قواعد الاشتباك.. وأبواب الجحيم!

يبدو بعض الناس عاجزين عن تفسير طبيعة الوحشية النازية اليهودية التي تمارسها عصابات الغزو في فلسطين المحتلة، وهي وحشية شاذة وغريبة لا تعرف ما نسميه في المفهوم الإسلامي بالرحمة والمروءة والرفق بالأبرياء والأطفال والنساء والضعفاء والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والأسواق.
المتوحشون اليهود يسحقون كل من يجدونه في
طريقهم الآثم ويعوقهم عن السيطرة والهيمنة وتملّك ما ليس لهم.. حربهم العدوانية
على غزة في عملية السيف الحديدي كما يسمونها كانت نموذجًا للوحشية غير المسبوقة في
التاريخ إلا على يد المغول في بعض الوقائع.
دعوات خرافية
تفسير طبيعة الوحشية النازية اليهودية بسيط
للغاية، يتمثل في تربية اليهود النازيين الغزاة على العمل بالدعوات الخرافية
والأسطورية الواردة فيما يسمى كتابهم المقدس أو التوراة التي كتبوها بخط أيديهم،
ثم الدعم العسكري غير المحدود بالسلاح والعتاد من قادة الحكومات الغربية الصليبية
الهمجية!
ويمثل سفر العدد 31أبشع الإصحاحات وحشية حيث
يتربى عليه القتلة اليهود منذ الطفولة، فهو يحض على القتل وسبي
النساء والأطفال وحرق المدن في أثناء الحرب بمؤاب، وجاء فيه: ﴿وَسَبَى بَنُو
إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ مِدْيَانَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَنَهَبُوا جَمِيعَ
بَهَائِمِهِمْ، وَجَمِيعَ مَوَاشِيهِمْ وَكُلَّ أَمْلَاكِهِمْ. وَأَحْرَقُوا
جَمِيعَ مُدُنِهِمْ بِمَسَاكِنِهِمْ، وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ بِالنَّارِ. العدد 31(:
10-11) وفيه الأمر بقتل الأطفال الأسرى والنساء: ﴿فَٱلآنَ اقْتُلُوا كُلَّ ذَكَرٍ
مِنَ الأَطْفَالِ. وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتْ رَجُلاً بِمُضَاجَعَةِ ذَكَرٍ
اقْتُلُوهَا. لكِنْ جَمِيعُ الأَطْفَالِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَمْ
يَعْرِفْنَ مُضَاجَعَةَ ذَكَرٍ أَبْقُوهُنَّ لَكُمْ حَيَّاتٍ. (العدد 31: 17-18).
وفي سفر يشوع يأتي الأمر بالعنف، حيث
أمر يشوع بحرق كل ما في المدينة بما فيها من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر
والغنم ما عدا راحاب الزانية حسب نص يشوع 6، ﴿وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي
الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَٱمْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ
وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ﴾، ﴿وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ
مَعَ كُلِّ مَا بِهَا، إِنَّمَا الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَآنِيَةُ النُّحَاسِ وَٱلْحَدِيدِ
جَعَلُوهَا فِي خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ.﴾. فشلت المحاولة الأولى للاستيلاء على
المدينة، وبعد محاولة ثانية ينتصر بنو إسرائيل وينتهي يشوع 8 بحرق المدينة بأكملها
ومقتل جميع سكانها.
إبادة بلا رحمة
هذه التعاليم جعلت القتلة النازيين اليهود في
فلسطين المحتلة يمارسون الإبادة الجماعية بغير رحمة ويفتحون أبواب الجحيم، ويقتلون
المدنيين أطفالًا ونساءً ورجالًا دون هوادة، ويأتون على المستشفيات والمدارس
والمساجد دون مراعاة لأي جانب إنساني، بل إنهم يغدرون وينقضون الاتفاقات التي
تتضمن حلولًا لبعض القضايا العالقة، كما حدث في عدم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
الذين كان من المقرر إطلاقهم سراحهم في الدفعة السابعة بدعوى أن المقاومة تستفز
القتلة النازيين اليهود عند تسليم أسرى اليهود وقتلاهم!
