إن تحقيق الانتصار على العدو يتطلب السير في جبهتين في آن واحد، الأولى: جبهتك الداخلية بأن تحقق غاية ما تستطيع من أسباب القوة الإيمانية الروحية والوحدوية ثم المادية: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ الأنفال: 60. وكما يقول الإمام الشهيد حسن البنا: «إن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوافر لها هذه المعاني جميعا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك» (رسالة المؤتمر الخامس).
والجبهة الثانية: هي أن تضعف عدوك ما استطعت إلى ذلك سبيلا وهذان المحوران يجب أن يكونا هدف الحركة الإسلامية في داخل فلسطين.
الجهاد في فلسطين مسألة مفروغ من وجوبها، ونحن إذا أخذنا الجهاد بمفهومه الواسع وهو بذل الجهد في سبيل الله، وفهمنا أن أعلاه هو الجهاد بالسيف لا يمكن أن يقوم إلا بالإعداد المسبق، فيجب أن يسير الجهاد في المسار التالي:
أولاً/ بعث الروح الإسلامية في الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وقد سارت الحركة الإسلامية شوطا جيدا في ذلك إلا أن هذا العمل يجب ألا يتوقف حتى يصبح الشعب الفلسطيني كله يسير في اتجاه الإسلام وعلى هذا يجب بذل الجهد في تعريف الناس بدينهم عبر المساجد وأماكن التجمع والصحافة والحوار والنقاش والتظاهر وإحياء المناسبات الإسلامية والأفراح الإسلامية ونشر الزي الإسلامي للنساء ونشر العادات الإسلامية في المدارس والمجتمعات ومحاربة الرذيلة بشتى أنواعها وتبني كل وسيلة من الممكن أن تقرب الناس من دينهم.
ثانياً/ تكوين الفرد المسلم تكوينا جيدا عبر التربية المستمرة والسليمة بحيث يقوى عقيديا وأخلاقيا وجسديا، وتربيته تربية جماعية إسلامية.
والتكوين الفردي للشخص يتطلب التدريب على:
1- تقوى الله ومحاسبة النفس وضبط الشهوة.
2- حماسة القلب.
3- الصبر والثبات.
4- التضحية بالنفس والمال.
5- الطاعة والتنظيم.
6- الحذر واليقظة.
7- التخلص من الأفكار السلبية المعطلة.
والتكوين الجماعي للشخصية الجهادية يتطلب التربية على:
1- الوحدة.
2- توثيق الرابطة.
3- إخلاص الولاء لله ولرسوله.
4- الاستقلال والتميز.
5- إعلاء القيم الجهادية.
6- التنظيم.
7- الإعداد المادي.
إن التربية الجهادية هي التربية التي تجعل الإنسان كائنا ما كان اختصاصه وعمله مجاهدا في سبيل الله مسخرا اختصاصه للجهاد في سبيل الله فهو عالم ومجاهد، وهو طبيب ومجاهد، وهو كاتب ومجاهد، وهو مهندس ومجاهد، وهو معلم ومجاهد وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعا.
إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الاهتمام بأمرين أساسيين:
أولا: الاهتمام بالنفس بربطها بالله والشوق إلى لقائه والموت في سبيله وبالتالي صونها عن كل ما يركن بها إلى الأرض وشهواتها ولو كان حلالا طيبا وبذلك تكون نفسا مجاهدة.
ثانيا: الاهتمام بالجسد فيكون معافى قويا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم وخاصة في عصر تعددت فيه هذه الخبرات والعلوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”.
ثالثاً/ ممارسة العمل المسلح.
أهميته: إن أهمية ممارسة العمل المسلح تكمن في:
1- أنها قيام بفريضة الله عزوجل “الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطله عدل عادل ولا جور جائر” إن كل المسلمين اليوم آثمون في قعودهم عن الجهاد في فلسطين إلا من هو سائر في هذا الطريق “من مات ولم يغز ولم تحدثه به نفسه مات على شعبة من النفاق”. رواه مسلم وأبو داود.
2- إبقاء القضية الفلسطينية حية في قلوب المسلمين فإن أهم أهداف اليهود الآن هي فرض تقبل الأمر الواقع على المسلمين وقد قبلت بذلك الدول العربية والكثير من أبناء الشعب المسلم نتيجة للتجهيل واليأس.
3- إن الجهاد المسلح في فلسطين يبقي الأمل في نفوس المسلمين بإمكانية التحرير ويوحي بأن المسلمين لن يستكينوا مهما قوي عدوهم ومهما ساندته كل قوى الشر والباطل إنه دليل على أن هناك حياة في هذا الجسد الممدد. إن وجود فئة مجاهدة في فلسطين على الرغم من كل وسائل القمع الصهيوني هو دليل على أن الأمة لن تستكين لهذا الدوان وهذا الظلم طويلا وكثيرا ما يبدأ السيل القوي بقطرات المطر.
4- أنه من لوازم التربية الإسلامية والتكوين الإسلامي فبدون ممارسة القتال تظل هذه التربية نظرية إن انتماء الإنسان إلى جماعة تمارس الجهاد المسلح حقيقة وليس إعلاما يجعله دائما متحفزا مستعدا للقاء الموت ويعرف أن دوره آت ليقدم روحه في سبيل الله وهي بذلك تخدم في تنقية الصف من الوصوليين والانتهازيين والضعفاء.
5- إن وجود فئة إسلامية متميزة بإسلامها تمارس الجهاد بصدق ومثابرة سيكون له أبلغ الأثر في إيقاظ روح الإسلام في أبناء الأمة سواء على مستوى الأرض المحتلة أو في أنحاء العالم الإسلامي فهذا نور الدين زنكي حين بدأ بأعماله الجهادية في الشام ضد الصليبيين رأينا أهل بغداد يقفون بباب الخليفة يطالبونه بتجنيد الجيوش لدعم نور الدين وهتفوا به صائحين “وإسلاماه ودين محمداه”.
6- إن للحركة الإسلامية في الأرض المحتلة دور مهم في عملية التحرير الكبرى حين قدوم الجيش الإسلامي بعد تكوين الدولة الإسلامية وهذا الدور هو في ضرب القوات الصهيونية من الخلف وما لم تكن الخبرة القتالية الكافية والممارسة الجهادية العملية متوفرة عبر سنين طويلة سيكون من الصعب مساندة هذا الجيش. وحين تُذكر هذه الأهمية نذكر أن تركيا صمدت في وجه محاولات الإنجليز احتلال الشام طويلا ولكن حين قام فيصل بن الحسين وأثار السكان في الشام وقام بجيشه بحرب العصابات في مؤخرة الجيش التركي، إنهار الجيش التركي. وكذلك كان من أهم أسباب سقوط ألمانيا في الحرب العالمية الثانية الثورات المسلحة وحرب العصابات التي كان يقوم بها سكان المناطق المحتلة.
وعند قراءة هذه الفقرة قد يستغرب البعض هذا الطرح ويعتبرون أن هذا مبكر جدا فإن الجيش الإسلامي لا يلوح في الأفق. أقول: إن الأرض الإسلامية تموج بالحركة وميلاد الجيش الإسلامي لن يكون بعيدا بإذن الله “ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا”.
7- إن دول المنطقة الهزيلة متهالكة على عقد أي صفقة مع “إسرائيل” من أجل الحفاظ على ذاتها وهي في سبيل عقد هذه الصفقة لا تتورع عن بيع فلسطين بمصالح إقليمية من أجل الحفاظ على الحكم كما فعل السادات في كامب ديفيد وكما ينوي أن يفعل غيره ووجود حركة إسلامية مسلحة في الأرض المحتلة سوف يحبط هذه المخططات ويكشف القناع عن الذين يطرحونها ويعريهم أمام شعوبهم.
8- إن “إسرائيل” منذ بداية الفكرة الصهيونية وحتى قيام دولتها وبعد قيام الدولة قائمة أساسا على فكرة الهجرة اليهودية إلى فلسطين وكلما كانت دولة “اسرائيل” قوية ومستقرة تزداد نسبة هذه الهجرة وتزداد نسبة توظيف الأموال العالمية فيها وبالذات الأموال اليهودية ولذلك يجب على الحركة الإسلامية ألا تشعر اليهود باستقرار لأن ذلك سيؤدي إلى تقليل معدلات الهجرة هذا إن لم يؤدي إلى الهجرة المعاكسة.
9- التدمير الاقتصادي للكيان الصهيوني على الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة أن تقوم بتدمير البنية الاقتصادية للكيان وهي التي تمد آلة الحرب الصهيونية بالمال والطاقة اللازمة ورغم كل ما يقال عن الدعم الأمريكي والغربي لليهود فإن لديهم قاعدة اقتصادية قوية وهم يحلمون بالاكتفاء الذاتي والذي يجعلهم في حاجة للغرب هو كثرة النفقات العسكرية. فعن طريق التدمير المؤثر للمؤسسات الصناعية والمحاصيل الزراعية نستطيع أن نصيب الدولة اليهودية في مقتل فمال اليهودي أهم عليه من روحه، وصدق الشاعر:
عبيد المال ما عبدوا سواه له تسبيحهم وله الركوع
إذا رنت دراهم من بعيد أصابهم لرنتها خشوع
10 – وهناك نوع من الجهاد يسمى بالجهاد السلبي وهو داخل الأرض المحتلة لا يقل أهمية عن الجهاد المسلح. ونعني بالجهاد السلبي مقاطعة العمل الصهيوني والبضائع الصهيونية ورفض دفع الضرائب للدولة اليهودية.
11- ككل بلد محتل في الدنيا تعمل السلطات المحتلة على تجنيد عملاء لها في كل قطاع من قطاعات الشعب المستعمر وقد قام اليهود في هذا المجال بما لم يقم به غيرهم فهم ملوك هذا العمل في العالم وبدأت المخابرات الصهيونية في تجنيد العملاء في كل المستويات للقيام بأدوار لا تقل خطورة عن أدوار الجيش “الإسرائيلي” إن لم تزد عليه ولنضرب مثلا: لا تتوانى التصريحات من زعماء الكيان الصهيوني عن ترداد أنّ خير وسيلة للقضاء على الإرهاب “بزعمهم” هي الاستخبارات الجيدة بمعنى زرع العملاء في وسط الشعب الفلسطيني واختراق العمل المسلح الفلسطيني.
________________________
المصدر: كتاب «معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين».