زوال «إسرائيل» حتمية توراتية قرآنية (2)
في المقال السابق ذكرنا أن زوال «إسرائيل» حق لا مراء فيه، وذكرنا سببين؛ الأول: هشاشة الكيان المحتل الغاصب، والثاني: نص القرآن الكريم في أكثر من آية أن زوال «إسرائيل» وعد رباني، وقضاء إلهي.
ثالثاً: تحفيز وتنشيط أم توهين وتثبيط؟
وهنا قد يقول قائل: لقد فرض الحق جل جلاله الجهاد على هذه الأمة لاسترداد حقها المسلوب، وتحرير وطنها المغصوب، والحديث عن زوال «إسرائيل» يبعث في الأمة الكسل والقعود، فهو كلام إثمه أكثر من نفعه!
يقول تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (الطور: 48)، فالمؤمن يوقن أنه في عين الله تعالى وحفظه وتأييده، وهذا اليقين باعث حثيث للمؤمن على بذل الروح والمال في سبيل الله، وهو على يقين تام أن النفع والضر بيد الله وحده، وأن الدنيا كلها لو اجتمعت على النيل منا فلن تضرنا إلا بشيء قد كتبه الله علينا، فالغرض من هذا الطرح أن يبعث في النفوس التفاؤل والأمل، ويقتل فيها اليأس والملل، وهذا أول طريق الجهاد، الأمل في الله، والتوكل عليه، والاعتصام به، والاستعانة به وحده.
ومن هذا المنطلق، فإذا كان المحتل يمتلك الأسلحة الفتاكة، فهذا لا يخيف المجاهدين، ولا يوهن عزائمهم، لأن معهم صاحب القدرة المطلقة في هذا العالم.
وقد وعدنا تعالى في كتابه الكريم، وفي سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالنصر المبين على اليهود المحتلين، ومن عاونهم من الظالمين، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» (أخرجه مسلم، وأحمد).
وقد توعد الله تعالى بأن يبعث على اليهود المجرمين، من ينكّل بهم إلى يوم الدين، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأعراف: 167).
فهذه حرب نفسية لها بالغ الأثر في توهج الحماسة في نفوس المجاهدين، وإشعال عزمات المرابطين، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر).
رابعاً: زوال «إسرائيل» حتمية توراتية:
1- «إسرائيل لا علاقة لها باليهودية»، تحت هذا العنوان جاءت تصريحات الحاخام الأمريكي يسرائيل ديفيد وايس، المتحث الرسمي لجماعة ناطوري كارتا اليهودية على موقع «الجزيرة نت» بتاريخ 30/ 10/ 2023م حيث قال: إن «الإسرائيليين» أسّسوا دولتهم عن طريق السرقة من العرب، وإنه يصلي من أجل زوال دولتهم الصهيونية، وأن تتحرر فلسطين بأسرع وقت.
وأضاف: إن اليهود أسسوا دولتهم في فلسطين بالمخالفة لنصوص التوراة التي جاء فيها: «لا تقتل ولا تسرق»، و«إسرائيل» قامت على قتل العرب وسرقة أراضيهم، ولهذا السبب نحن نبكي مع الفلسطينيين.
وقال وايس: كوننا يهوداً متدينين، نصلي للرب كل يوم من أجل زوال دولة «إسرائيل» الصهيونية، التي تسببت في إراقة كثير من دماء الفلسطينيين واليهود بأسرع وقت.
وللعلم، فإن جماعة ناطوري كارتا تأسست في العام 1935م؛ أي قبل قيام «إسرائيل» بـ13 عاماً، والهدف الرئيس من تأسيس هذه الجماعة عدم قيام دولة «إسرائيل».. لماذا؟
لأنهم يعتقدون، وفق توراتهم حتى المحرفة التي بين أيديهم اليوم، أن الله تعالى كتب على بني إسرائيل التيه والشتات؛ لذا لا بد أن يظل اليهود مشتتين، إلى أن تقوم الساعة، وأي محاولة لتجميع اليهود في مكان واحد عصيان لله تعالى، وعصيان لقضائه على اليهود بالشتات، وأن «إسرائيل» دولة ضد الله تعالى؛ لأنها خالفت تعاليمه في التوراة، بأن يظل اليهود مشتتين في الأرض.
2- قال الحاخام مائير هيرش، زعيم جماعة ناطوري كارتا: نرفض أن نكون مواطني الدولة «الإسرائيلية» بأي شكل من الأشكال؛ لأننا نعلم من الكتاب المقدس، أن الرب وعد بإخراج الشعب اليهودي من التيه، وها نحن في الشتات من ألفي سنة، وما دام التيه مستمراً، يحرم على الشعب اليهودي تأسيس دولة في أي مكان في العالم.
وقال: نحن نطالب بالعدالة الإلهية، لا مكان لدولة يهودية في فلسطين، ومن غير الممكن أن يكون في فلسطين دولتان لشعبين، لأنه ليس الحل الأمثل، الحل هو إعادة كل الأرض إلى الفلسطينيين. (الجزيرة نت، 30/ 12/ 2023م).
3- في 9/ 6/ 2023م، نشر موقع «روسيا بالعربية» (RT) فيديو للحاخام اليهودي الأرثوذكسي الحنان بيك الذي يقيم في بريطانيا، أكد فيه أنه لا حق لـ«إسرائيل» في فلسطين، وأن الأراضي من النهر إلى البحر ملك للفلسطينيين وحدهم، وقال: الصهيونية تمرد على القدير «الله» الذي أرسل الشعب اليهودي إلى المنفى ليبقى في المنفى، وليس للتمرد على الأمم، وليس للاستيلاء على الأراضي المقدسة بالقوة.
وأضاف: إن الصهيونية ضد كل جانب من جوانب الإنسانية، لأنهم يقتلون الكثير من الفلسطينيين، وبصورة مستمرة حتى يومنا هذا، وكل من يعرف شيئاً عن التاريخ، يعلم أن المسلمين حمونا، وأنقذونا من الاضطهاد، وعشنا عصراً ذهبياً معهم.
وهذه النصوص التوراتية، والتفسيرات اليهودية، والشروح الحاخامية، تكشف عن مدى تعمق وتأصل فكرة زوال «إسرائيل» في العقل والفكر «الإسرائيلي»، وهذا ما يجعل الكثير من شعب «إسرائيل» يحتفظ بجنسية وطنه الأول، ويرتب أمور معاشه في مكان ما خارج «إسرائيل» حين تنتهي أو تزول.