الصين دولة متعددة القوميات، يعيش على أرضها 56 قومية، أكبرها قومية هان، وهم الصينيون الأصليون ويمثلون النسبة الغالبة من الشعب الصيني، أما القوميات الـ55 الباقية فهي تشكل أقليات عرقية تنتشر في تجمعات خاصة بها في مناطق الصين المختلفة.
من بين الـ55 أقلية عرقية هناك 10 قوميات تدين بالإسلام هي: هوي، الأويغور، القازاق، القرغيز، التاجيك، التتار، الأوزبك، دونغشيانغ، سالار، باوآن، ويبلغ تعدادها جميعاً حسب الإحصاءات الرسمية حوالي 30 مليون نسمة، وإن كان الواقع يقول أن تعدادها يفوق هذا الرقم بكثير.
قوميات مسلمة ونظامان
هذه القوميات المسلمة العشر تنقسم عرقياً إلى مجموعتين، الأولى تتكون من 4 قوميات، هي: هوي، دونغشيانغ، سالار، باوآن، وهؤلاء أصولهم عربية وفارسية، وصل أجدادهم في الماضي إلى الصين بغرض التجارة وأمور أخرى، وعاشوا واستقروا وتزاوجوا مع الصينيين، لذا فهم صينيون تماماً في الشكل واللغة والعادات والتقاليد، إلا ما نهى الإسلام عنه من المحرمات، وحتى في أسمائهم، ولا تكاد تميزهم عن غير المسلمين من الصينيين إلا من خلال أماكن تجمعاتهم أو عندما يرتدون الزي الإسلامي، ويتركزون في مقاطعات نينغشيا وقانسو وتشينغهاي شمال غرب الصين ويمارسون حياتهم وشعائرهم الدينية بشكل طبيعي.
أما القسم الثاني فيتكون من 6 قوميات أصولها تركية وتتارية وهم يعيشون في تركستان الشرقية سابقاً، شنجيانج حالياً، ذاتية الحكم لقومية الأويغور، هو نظام حكم ذاتي أسسته الصين الشيوعية، حيث يكون حاكم المنطقة من الأقلية العرقية ذات الأغلبية، لكنه في الحقيقة يتبع الحكومة المركزية وينفذ سياستها، وهي: الأويغور، القازق، القرغيز، الأوزبك، الطاجيك، والتتار، وهم يختلفون في أشكالهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم عن الصينيين، وبحكم الاختلاف العرقي خاصة مع قومية الأويغور التي تشكل غالبية السكان في المنطقة، تشهد منطقة شينجيانغ إجراءات أمنية مشددة وتضييقات في كثير من الأمور الدينية وغيرها.
وهذا يفسر لنا اللبس الذي يقع فيه من يتناول ملف المسلمين في الصين، حيث يتبنى البعض نظرية تضييق الصين على المسلمين واضطهادهم، في حين ينفي البعض الآخر هذا الأمر ويستشهد بما رآه من حرية في ممارسة العبادات خلال زيارة قصيرة أو طويلة له داخل الصين، فلا هذا يكذب ولا الآخر يكذب، فالواقع يقول: إن هناك قسماً يمارس حياته وعباداته بشكل طبيعي ومساجده مفتوحة للآلاف من المصلين، ضمن ضوابط يحددها القانون، وهناك قسم آخر يتعرض لتضييق ومراقبة على طول الخط، فلا حرية مطلقة ولا تضييق مطلقاً، لذا وجب التأني كثيراً ودراسة واقع وطبيعة المسلمين في الصين قبل إصدار الأحكام.
قومية هوي المسلمة
قومية هوي ليست في الواقع قومية صينية خالصة بالمعنى الدقيق لكلمة قومية، فهي مزيج من أصول أجنبية وصينية، في جذورها عروق من أجناس مختلفة من أواسط آسيا، وبلاد العرب والفرس، جاءت إلى الصين في فترات مبكرة، ثم توالت دفعات كبيرة من هؤلاء أوسط القرن الثالث عشر الميلادي بعد فتوحات جنكيز خان عام 1227م إلى أيام سقوط بغداد في عام 1256م على يد هولاكو، وكان من بين القادمين جنود، وصناع، وتجار، وفلاحون، وقد لقي هؤلاء القادمون رعاية من حكومة يوان التي حكمت الصين من عام 1271 – 1368م، وكان يجري تسجيل هؤلاء الوافدين من تجار، وأسرى حرب وغيرهم تحت اسم «هوي-هوي» تمييزاً لهم عن المغول وهان والأويغور وغيرها من القوميات التي كانت تستوطن آنذاك، ثم تم اختصار الاسم ليصبح «هوي».
وقد تطورت قومية هوي في الصين، ووصل بعض أبنائها إلى المناصب العليا في عهد أسرة يوان، وتم بناء العديد من المساجد لممارسة العبادة، ونشر الدين الإسلامي، وقد صار الإسلام معتقداً دينياً شاملاً لقومية هوي كلها فقد كان في بداية الأمر مقتصراً على التجار والوافدين إلى الصين، ولكن بعد أن اختلط هؤلاء الوافدون مع السكان الأصليين وتزوج بعضهم من صينيات زاد عدد معتنقي الدين الإسلامي، وبدأ يظهر أثر الإسلام على أبناء هذه القومية وعلى الصين كلها.
شخصيات قومية هوي البارزة في تاريخ الصين
لقد أثر الإسلام في أبناء قومية هوي فظهرت منهم شخصيات بارزة كان سر تفوقها التزامها بدينها وإخلاصها ووفائها لرؤسائها.
فقد شارك أبناء قومية هوي في إنجاز مشروعات كثيرة في الصين، ومن أشهر أبناء قومية هوي شمس الدين عمر الذي قام بإنجازات باهرة في الصين، وخاصة في ولاية يونان، وكذلك الفلكي جمال الدين الذي قدم إسهامات كبيرة في تطور علم الفلك الصيني، وأيضاً المعماري اختيار الدين الذي وضع تصميما لمدينة دادو عاصمة أسرة يوان وأشرف على بنائها، وأيضاً البحار الكبير تشنغ خه الذي قام برحلات بحرية إلى المحيط الهندي والهادي، وزار أكثر من 30 بلداً في آسيا وأفريقيا وكانت رحلاته إنجازاً مسبوقاً في عصره.
ومن أبناء قومية هوي أيضاً الأديب لي تشي (1527-1602م)، والعالم الكبير وانغ داي يوي (1580 – 1657م)، أول من شرح الإسلام باللغة الصينية وغيرهم من العلماء الذين كان لهم أثر كبير في تاريخ الصين.
ولأن قومية هوي أكبر القوميات المسلمة في الصين وأكثرها توسعاً وانتشاراً؛ فأبناؤها ينتشرون في كل مناطق الصين، لكنهم يتركزون في أحياء خاصة بهم، وعلاقاتهم بالصينيين من غير المسلمين جيدة للغاية، وكذلك علاقتهم بالسلطة الحاكمة على مر التاريخ؛ لذا فهم يحظون بثقة الحكومة المركزية واحترامها، ويتولى الكثير منهم مناصب كبيرة، فمنهم الوزراء والقادة السياسيون والعسكريون والعلماء وأساتذة الجامعات.. إلخ.