قال د. أحمد الراوي، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا سابقاً، في حوار له مع “المجتمع”: إن العمل الإسلامي المؤسسي أصبح في قلب اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يضم مؤسسات تتبع 29 دولة أوروبية، ويبقى أكثر المؤسسات انتشاراً.
وأكد أن الحفاظ على الأجيال بحيث يكونون أداة إيجابية في المجتمع، ولهم تأثير إيجابي، ويحافظون على هويتهم، ويدعون غيرهم إلى دينهم وعقيدتهم؛ الهدف الأسمى الذي نطمح ونسعى إلى تحقيقه، وشدد على أن التطرف جذوره محدودة، وله تأثير محدود على بعض الشباب، وأن هذا التأثير أغلبه مستورد من دول المشرق في الدرجة الأولى، ولكن بكل أسف يُراد له أن يتضخم، والإعلام يتحدث عنه بصفة مستمرة؛ من أجل تضخيمه.
أهلاً بك في الكويت، واسمح لنا في البداية أن تعرفنا بشخصك الكريم؟
– أهلاً بكم، فالكويت كانت وستظل في سويداء القلب؛ لأن بها إخوة وأحبة أعزاء كراماً.
اسمي د. أحمد الراوي، خريج كلية الهندسة، فأنا بالأساس أعمل مهندساً، ودراساتي كلها في مجال الهندسة، وكنت أمارس مهنة الهندسة قبل المجيء إلى بريطانيا، وبعد الهجرة لم أمارس هذه المهنة في بلاد الغرب على الإطلاق، بل تفرغت للعمل الإسلامي منذ منتصف الثمانينيات، قناعة مني أن أجيال المسلمين الناشئة والمستقبلية في أوروبا تحتاج إلى رعاية وعناية، وأن تحافظ على قيم هذا الدين القويم، والقيم الإنسانية والحضارية، وأن تساهم في بناء المجتمع الذي حلت فيه، بحيث تكون عناصر إيجابية حقيقية.
وكانت هناك ندوة لرؤساء وقيادات المؤسسات الإسلامية في أغسطس 1984م بالعاصمة الإسبانية مدريد، شارك فيها مؤسسات خيرية إسلامية من أكثر من 10 دول أوروبية، وكانت بمثابة القاعدة التي تأسس عليها العمل المؤسسي الأوروبي بعد ذلك، لأننا أصبحنا مقتنعين أننا لا نستطيع منع الطلاب الدارسين من التعامل والاحتكاك مع المجتمعات الأوروبية، خصوصاً أن هؤلاء أصبحوا على قناعة تامة بأنهم أوروبيون، وأن أوروبا بلدهم، فهي مستقبلهم، وهم جزء لا يتجزأ من البلاد التي يقطنون فيها.
من أجل هذا سعينا إلى وضع اللبنة الرئيسة للعمل الإسلامي المؤسسي في أوروبا، خاصة أن العمل الإسلامي في بلاد المسلمين له رجاله وشخوصه، وربما نتواصل معه أو نتقاطع، أو ننفتح عليه، ولكن علاقتنا به تكون علاقة تواصل وتعاون، لا تبعية وارتباط، وسيكون تركيزنا على أجيالنا الجديدة.
ونحمد الله سبحانه وتعالى أن العمل الإسلامي المؤسسي أصبح في قلب اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا، والاتحاد ليس كل شيء، فهناك منظمات على مستوى أعلى، ومؤسسات ذات خلفيات عرقية ومذهبية، ولكن الاتحاد يضم مؤسسات تتبع 29 دولة أوروبية، ويبقى أكثر المؤسسات انتشاراً، وهذا هو الهدف الذي سعينا إليه.
هل يتفاعل مسلمو أوروبا مع العمل الإسلامي؟
– أستطيع القول: نعم، كجواب سريع، ولا شك أن هناك عوائق كبيرة، منها: الخلفيات العرقية، والانحياز للعرق أو القُطر أو الطائفة وغيرها، ونشأت مؤسسات ذات خلفيات عرقية ومذهبية على هذا الأساس، لكن رغم وجود الانسجام الظاهر بينهم، توجد مشكلات كانت مركزة في الأجيال القديمة (أجيالنا)، لكننا سعينا قدر جهدنا إلى أن نوجد مؤسسات ذات انتماء وطني بريطاني فرنسي ألماني كل حسب بلده.
هل تنعكس المشكلات في البلدان الأصلية على الأجيال المسلمة الجديدة في أوروبا؟
– في ظل وسائل الإعلام المختلفة وبرامج التواصل الاجتماعي، بالقطع ما يحدث في الدول الأصلية يلقي بظلاله على الأجيال المسلمة في أوروبا.
فقبل أحداث 11 سبتمبر كان المنحنى في صعود بقوة نحو استقرار العمل الإسلامي، واستقرار المؤسسات الإسلامية، وبناء علاقات متميزة مع مؤسسات المجتمع المدني.
وعندما تم إنشاء المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث عام 1997م، كان كل أعضائه يحصلون على التأشيرات في اليوم نفسه التي يطلبونها فيه، بصرف النظر عن جنسياتهم، وهذا الأمر غير متاح اليوم.
قبل تلك الأحداث بنينا علاقات مع مؤسسات المجتمع المدني، وقمنا ببناء علاقات بالمشرق الإسلامي؛ في السعودية والإمارات وقطر والبحرين ومصر والمغرب العربي والجزائر، كلها كانت علاقات مؤسساتية إنسانية دون التدخل في الشأن السياسي، وسعينا بكل جدية من أجل تحقيق هدفنا بعيد المدى؛ وهو الحفاظ على وجودنا ووجود أجيالنا المسلمة، بعيداً عن الذوبان والانصهار في المجتمعات الأوروبية، وكان جل هدفنا الحفاظ على هويتنا الإسلامية وثقافتنا وأيديولوجيتنا.
ما أبرز المشكلات الاجتماعية بين المسلمين في أوروبا؟ وهل تستطيعون التعامل معها؟
– القول بأننا نتعامل ونسيطر على المشكلات الاجتماعية التي تواجهنا في أوروبا بشكل كامل قول لا يصح، ولكن بحمد الله تعالى أستطيع القول: إن منحنى التدين والالتزام داخل الأجيال الجديدة في ارتفاع، رغم كل العوائق التي نواجهها، حيث تم استحداث مؤسسات شبابية كبيرة، ترعى الشباب، وتستقطب الكثير من الطاقات الشبابية.
وعلى سبيل المثال؛ نحن نعيش في إحدى المدن الأوروبية، ونشأ ابني في تلك المدينة، حيث ولد عام 1981م في بريطانيا، كبر وترعرع ووصل إلى الثانوية، عايش الإشكالات التي يعيشها الشباب مثل المخدرات، والانحلال الجنسي، وبفضل الله تربى في بيت فيه تديُّن، وبه مستوى راقٍ من الحوار بين الآباء والأولاد، فقد رزقني الله ثلاثة أبناء وفتاة واحدة، وأنا لم أقم بضرب أي ولد منهم طوال حياتي، والحمد لله كبروا وتزوجوا، وأصبح لكل واحد منهم بيته الخاص.
ابني عندما تخرج في الجامعة، قام بمساعدة أصدقائه بتشكيل مؤسسة أطلقوا عليها اسم «الصوت»، وكان لديه هدف واحد؛ وهو كيفية المحافظة على الشباب من الانحلال الجنسي وتعاطي المخدرات، كانت البداية ثلاثة (ابني مع اثنين من أصدقائه)، والآن أصبح العدد 20 شخصاً، أعمارهم ما بين 18 و20 سنة، يقيمون دروساً بشكل مستمر كل يوم أحد، ويستهدفون الطلاب في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وهذا نموذج في إحدى المدن البريطانية، بالرغم من صغر المدينة التي نعيش فيها.
وهذا دليل على الانحياز نحو التدين، فعلى سبيل المثال؛ صلاة العيد تُقام ثلاث مرات رغم أن المساجد كبيرة، وذلك يرجع للكثافة العددية للمسلمين، أضف إلى ذلك ما هم عليه من تديُّن وانحياز نحو الالتزام، يحدث ذلك بالرغم من حجم التحديات والتشويه الذي يستهدف الإسلام والمسلمين.
ما دوركم كحكماء بأوروبا في مواجهة التطرف لدى الشباب المسلم، وخاصة في بريطانيا؟
– لا شك أن أحداث الشرق الأوسط ومشكلاته تلقي بظلالها علينا، خصوصاً بعد ظهور «تنظيم القاعدة»، ثم «داعش»، ولا شك أن لهذه التنظيمات أثراً كبيراً في تشويه صورة الإسلام النقية، ولكن نستطيع القول: هناك مبالغات كثيرة بشأن كثرة هؤلاء المتطرفين على الساحة الأوروبية، والبريطانية على وجه التحديد، فهناك مئات الآلاف من الشباب المسلم المعتدل؛ ففي بريطانيا وحدها يوجد نحو 3 ملايين ونصف مليون مسلم، لهم مساهمتهم في الشأن السياسي، على مدى 4 دورات انتخابية، وفي كل دورة يتزايد الأعضاء المسلمون في البرلمان، إلى أن وصل عددهم 16 عضواً مسلماً، ورئيس بلدية لندن مسلم من حزب العمال، ووزير الداخلية مسلم من حزب المحافظين، وبفضل الله بدأ المسلمون يأخذون موقعهم بالرغم من أنهم ما زالوا متأخرين نسبياً، لذا فإن التطرف جذوره محدودة، وله تأثير ضئيل جداً على بعض الشباب، وهذا التأثير أغلبه مستورد من دول المشرق بالدرجة الأولى، ولكن بكل أسف يُراد له أن يتضخم في الإعلام، ونجحوا في ذلك بشكل كبير.