تعاليم الكتاب المقدس المزوّرة تدفع المجرمين
النازيين اليهود إلى الاغتيالات داخل فلسطين وخارجها، ولا يردعهم عن ذلك رادع خلقي
أو قانوني أو دولي، فقد اغتالوا زعماء المقاومة في حماس والجهاد الإسلامي وحزب
الله.. إن الاغتيالات منهج الجبناء، لأن الشرفاء يقاتلون وجها إلى وجه، ولكن
الكتاب المقدس اليهودي يبيح لهم كل سلوك شاذ غير إنساني.
قتل ممنهج
إن تعاليم كتابهم تدفعهم إلى القتل الممنهج،
وخاصة للمدنيين الأبرياء، بدم بارد، وقلب لا ينبض بالإنسانية، ويمثل الإرهابي نتن
ياهو رئيس وزراء القتلة النازيين اليهود الغزاة نموذجًا واضحًا للوحشية اليهودية.
في فبراير 2025م نشر الناشطون على وسائل
التواصل الاجتماعي فيديو مصورًا لمترجمة كانت تعمل في مكتب الإرهابي نتن ياهو رئيس
وزراء العدو، يكشف طبيعة تفكيره وقراراته الوحشية ضد الفلسطينيين، بل ضد الآخرين
ممن يخالفون عقيدته التوراتية الوحشية. لا أستطيع أن أوثق هذا الفيديو المصور،
ولكن مضمونه يتطابق مع سلوك المجرم النازي النتن ياهو، ولا يختلف كثيرًا عن
ممارساته على الأرض.
المترجمة تفضحهم
تتحدث المترجمة عن إخلاصها وتفانيها في العمل
داخل مكتب نتن ياهو، وكانت متأثرة بثقافة الوحشية اليهودية التي تربت عليها، وبذلت
جهودًا كبيرة لتثبت إخلاصها وتفانيها وولاءها للكيان الإرهابي، والعصابات الحاكمة.
في أحد الاجتماعات كان الحديث يدور حول توسيع
إحدى المستوطنات، كان الأمر عاديًا بالنسبة لهم، ولكنه بالنسبة للمترجمة كان مرعبًا،
عرفت أن قرار التوسيع يقضي بقتل كل العائلات الفلسطينية وطردهم من منازلهم سواء
كانوا نساءً وأطفالًا. تقول: "أتذكر جيدا كلمات نتن ياهو جيدًا: علينا إزالة
كل العوائق أمام رجالنا. هذه الأرض لنا ومن عليها عوائق يجب ازالتها". مع
مرور الوقت لم أتصور أنني أشارك في القتل. كنت جزءا من نظام متكامل على أعلى
المستويات. أحضر الاجتماعات التي ترسم فيها خطط كثيرة. من أكثر الاجتماعات خطورة،
كنت أحضر اجتماعا ترسم فيه خطط ضد الفلسطينيين وغزة وكان يحضرها بعض المستشارين
الفلسطينيين الذي يساعدون في رسم الخطط، وأنا أترجم وأحاول أن أبدو متماسكة بينما
داخلي يغلي مما أسمع، وكان الاجتماع فخًا للفلسطينيين الذين سيحضرون للتفاوض، ثم
الغدر بهم وقتلهم. أحد المستشارين قال إن الموقع فيه كثير من المدنيين، ولكن نتن
قال بدم بارد: اقتلوهم جميعًا.. تقول المترجمة: اتخذت قراري، وعدت الى البيت وجلست
أمام الحاسوب، وكتبت تفاصيل الخطة بدقة وأرسلتها إلى الطرف الفلسطيني الذي نجا من
الفخ، وبدأت أشعر بالراحة وأرسل كل التفاصيل والخطط المدمرة للطرف الفلسطيني دون
أن يعلم أحد أنني من أقوم بذلك، وشعروا أنني لست مجرد هدف يريد مساعدتهم بل حليف،
وصرت أتعامل معهم.
تشير إلى أنها شاهدة على عقلية نتن ياهو،
تترجم كلماته التي تمتلئ بالصلف والدموية، كان باردًا لا يتعامل مع الناس بإنسانية.
