محاولات تطوير التعليم الديني يجب أن تنطلق من رؤية فكرية إستراتيجية لمستقبل الأقلية المسلمة
تطوير التعليم الإسلامي لم يعد رفاهية وإنما مطلب حقيقي للتعايش مع المجتمعات غير المسلمة
لابد من اعتماد فقه الأقليات في الأحكام العملية التي يحتاجها التعليم الإسلامي
الأوقاف الإسلامية أحد أهم المشروعات التي تساهم في تطوير التعليم بأمريكا
استنساخ وسائل وأهداف تعليمية من مكان آخر تضييع للوقت والجهد في غير وصول للأهداف
لا ينبغي لمن يتناول ملفاً حيوياً مثل قضية التعليم الإسلامي لدى الأقليات المسلمة، من خلال التعرف على واقعها وتحدياتها، الوقوف على تقديم الصورة سواء تميزت أو شابها تقصير، وإنما لا بد من البحث عن حلول للتطوير لسد الثغرات بما يمكن من مواجهة التحديات.. في هذه السطور، نحاول الوقوف على بعض الخطوط العريضة من مقترحات وتوصيات ممن لهم اتصال بقضية التعليم الإسلامي لدى الأقليات والمتعايشين أيضاً في بيئة الغرب، علها تكون بمثابة نقطة البداية التي ينطلق منها من أراد تطوير التعليم الإسلامي لدى الأقليات الذي يعجز في أغلبه عن التوازن الحقيقي بين طموح الحفاظ على الهوية الإسلامية لأبناء المسلمين والعلوم العصرية التي تؤهل الإنسان لسوق العمل والعيش كعنصر فعال في مجتمعه.
يقول «د. عبدالله المصري»، باحث ومحاضر، ومشرف على مركز إنجريد الإسلامي في السويد: أي محاولات لتطوير التعليم الإسلامي لا بد أن تكون من خلال رؤية فكرية إستراتيجية لمستقبل الأقلية المسلمة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية المنسجمة مع واقعها، وتحقيق وجود فعال ومفيد للمجتمع، بما يضمن إيجاد مناهج محلية متفاعلة مع ثقافة المجتمع وقيمه، وضرورة ألا نغفل عن تطوير وتدريب الكوادر التعليمية وتحسين أدائها التدريسي والتربوي بما يتناسب مع واقع المجتمع ومراعاة ثقافته.
ويضيف «المصري» قائلاً: أهمية الأمر ترجع إلى وجود مئات مدارس نهاية الأسبوع في مختلف البلاد، ومن الأهمية نشر الفكر الإسلامي السمح المعتدل بين هؤلاء الأطفال والفتيان والفتيات، وأشار إلى تجربة «معهد بسملة» ومسجد إنجريد في السويد، إذ يجري العمل على تعليم إسلامي متميز في بيئة سويدية مبدعة، مع مراعاة ألا تكون هناك فجوة في الطرق والأساليب بين التعليم المدرسي العادي ومدرسة نهاية الأسبوع؛ لكي لا يؤثر على شخصية الطفل ويسبب اضطراباً له.
التطوير لم يعد رفاهية:
وحول تطوير التعليم الإسلامي والأدوات اللازمة لذلك، يقول «محسن الزمزمي»، مؤلف كتاب «مقاربة في الأسس الاجتماعية لمناهج التعليم الإسلامي في أوروبا.. التعليم الإسلامي في هولندا نموذجاً»: إن تطوير التعليم الإسلامي لم يعد رفاهية، وإنما مطلب حقيقي في جانب مهم من جوانب التعايش مع المجتمعات غير المسلمة، وذلك بما يراعي خصوصية كل بلد وما يناسبه من نماذج في التعليم الإسلامي.
واستشهد بالنموذج الهولندي (موضوع دراسته)؛ حيث إن الدستور الهولندي يضمن حرية التعليم للجميع، وهو ما فتح الباب لتأسيس مدارس يهودية أو مسيحية، وكذلك مدارس إسلامية بلغت نحو أربعين مدرسة، وكفل لها الدستور حق الحفاظ على هويتها الثقافية ضمن مناهجها دون تدخل من قبل الدولة، برغم تبعية هذه المدارس للنظام التعليمي الهولندي.
الهوية ليست مطلباً وحيداً:
وأضاف «الزمزمي» أنه في ظل نمط الحياة الغربي المختلف تماماً عنه في بلادنا العربية والإسلامية، لم تعد تطلعات الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين في الغرب تقتصر على البحث عن هويته وإن تسبب ذلك في العزلة عن مجتمعه، وإنما هذه التطلعات شملت كذلك الطموح إلى الحصول على مناخ تعليمي عصري يساعد على التعايش الإيجابي، والمساهمة الحقيقية من خلال المسارات المعروفة في مجتمعاتهم غير المسلمة كمواطنين يتمتعون بكافة حقوق المواطنة.
ويختتم «الزمزمي» كتابه بالتأكيد على ضرورة المبادرة لوضع مناهج للتعليم الإسلامي تسهم في تحقيق أهداف الوجود الإسلامي بالغرب وتطلعاته، وتشارك في توفير حاجياته الثقافية والاجتماعية، وفي انفتاحه على المجتمع وتفاعله معه، داعياً إلى اعتماد فقه الأقليات في الأحكام العملية التي يحتاجها التعليم الإسلامي؛ ذلك أن هذا النوع من الفقه أنسب للسياق الثقافي والاجتماعي المركب الذي يتجه التعليم الإسلامي إلى خدمته.
كما طالب بالاهتمام بمهارات التفكير الإبداعي؛ ذلك أن العيش في سياق اجتماعي متعدد الثقافات يحتاج إلى عقول مبتكرة قادرة على إبداع ثقافة جديدة تجمع بين جوانب القوة في تلك الثقافات وقادرة على استنباط حلول آمنة لما قد ينْجَرُّ عن جوانب الضعف فيها من تناقضات واستشكالات، مشيراً في الوقت نفسه إلى اعتماد أسلوب التعليم التعاوني، لتزويد أبناء المسلمين بالمهارات الاجتماعية اللازمة كي يتعاونوا مع بعضهم بعضاً من أجل صالح الوجود الإسلامي، وكي يتعاونوا مع غيرهم من أجل صالح المجتمع.
«الأوقاف» قد تكون حلاً:
أما بخصوص تطوير التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية، يقول «شاكر السيد»، المدير السابق لدائرة المدارس الإسلامية بالاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية (إسنا): التعليم الإسلامي على مدى العصور كان يعتمد على أوقاف إسلامية، على سبيل المثال؛ الجامعات الكبرى -مثل الأزهر والزيتونة- اعتمدت في السابق على نفقات الأوقاف التي تعين الطلاب وتنفق على المعلمين، والمدارس بأمريكا، في أغلبها إن لم تكن كلها، تعتمد على مصدرين؛ هما الرسوم الدراسية، وهي مرتفعة جداً بالنسبة لدخول معظم المسلمين، والثاني جمع التبرعات السنوية، وبالكاد هذه المصادر تكفي لدفع رواتب بسيطة للمدرسين بعكس نظرائهم في المدارس الرسمية أو مدارس الجاليات الأخرى كالمدارس الكاثوليكية المدعومة من الكنائس بمبالغ طائلة.
ولذلك فمن أهم المشروعات التي يمكن أن تساهم في تطوير التعليم الإسلامي في أمريكا أن يتعاون المسلمون في إقامة الأوقاف الإسلامية الخاصة بالتعليم، وتوضع لها شروط لدعم التعليم سواء من خلال كفالة عدد من المدرسين في كل مدرسة إسلامية أو دفع الرسوم عن الطلاب بما يخفف عن المدارس في المصروفات، ويتيح الفرص أمام مزيد من أبناء المسلمين للالتحاق بها وتطويرها بما يوازن بين المناهج الإسلامية والعصرية.
ماذا نريد؟
وفي إيطاليا، يقول «وجيه سعد»، رئيس جمعية الأئمة والمرشدين: نعيش في واقع مغاير بطبيعة خاصة وبتفاصيل وملابسات مختلفة، ومن هنا لا بد أن تنبع أي محاولة تتعلق بمناهج أو تطوير التعليم الإسلامي من فلسفة الواقع المعيش، لا أن يتم استنساخ وسائل أو حتى أهداف تعليمية موجودة في مكان آخر، فقد يكون ذلك تضييعاً للوقت والجهد في غير وصول للأهداف التي تحتاج إليها البيئة التعليمية للمسلمين في كل مكان بخصوصيته.
وأكد “سعد” أهمية تحديد الأهداف والبحث عن إجابة لسؤال: ماذا نريد من المدارس أو التعليم في أوروبا؟ ولا بد أن يتم ذلك وفق البيئة التي يعيش فيها المسلمون، وعلى هذا يتم وضع منهج تعليمي واضح يقود إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال استخدام كافة الوسائل التعليمية الحديثة والعصرية.
مضيفاً أنه إذا كان اهتمام المسلمين في الغرب انصب خلال العقود الماضية على ضرورة إظهار الصوت الإسلامي وإقامة مراكز إسلامية وتنظيم أعمال عامة وجماعية، فلا بد أن يكون جل الاهتمام من الآن بما يخص الأجيال الجديدة لأبناء المسلمين، وليس هناك ما هو أكثر أهمية من التعليم حتى نصرف جهودنا إليه، وأن نعكف على صياغة تعليم عصري يجمع بين الحفاظ على الهوية والعلوم العصرية التي تؤهل المسلم لكل فرص العمل والمشاركة في مجتمعه.