تنزل القرآن الكريم على نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الذي كُرم بين الشهور وخُص بالتنزيل، كما كُرمت الأمة بالقرآن هادياً ومنهاجاً وسبيلاً لإصلاح الدنيا وكسب الآخرة.
ولقد قام القرآن الكريم بتشكيل مفاهيم الشخصية العربية وصاغها بصورة لم يعرفها الزمان قبلاً، فصنع من الأطفال أبطالاً، ومن الشباب رجالاً، ومن النساء طاقات إيجابية متحركة تذود عن دينها ونبيها.
وللقرآن آثار إيجابية ضخمة على أهله ربما لا يمكن حصرها إلا من خلال دراسات موسعة على الأفراد والجماعات، وذلك من خلال استقراء التاريخ ومشاهدة واقعه ومدارسة أحداثه كما ظهر في فجر الرسالة، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (رواه البخاري ومسلم).
وفي محاولة لرصد أهم الآثار الإيجابية لحفظ القرآن الكريم، سوف نرصد 3 من تلك الآثار على الشباب والطلاب، عسى أن تنتبه الأمة عامة والأسرة المسلمة خاصة في أهمية تربية جيل قرآني لاستعادة أمجاد الأمة:
أولاً: سرعة التحصيل والتفوق الدراسي:
قد يظن البعض أن الانشغال بحفظ القرآن الكريم منذ الصغر أو في سن الشباب قد يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي للطلاب، ويؤخرهم عن حصد درجات علمية يحرص الآباء على أن يبلغوها حرصاً على مستقبلهم العملي.
وقد أجريت العديد من الدراسات العلمية على عينات واقعية ممن ينتمون لحلقات القرآن، فكانت النتائج مبهرة؛ حيث إن الطالب المواظب على حلقات القرآن يتفوق بنسبة كبيرة على الآخر الذي يتفرغ لدراسته فقط.
ومن هذه الدراسات دراسة بعنوان «أثر حفظ القرآن على التحصيل العلمي للطلاب»(1)، وفي نتائج البحث الذي تمحورت أهدافه حول بيان أثر حفظ القرآن الكريم على الطلاب، وبيان أسباب التفاوت في تأثير الحفظ عليهم، توصل الباحثون بعد إجراء التحليل الإحصائي لمعدلات الطلبة ومقارنتها مع معدلات الحفظ، تبين أن أثر حفظ القرآن كان متفاوتاً حيث كانت النتائج:
– أن نسبة 60% من عينة الدراسة قد أثر حفظ القرآن الكريم إيجابياً في تحصيلهم الدراسي.
– أن نسبة 35% من عينة الدراسة لم يؤثر حفظ القرآن الكريم في تحصيلهم الدراسي.
– أن نسبة 5% من عينة الدراسة كان أثر الحفظ عليهم على غير المتوقع من تعزيز التحصيل الدراسي.
أيضاً هناك دراسة أخرى للمغامسي (عام 1425هـ) بشأن أثر حفظ القرآن الكريم على التحصيل الدراسي بالمرحلة الجامعية، وتكونت العينة من 40 طالباً يدرسون في كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، نصفهم يحفظون القرآن الكريم كاملاً، والنصف الآخر غير حافظين، وأهم النتائج أن متوسط درجات الطلاب الحافظين أعلى من متوسط درجات الطلاب غير الحافظين.
ثانياً: الصحة النفسية للشباب:
ونعرض هنا لدراسة عن أثر حفظ القرآن على الصحة النفسية للشباب(2) للدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع(3)، وكان ملخص الدراسة: «القرآن الكريم هو كلام الله المنزل لهداية البشرية وفلاحها في الدارين، من أخذ به بقوة حصلت له السعادة الدنيوية والراحة النفسية والقرب من الله ولذة مناجاته في كل حين، والفوز بالجنة يوم المعاد».
فيقول الباحث، مبيناً الفارق بين الحافظ لكتاب الله وغير الحافظ: إن الذي يحفظ في صدره كماً أكبر من آيات القرآن يترقى في مستوى صحته النفسية، والشواهد على ذلك كثيرة مما يتكرر في حياة الناس اليومية ويشعر به كل من عرف حُفَّاظ كتاب الله وقارنهم بغيرهم ممن حرموا السعي لحفظ كتاب الله وانشغلوا عنه بحطام الدنيا، فيلحظ الفرق بينهم في مظاهر الصحة النفسية وعلامات السعادة والطمأنينة القلبية.
يقول د. أبو العزايم(4)، إذا أمعنا النظر في الآيات القرآنية التالية، فإننا نرى أنها تعلن أن المؤمنين الحقيقيين قد وصلوا إلى درجة من النضج تتسم فيها شخصياتهم بالحزم والعطف، كما أنها تتحدث عن عالمية الإيمان بين الذين يتبعون مبادئ الأنبياء لا سيما محمداً، وعيسى، وموسى، عليهم السلام، وتقول الآية: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29)، ويقول القرآن أيضاً: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ) (الفتح: 29).
إن الإيمان مسؤول أيضاً عن خلق وتقوية الكثير من أخلاقنا كالصبر والشجاعة والحب والقدرة على التحمل والكرم والعطف والتضحية وغيرها، وتكون هذه الأخلاقيات العناصر الروحية التي تقوي المظاهر الجسدية والنفسية والاجتماعية للإيمان، وهكذا يتحقق مستوى عال من الصحة بهذه المكونات النفسية التي هي من صفات المؤمن الحق.
وأما عن نتيجة الدراسة، فكانت كالتالي: وجود علاقة ارتباطية موجبة دالة إحصائياً بين ارتفاع مقدار الحفظ وارتفاع مستوى الصحة النفسية لدى عينتي الدراسة، كما أن طلاب وطالبات المعهد (الذين يفوقون نظراءهم في مقدار الحفظ) كانوا أعلى منهم في مستوى الصحة النفسية بفروق دالة إحصائياً، ولم توجد فروق في مستوى الصحة النفسية لدى عينات الدراسة يمكن أن تعزى لمتغيرات الجنس أو الجنسية أو العمر أو المستوى الدراسي.
ثالثاً: حماية الشباب من الانخراط في الفكر التغريبي:
يمثل القرآن الكريم حاجزاً وقائياً للنفوس من السقوط الفكري في عصر اختلطت فيه المفاهيم وضاعت فيه الرؤى، فهو نور وهداية وشفاء لما في الصدور، كما وصفه الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57)، ويثبت الأثر القرآني في الحفاظ علي هوية الشباب ومواجهة حملات التغريب والغزو الفكري(5) دراسة أجريت على عينة من شباب المدينة المنورة بعنوان «أثر القرآن في تحصين الشباب من الغزو الفكري».
وتخلص الدراسة للنتائج التالية: اشتمل القرآن الكريم على أسس عامة وقواعد مهمة تحصن الشباب الجامعي ضد الغزو الفكري، منها ما يقرر العقائد الأساسية من الإيمان بالله تعالى والرسل والكتب، واليوم الآخر، وإيراد ذلك على نحو يستطاع فهمه للكافة ولا به تعقيد ولا أسرار، مما يجعل الإيمان في غاية السهولة، ويسد الطريق أمام العقائد المعقدة والمخالفة للفطرة من التسرب إلى قلوب وعقول الشباب.
والحديث عن آثار القرآن على الشاب خاصة والأمة عامة لا تنقضي عجائبه ولا يستوعبها مقال، ولذلك فقد استخلصنا أهم 3 نقاط للفت الانتباه لأهمية العودة لمكاتب التحفيظ وحلقاته بالمساجد وروضات الأطفال؛ للعودة بالأمة لمسيرتها الأولى، حفظ الله شبابها وأيقظها من غفوتها التي طالت.
_____________________
(1) تلك الدراسة من إعداد:
– د. محسن سميح الخالدي، أستاذ مشارك في كلية الشريعة جامعة النجاح الوطنية.
– د. أحمد عوض، أستاذ مشارك في كلية التربية جامعة النجاح الوطنية.
– د. عامر جود الله، أستاذ مساعد في كلية الشريعة جامعة النجاح الوطنية.
(2) دراسة ميدانية على حفاظ القرآن الكريم بمعهد الإمام الشاطبي مقارنة مع عينة من طلاب وطالبات جامعة الملك عبدالعزيز بمدينة جدة 1429هـ.
(3) أستاذ علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
(4) أستاذ الطب النفسي.
(5) الناشر جامعة المنيا بجمهورية مصر العربية في مجلة الدراسات العربية عام 2012م.