05 فبراير 2025

|

مسيرة ترمب ونتنياهو نحو الفوضى في الإقليم

حازم عياد 

05 فبراير 2025

349

قبيل لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أعلن رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو إرساله وفداً فنياً إلى الدوحة للبدء بمفاوضات المرحلة الثانية من صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار والعدوان على قطاع غزة.

الإعلان جاء بعد ساعات من لقاء نتنياهو مبعوث ترمب الخاص إلى المنطقة ستيف ويتكوف، الذي صرح بعيد اللقاء بأن مفاوضات الشرق الأوسط ماضية قدماً؛ ويعني بذلك مسار التفاوض مع دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي أكدت بدورها وخلال اجتماع القاهرة وزراء خارجية السداسية تمسكها بحل الدولتين.

بل وعمدت الرياض وإلى جانبها وزراء خارجية الأردن ومصر والإمارات العربية وقطر توجيه رسالة إلى وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو تؤكد رفضها تهجير الفلسطينيين من أرضهم في قطاع غزة والضفة الغربية، فالصراع حول ترمب ولأجل التأثير في ترمب وأولوياته بلغ ذروته بمجرد أن حطت طائرة الإرهابي المطلوب للجنائية الدولية نتنياهو في واشنطن.

لقاء الرئيس الأمريكي مع نتنياهو الثلاثاء 4 فبراير 2025م لن يكون الأخير؛ إذ سيتبعه اجتماع مع الملك عبدالله الثاني في العاصمة واشنطن الثلاثاء الذي يليه (11 الجاري)، ليتبعه لقاء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الثلاثاء 18 الجاري، وهي لقاءات مكثفة تؤكد سعي الرئيس الأمريكي ومستشاريه ومبعوثيه إلى المنطقة نحو خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق طويل الأمد، بحسب مبعوث الرئيس الأمريكي ترمب لشؤون الأسرى آدم بولر، وذلك خلال لقاء أجراه على قناة «الجزيرة».

التحضيرات للمرحلة الثانية من المفاوضات والبحث في تفاصيل اليوم التالي للحرب على قطاع غزة بدأت بطلب «إسرائيلي» من الرئيس الأمريكي بألا تكون حركة «حماس» في المشهد السياسي، وألا يكون الإعمار على طاولة البحث، بل تهجير الفلسطينيين، وهو ما أكده بولر ومن بعده ترمب خلال لقائه نتنياهو في البيت الأبيض.

لقاءات بنكهة التصعيد والحرب

التطمينات المقدمة لنتنياهو لم تقتصر على مستشار الأمن القومي مايك والتز الذي يتولى الملف الإيراني، وستيف ويتكوف الذي تولى ملف التطبيع مع دول المنطقة؛ ذلك أن ترمب لم يتوقف عن تكرار التلميح لحاجة الكيان الصهيوني للتوسع بحديثه مؤخراً عن صغر حجم الكيان قياساً بدول الشرق الأوسط، إذ شبه الكيان «الإسرائيلي» بالقلم ومنطقة الشرق الأوسط بالطاولة التي يجلس أمامها في البيت الأبيض، في محاولة لإبراز صغر حجم الكيان وحاجته للتوسع، بل واستبق اللقاء مع نتنياهو بتوقيع قرار تنفيذي لتشديد العقوبات على إيران، علماً أن التصعيد والجشع الأمريكي «الإسرائيلي» المصرح به هو ذاته الذي قاد إلى الحروب وحالة انعدام الاستقرار في المنطقة.

لقاء ترمب مع نتنياهو لم يخل من هذه التصريحات أثناء وبعد اللقاء، فهي جزرة ترمب التي يلوح بها لإحكام السيطرة على نتنياهو وحكومته الائتلافية، إلا أنها ورقة مشتعلة في الآن ذاته، كونها ترفع مستوى التوتر وتعقد المشهد السياسي والتفاوضي في الدوحة وفي عواصم الإقليم خصوصاً في القاهرة وعمّان.

فتصريحات ترمب تثلج صدر نتنياهو واليمين «الإسرائيلي» وعلى رأسه وزير المالية بتسلائيل سموتريتش، والوزير المستقيل من حكومة الائتلاف إيتمار بن غفير، ومن خلفهم مديرو مجالس المستوطنات، وأبرزهم يسرائيل غانتس، ويوسي داغان، وهما من أبرز داعمي ترمب خلال حملته الانتخابية، لكنها في المقابل تشعل صدور شعوب المنطقة وقواها الحية ودولها، وتثير قلق قادتها.

اقرأ أيضاً: ترمب.. وارتفاع «الأدرينالين»!

تصريحات ترمب وثرثرته التي لا تكاد تتوقف تجعل من الكيان الصهيوني تهديداً وجودياً للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وللدول وللنظم السياسية في المنطقة العربية، فالصراحة التي انطلق بها لسانه بلغت حدها الأقصى في الحمق والجشع والغرور وسوء التصرف، فهي تطمينات بنكهة الحرب، ترفع مستوى التوتر وتهدد بإفشال وإحباط سياسته وتعقيد علاقته بدول المنطقة، خصوصاً تلك الشريكة والصديقة للولايات المتحدة.

مسيرة الحمقى.. من ترمب إلى نتنياهو

تصريحات ترمب ترسم مساراً أحمق كونها تشبع عطش اليمين «الإسرائيلي» وتفتح شهيته للحرب في قطاع غزة، وجشعه لضم الأراضي المحتلة عام 1967م التي يحرص على تنفيذها في الضفة الغربية، وحيث تصل دبابات جيش الاحتلال في لبنان والقنيطرة في سورية.

تكرار ترمب تصريحاته الحمقاء بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى الأردن ومصر، وتلميحاته حول حاجة الكيان «الإسرائيلي» للتوسع عبر ضم مزيد من الأراضي بما فيها أراض في الضفة الغربية، أو لبنان وسورية مستقبلاً والإعلان عن نيته فرض عقوبات قصوى على إيران، ترفع منسوب التوتر في المنطقة، ولا تساعد على تحقيق الاستقرار التي يبشر بها مبعوثة بولر، فالوسيلة الوحيدة لتنفيذ هذه السياسات لن تكون إلا عبر المضي قدماً في مسيرة الموت والحرب التي يريد ترمب تجنبها، وليس عبر التفاوض وعقد الصفقات التي يتحدث عنها.

المسيرة ذاتها التي حذرت منها المؤرخة والكاتبة الأمريكية الشهيرة باربرا توكمان في كتابها «مسيرة الحمقى من طروادة إلى فيتنام»، حيث أشارت إلى أن القادة الذين يتمتعون بطموح مفرط وجشع كبير وسوء تصرف مقرون بالافتتان بالقوة عادة ما ينتهي بهم الأمر إلى الفشل وقيادة دولهم نحو الانهيار والعزلة، وهو المستقبل المنظور للنفوذ الأمريكي في المنطقة العربية الذي بات يعاني من ضغوط كبيرة بفعل المواقف والتصريحات والتصرفات الحمقاء التي يرددها ترمب، ويتوعد بها شركاء أمريكا وأصدقاءها في المنطقة قبل غيرهم، وهي ذات السياسة التي دفعت فيدل كاسترو للانفتاح والتحالف مع الاتحاد السوفييتي السابق (روسيا الاتحادية اليوم) بعيد انتصار الثورة الكوبية عام 1958م.

مسيرة الحمقى لم تقتصر على تصريحات ترمب، ونتنياهو، فهي بالتأكيد ستتواصل عبر إجراءات عملية وتصرفات على الأرض يحركها الجشع والطموح المفرط لترمب، ونتنياهو بتوسعة الكيان المحتل وضم المزيد من الأراضي إليه بشكل يمزق النفوذ الأمريكي في المنطقة على نحو مؤكد.

ما يريده نتنياهو لا يختلف كثيراً عما يريده ترمب فيما يتعلق بإيران والضفة الغربية وقطاع غزة، وهو استئصال المقاومة الفلسطينية والإطاحة بالمشروع النووي الإيراني وفرض الهيمنة على المنطقة العربية عبر التطبيع.

لكن هل يملكان القدرة على فعل ذلك؟ وهل كل ما يتطلبه الأمر تصريح من ترمب ليتحقق الأمر، أم أن الموارد المطلوبة لفعل ذلك محدودة والتبعات كبيرة؛ إذ هل بالإمكان مهاجمة إيران والعودة إلى الحرب في قطاع غزة والبحر الأحمر مع حركة «أنصار الله» الحوثية في اليمن مجدداً، وإشعال المواجهة في الضفة الغربية عبر التهجير وسياسة الضم، واحتواء تركيا وسورية والتطبيع مع دول المنطقة؟ هذا ما سيختبره ترمب خلال لقاءاته في واشنطن على مدى الأسابيع الثلاثة المقبلة.

لا يمكن التهرب من الحقيقة التي بدأت تلوح في الأفق؛ والممثلة بحاجة الدول العربية للعمل على فك الارتباط والاعتماد المفرط على أمريكا، إذ دون ذلك ستواجه المنطقة مزيداً من التغول الأمريكي «الإسرائيلي» الذي لن يتوقف عند حدود في المنطقة العربية، ولن يوقفه في المستقبل سوى اشتعال المقاومة في مساحة أوسع من التي خبرتها المنطقة والممتدة من البحر الأحمر وصولاً إلى شرق الفرات والمتوسط.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة