في ظل تنوع جغرافي وبيئي واسع، وثروات طبيعية بلا منافس في العالم، ينادي خبراء بإحياء مساعي التكامل الإسلامي، مؤكدين أن دول العالم الإسلامي قادرة على التكامل الاقتصادي متى بدأت الوحدة.
في البداية، يؤكد خبير الاقتصاد الدولي، وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية المصرية الأسبق، د. عبدالنبي عبدالمطلب، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الدول الإسلامية تمتلك الكثير من الثروات الطبيعية نظراً لاتساع رقعة العالم الإسلامي، وتمدد المجتمعات الإسلامية في أنحاء القارات الأربع (آسيا، أوروبا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية)، بما يكسب الدول تنوعاً كبيراً في الموارد والثروات الاقتصادية، يستند لامتلاك ثروات مثل النفط والغاز والغابات والثروات الحيوانية والقوى البشرية والآثار، وغيرها.
ويضيف د. عبدالمطلب أن العالم الإسلامي يمتلك إمكانيات عديدة للتكامل الاقتصادي تؤدي إلى تنمية اقتصادية كبيرة، ولكن لدينا مبادرات كثيرة لم يكتب لها النجاح؛ مثل استغلال الأراضي الكبيرة في السودان التي تصل إلى 20 مليون هكتار كي تكون سلة غذاء العالم العربي، ولكن لم يتم التنفيذ.
عبدالمطلب: الدول الكبرى تعرقل تكامل أوطاننا ولدينا الإمكانيات والموارد
ويرجع خبير الاقتصاد الدولي الفشل في ذلك إلى عدم توظيف رأس المال الإسلامي في مشروعات اقتصادية مناسبة خاصة رأس المال الخليجي، وعزوفه عن الاستثمار في الدول الإسلامية ذات الموارد بسبب وقوع بعضها في مناطق عدم استقرار مثل السودان ونيجيريا، أو عدم وجود إمكانات لديها.
ويشير د. عبدالمطلب إلى أن الاستعمار الأجنبي وضع مشكلات بين الدول الإسلامية، من أجل استمرار سيطرته عليها ومنع تكاملها، ومنها استغلاله الخلافات القائمة على المذهبية، موضحاً أن هناك رغبات من الدول الكبرى والشركات الدولية ومتعدية الجنسيات في استمرار الخلافات الإسلامية – الإسلامية حتى تتمكن من السيطرة على مقدرات الدول الإسلامية من خلال الفوائض المالية الموجودة في الدول الخليجية وفوائض الموارد الموجودة في باقي الدول الإسلامية.
ويؤكد أهمية استغلال القدرات والإمكانيات والكفاءات سواء المصرية أو التونسية أو الفلسطينية أو الإندونيسية أو الماليزية في أي مساع للتكامل، بالشراكة مع رأس المال الخليجي، مع العمل على تسهيل التواصل والاتصال بين جميع الدول الإسلامية بعد التغلب على عامل اللغة الذي قد يدفع بعض الدول التي تتحدث اللغات الأجنبية إلى تفضيل الشراكات الأجنبية على العربية والإسلامية نظراً لتقارب اللغة، والثقافة المتأثرة بالاستعمار.
الوحدة الاقتصادية هي الحل
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي الأكاديمي د. إبراهيم الطاهر، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الوحدة الاقتصادية هي بوابة الحل لتفعيل فرص التكامل الإسلامي المجمدة في أدراج المؤسسات الإسلامية الاقتصادية المشلولة بفعل سياسات الدول المتباينة، والاتفاقيات التي باتت كالحبر على الورق، رغم امتلاك العالم الإسلامي وفرة في الموارد الطبيعية والغذائية والبشرية، والثروات، والسيولة المالية الكافية.
ويضيف د. الطاهر أنه في ظل وفرة المال الخليجي، يمكن أن نستوعب أحلام المستثمرين الخليجيين في مشروعات تنموية وبيئة تناسب الجغرافيا والمرحلة وآمال التكامل الإسلامي، وتحفيز بعض أنظمة العالم الإسلامي، التي تخشى الوحدة وتعمل على استمرار منظمة مثل التعاون الإسلامي في إطار تعاوني لا يرقى للتكامل والوحدة على غرار الاتحاد الأوروبي.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن هناك قراراً بإنشاء السوق الإسلامية المشتركة منذ عام 1988م، ولكن لا يوجد تفعيل حقيقي يرتقي للأزمات الاقتصادية في بعض الدول العربية والإسلامية، بينما بعض الدول الإسلامية تستثمر بثقلها في أسواق أوروبية وأمريكية، غير مبالية بأزمات المسلمين والعرب الاقتصادية.
