباداتهم وعاداتهم عَله يكون منهم.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة