من وسائل الاستعداد لرمضان.. التخلي عن الكراهية والحقد
![](https://mugtama.com/storage/uploads/RgzqyyNzGfsaoctgwQHD0CavLYXA736YXPIkSyh9.jpg)
من المعروف عن مجتمع المسلمين أنه مجتمع حب ومودة وتراحم وتعاون وبر وتقوى، جمع الله عز وجل عليه كافة أواصر التراحم بين أفراده لتتواصل فيما بينها مكونة مجتمعات قوية لا يوقع بينها عدو، ولا يفصل بينها مصيبة، يقول فيهم رب العالمين: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (الفتح: 29)، وقال تعالى في توصيف العلاقة بين المؤمنين: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" (الحجرات 10)، فالأصل في العلاقة الأخوة التي تنبني على المحبة والتواصل الطيب، وقد جعل الله عز وجل للمتحابين فيه مكانة لا تقربها مكانة، وجعلهم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فكان منهم: ".... ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه..." (رواه البخاري ومسلم)، والمجتمعات المسلمة هي مجتمعات متآلفة، ألف بينها الله تبارك وتعالى فقال فيها: "لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ" (الأنفال63)، والحب هو الأصل في النفس، والطارئ عليها هو البغض والكراهية التي تلوث صفاء النفس وتكدر عليها أوقاتها وهو ليس من شم المسلمين إلا أن يتخلوا عن فهم دينهم، وروابطهم التي تربطهم بالسماء من عقيدة وشريعة وسلوك وأخلاق، ولم تفسد العلاقات الإسلامية إلا حين تخلت الأمة عن ثوابتها، ولا عودة لمكانتها، إلا أن تعود لدينها، وها هو رمضان يلوح في الأفق، يأتي بخيره وكرمه وعباداته وصفائه، ليذكر الأمة بالطريق الذي يجب أن تطرقه وتعود إليه
ما هي الكراهية والبغضاء
البغض هو النفور، يقول المناوي: (البغض هو نفور النفس عن الشيء الذي يرغب عنه)، ويقول الكفوي: (البغض: عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب)، أما الكراهية فهي خلاف الرضا والمحبة، (يقال: كرهت الشيء أكرهه كراهة وكراهية، فهو شيء كريه ومكروه. والكره الاسم. ويقال: بل الكره: المشقة، والكره: أن تكلف الشيء فتعمله كارها. ويقال من الكره: الكراهية والكراهية. وأكرهته على كذا: حملته عليه كرها)[1]
وقد حرص القرآن الكريم على تبيين طريق الصلاح للمسلمين ليضمن لهم أقصر الطرق لجنة الرضوان، فحذرهم من الوقوع في البغضاء والكراهية وأنها رغبة الشيطان في التفريق بين المؤمنين، فيقول تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" (المائدة: 91)، وفي الحديث النبوي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)(رواه البخاري ومسلم)، هو مباشر، بصيغة مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالتحاب والتصافي، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا فتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) (أخرجه مسلم)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر) (رواه مسلم)
و(قوله: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) أي: لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها، بل يغفر سيئتها لحسنها، ويتغاضى عما يكره لما يحب؛ فإنه إن صدر منها فعل غير مرضي له يصدر منها أفعال مرضية له، فليعف عنها أفعالها غير المرضية لأجل أفعالها المرضية)[2]
أسباب الوقوع في البغض والكراهية
الوقوع في الكراهية لا يتحقق في نفوس فسدت كليا، أو فسد منها بعضها، وذلك لا يصير إلا بالابتعاد عن شريعة رب العالمين، فيكون الإنسان نهبة للشيطان يتلاعب به حيث شاء، فيوقعه في أسباب الكراهية دون أن يدري، ومن هذه الأسباب:
1 ـــ الوقوع في جريمة الغيبة والنميمة وأكل لحم الأخ المسلم، ويعد ذلك من أكبر أسباب الكراهية والبغضاء
2 ـــ خداع المسلمين وغشهم والكذب عليهم يترك آثارا غير طيبة بينهم ومنها الكراهية
3 ـــ غلظة القلب وقسوته بين الناس، تنشر قيم غير التي يعرفها الإسلام ، ورب العزة يقول: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" (آل عمران: 159)
4 ـ انتشار معاني الغيرة والحسد بين المسلمين، كل منهم ينظر للآخر في ماله، أو عمله، أو أبنائه، ثم يقارن بينه وبين نفسه فتنبت الكراهية بينهم
5ـــ انتشار الظلم بين الناس وغياب قيم العدالة فظلم الجار لجاره، وظلم الأخ لأخيه، وظلم الأب لأبنائه، كل هذا ينشر الكراهية ويؤصل لها في المجتمع المسلم
6 ـــ الكبر في التعامل بين المسلمين، فالمتكبر تحركه في الأصل الكراهية والبغضاء
الوسائل المعينة على التخلص من البغض والكراهية
ومن أنجع وأقرب الوسائل التي تنشر روح المحبة والمودة بين الناس، ما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم: (أولاَ أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السَّلامَ بينكم) (رواه مسلم) وهناك وسائل عملية تؤدي إلى التحاب إذا فعلها المسلم مخلصا مطهرا لقلبه بإرادة صادقة، ومن هذه الوسائل:
1 ـ تهادي المسلمين فيما بينهم ، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا، تحابوا"[3]، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا نساءَ المسلمات، لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتِها ولو فِرْسِن شاة) (متفق عليه)
2 ـــ ومن وسائل نشر المحبة السعي في تفريج كربات المكروبين منهم، فإذا وقع مسلم في ضائقة ووجد المسلمين حوله مواسين ومؤازرين فلن يجدوا منه سوى الحب والتقدير والمودة
3 ــــ ستر عيوب بعضهم البعض وعدم السعي للفضح وكشف المستور والتجسس وإظهار الشماتة في المصائب ، فكل ذلك من موجبات الكراهية والبغضاء والمشاحنات التي لا تنتهي، وبدلا من السعي لهتك ستره، عليه أن يسعى لحل مشكلاته، وأن يغيثه تطبيقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كربِ الدنيا، نفَّسَ الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّرَ على معسرٍ يسرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة، ومن ستَرَ مسلمًا سترَه الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عَوْن العبد ما كان العبدُ في عونِ أخيه) (رواه مسلم)
4 ــــ أن يتمنى لأخيه من الخير ما يتمناه لنفسه تحقيقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه) (متفق عليه)
5 ــــ التخلي عن سوء الظن بالمسلمين ومحاولة حمل الأمور على المعاني الظاهرة والأقرب إلى حسن الظن بهم حتي لا تتحقق كراهية على اسس واهية
6 ـــ وتصنع البشاشة والحبور في لقاء الأخ المسلم مفعولا طيبا في النفوس فيخفت فيها غضب الشيطان وإيحاءاته، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) (رواه مسلم)
7 ــــ مشاركة المسلمين مناسباتهم الخاصة سواء كانت أفراحا أو أحزانا، وفي ذلك يقول الحبيب: (المؤمنُ للمؤمن كالبُنيان؛ يشدُّ بعضُه بعضًا) (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلواتُ الله عليه: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثلِ الجسدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسَّهرِ والحمى) (رواه البخاري ومسلم)، فلا يهدأ مسلم وجاره جائع بينما هو شبعان، عليه أن يسأل ويبحث ويتفقد ما دام قادرا ليغلق كافة أبواب الكراهية بين الجيران بعضهم البعض
إن وسائل نشر المحبة وانتزاع الكراهية بين المسلمين متعددة ومتنوعة، وعلى كل مسلم أن يأتي منها ما استطاع ليتطهر قلبه وتسمو روحه ويعاتد بدنه العبادة الحقة، في الأيام المبارك، فليتهيأ كل منا بما استطاع، ولا يترك وسيلة إلا اتخذها في سبيل التهيئة العظيمة، لاستقبال الشهر العظيم.
----------------------------------
[1] ينظر الصحاح للجوهري 2247
[2] المفاتيح في شرح المصابيح لابن الملك 4/79
[3] صحيح الجامع الصغير