الخروج من التخلف
وبحسب دراسة معمقة أصدرها مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، تحت عنوان «الوحدة الاقتصادية بين الأمة الإسلامية»، فإن التكامل الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي أحد أهم الأساليب للخروج من ربقة التخلف الذي تحيا فيه بناء على واقعها الاقتصادي الذي تعد فيه من الدول النامية أو المتخلفة رغم إمكاناتها الكبيرة بسبب حالة التبعية المهينة لاقتصاديات الدول الكبرى.
الطاهر: أزماتنا في مؤسسات اقتصادية مشلولة واتفاقيات كالحبر على الورق!
وتشير الدراسة التي أعدها الاقتصادي الإسلامي الراحل محمد عبدالحليم عمر، أن العالم الإسلامي تتوفر لديه الأسس اللازمة لقيام التكامل الاقتصادي لـ5 أسباب، في مقدمتها: وحدة الأمة الإسلامية المقررة شرعاً، حيث يعتبر التكامل الاقتصادي فيما بين دولها جزءاً من وحدتها انطلاقاً من أن الإسلام ليس عقيدة فقط، وإنما هو نظام متكامل يمثل الاقتصاد أهم عناصره.
ويعتبر التجانس الثقافي والاجتماعي المتوافر لدى جميع دول العالم الإسلامي أهم محفزات التكامل الاقتصادي المنشود، حيث يجعل التفاهم بين سكان العالم الإسلامي أقرب وأسرع وأوثق، بجانب ميزة الجوار بين العالم الإسلامي، حيث تمتد أغلب دوله في سلسلة جغرافية متصلة من جنوب شرق آسيا وحتى بلاد المغرب العربي على المحيط مما يسهل عملية الاتصال والانتقال.
ووفق الدراسة، فإن التنوع البيئي والمناخي في دول العالم الإسلامي يساهم بشكل كبير في إحداث وحدة مناخية وبيئية، تعزز التكامل والوحدة الاقتصادية، خاصة في ظل التنوع بالموارد والقدرات وبالتالي في المنتجات.
وأكدت الدراسة أن التكامل سهل في ظل وجود إمكانات كبيرة لدى دول العالم الإسلامي مجتمعة، بينما الجزء الأكبر منها غير مستغل مثل الأراضي والموارد البشرية، كما أن جزءاً منها يصدر إلى دول أخرى مثل رؤوس الأموال ويعاد تدفقه إلى العالم الإسلامي بشروط غير مواتية، هذا فضلاً على عدم استغلال بعض الإمكانات في إكمال العمليات الاقتصادية، حيث تتسم صادرات الدول الإسلامية بأنها موارد أولية ويعاد استيرادها سلعاً مصنَّعة.
واقترحت الدراسة 5 مراحل متتابعة لتحقيق التكامل الاقتصادي، تقوم على إنشاء منطقة التجارة الحرة في البداية؛ بما يعني إلغاء الجمارك على السلع والخدمات التي تنتقل بين الدول المشتركة في اتفاقية المنطقة الحرة، مع احتفاظ كل دولة بتعرفتها الجمركية إزاء الدول غير الأعضاء في الاتفاقية، ثم تدشين الاتحاد الجمركي، ويكون بالاتفاق على حرية تبادل السلع بين دول الاتحاد الجمركي ودون قيود جمركية مثل المرحلة السابقة، ويضاف عليها تطبيق الدول الأعضاء تعريفة جمركية موحدة في معاملاتها مع دول العالم الأخرى.
ويأتي عقب ذلك، بحسب الدراسة، انطلاق السوق المشتركة، ويكون زيادة على ما سبق، الاتفاق على حرية انتقال الموارد أو عناصر الإنتاج؛ وهي العمل ورأس المال بين دول السوق المشتركة، ثم تدشين الاتحاد الاقتصادي، ويكون بالإضافة إلى ما تحقق في السوق المشتركة، العمل على تنسيق السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وما يرتبط بها من إجراءات، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية، التي تكون بالإضافة إلى ما تحقق في المراحل السابقة بتوحيد السياسات النقدية والمالية والاقتصادية والعملة والعمل وإنشاء مؤسسات تكاملية (مثل البنك المركزي الموحد لدول التكامل) ووجود سلطة عليا للوحدة وجهاز إداري لتنفيذ السياسات الاقتصادية التكاملية.