كان دمويًا، يهمّه الدعم الدولي، ويرى أنه كلما زادت الفوضى استفدنا من الدعم
الدولي، كان لا يبالي باحتواء الموقف، كان يسعى للظهور أمام العالم كأعظم قادة "إسرائيل"،
لا يشعر بالأسف أو الندم، مصلحته الشخصية أهم من كل شيء، لم يكن يتحدث عن حياته
الشخصية إلا نادرًا، ولا يرى في العالم غير نفسه!
غايات آثمة
وإذا كان القتل الممنهج طريقة يهودية وحشية،
فإن كل الخصال الشريرة والنكدة تلحق به، من المساومة التي عجز شكسبير عن تصويرها
في "تاجر البندقية" إلى التحالف مع الأشرار في كل مكان لتحقيق غاياتهم
الآثمة، والاستهانة
بالقانون الدولي، والكذب كما يتنفسون، وتضليل الناس وخرق الاتفاقات والعهود،
وتعذيب الأسرى، وفقدان الرحمة، مع العنصرية الفاقعة التي يعتقدون من خلالها أنهم
فوق العالم كله! ثم تأمل تصريحات زعمائهم الأشرار وهم يدعون إلى القتل والإبادة
واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم وأرضهم (نسيم فاتوري نائب رئيس الكنيست، وسيموريتش
وزير المالية، وبن غفير وزير الأمن المستقيل- مثالا).
في العصر الحديث، عرفت الجيوش المتحاربة ما يسمى
بقواعد الاشتباك، التي تعد كما يقول جيتي: مبادئ توجيهية في كيفية التعامل مع
عملية عسكرية معينة تجمع بين الضوابط العسكرية والاعتبارات السياسية. وقد أقرت
المنظمات الدولية أطرا للقتال وخاصة مع المدنيين، والتعامل مع الأسرى، وجهات
الإسعاف الدولية، ومؤسسات الغوث الغذائي، ومساعدة اللاجئين بالتعليم والصحة
والأحوال الاجتماعية!
قواعد اشتباك دولية
وتلعب قواعد
الاشتباك الدولية دورًا مهما في التحكم في العملية العسكرية وأهدافها وأبعادها كذلك،
وتسعى لتقليص عدد الضحايا العسكريين والمدنيين.
لا يعبأ القتلة اليهود
بأي من قواعد الاشتباك المتعارف عليها دوليا، كما رأينا في العدوان على غزة بعد
السابع من أكتوبر 2023م فقد تحرك القتلة اليهود بهمجية غير مسبوقة، حيث استهدفوا
الأطفال والنساء بالدرجة الأولي، وحتى كتابة هذه السطور فقد استشهد أكثر من أربعين
ألف طفل وامرأة ضمن خمسين ألفا من الشهداء، غير من دفنوا تحت أنقاض القصف اليهودي
الوحشي.
بيد أن
المقاومة الفلسطينية الباسلة كسرت قواعد الاشتباك اليهودية الهمجية، وقال الناطق
باسم المقاومة الفلسطينية: إن الحرب على غزة شكلت تحولا إستراتيجيا ومفصلًا تاريخيًا
في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني على كافة المستويات، كما شكلت "علامة فارقة في
كسر قواعد الاشتباك مع العدو "الإسرائيلي" ونسفت عقيدته العسكرية
والقتالية".
وقد عاد
الحديث عن "قواعد الاشتباك" عقب العدوان النازي اليهودي على قطاع غزة في
أكتوبر2023م، وفتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا لتقديم تقارير عن احتمالية
ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" وجرائم "إبادة
جماعية" بشكل يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان.
وارتفعت مطالب
بمحاسبة قادة الاحتلال اليهودي على جرائمهم في القطاع، خاصة بعد قصفهم المستشفى
الأهلي العربي "المعمداني" في غزة واستشهاد ما لا يقل عن 500 مدني،
معظمهم من الأطفال والنساء، وعدم التزامه بأي مبادئ تخص "قواعد
الاشتباك" وتسببه بجرائم غير إنسانية تستهدف المدنيين والمسعفين وفرق الإغاثة
ممن يلزم القانون بحمايتهم.