كاتب المدونة: مسعود حامد
ببركة صمودها منحت فلسطين مؤتمر منتدى كوالالمبور (منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة) في دورته السابعة نقلته النوعية من حيث الحضور والتوقيت والاتجاهات، ولطالما سعى المنتدى عبر مؤتمرات ستة سالفة (2014 – 2022) إلى النهوض والاستئناف الحضاري.
جاء المؤتمر السابع تتويجاً لتلك الجهود بإيجاد الرافعة التي كانت بعنوان «فلسطين رافعة النهوض الحضاري».
في المؤتمر السابع، المقام بإسطنبول، الذي نُظم بالتعاون مع جمعية البركة الجزائرية، وجامعة صباح الدين زعيم، وجمعية حركة الإنسان والحضارة التركيتين، وجاء موضوعه جامعاً فلسطين وتوقيته ملهماً، كما أكد ذلك في كلمته الافتتاحية المسجلة مهاتير محمد، رئيس المنتدى؛ إذ قال: إنه اليوم الذي قرر الفلسطينيون توجيه رسالة واضحة للعالم بأنهم مصممون على تحرير أرضهم ورفضهم لتوسيع المستوطنات والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، بدعم من الولايات المتحدة والغرب، وسط تجاهل حقوق الإنسان والقانون الدولي.
لم يكن المؤتمر تنظيرياً محضاً، فقد جمع بين أهل الفكرة وأهل الحركة، من بينهم القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان الذي قال: إن صعود حركات المقاومة في الأمة أثبت أن النظام العالمي الفاسد غير قادر على إخضاع الشعوب، وأن «طوفان الأقصى»، بعد مرور عام على بدايتها، أتاحت للأمة فرصة جادة للنهضة من جديد، وكشفت الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه.
المحاور والجلسات
تمحورت جلسات المؤتمر الممتدة 3 أيام (6 – 8 أكتوبر) حول ثلاثة محاور.
أولاً: فلسطين البوصلة والانطلاق؛ وجاءت جلساتها والمناقشات حول الأبعاد التاريخية والدينية باعتبار فلسطين منبع النبوات ومعبر الحضارات بما يؤهلها لتكون القضية المركزية الأولى للأمة، ومن ثم الرافعة العظمى لاستنهاضها.
وفي المحور الثاني، كانت تدور جلسات المؤتمر حول تفكيك الصهيونية والصراع العقدي والمعرفي والحضاري، ومحاولة كشف عوار المشروع الغربي المساند للصهيونية، وإبراز عوامل انهيار الصهيونية الكامنة فيه، واستشراف ملامح نظام عالمي جديد، وهي ورقة تقدم بها وضاح خنفر، رئيس منتدى الشرق، الذي أكد أن النظام الدولي الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية، صار اليوم أضعف من أي وقت مضى، وعندما يتراجع تتراجع معه مكانة «إسرائيل» الإستراتيجية والجيوسياسية، مشيراً إلى أن الصين القادمة ليس لها رؤية كوكبية، وإنها فرصتنا نحن المسلمين لنتقدم بقيمنا للإنسانية، ولم ينس المحور الثناء والإشادة بالرأي العام العالمي الذي يتشكل بسردية أخرى منصفة لنا.
أما المحور الثالث، فارتبط بمواقف الدول الإسلامية والعربية من الصراع وكان أشبه بالمراثي، نظراً لما لاقته القضية من خذلان أمام الإبادات الإنسانية الشاملة، وشن د. سامي العريان، الأستاذ بجامعة صباح زعيم، هجوماً كاسحاً على الدول العربية التي لا تتحكم في ثرواتها، كما أن النظام الاقتصادي يغرق الدول العربية الفقيرة.
وركز المحور على دول الطوق والجوار والدور الإيراني والتركي.
في حين كان المحور الرابع عن دور الحركات والدعاة في التوعية والتربية والاستنهاض.
خلاصات
وفي حديث خاص، قال د. مصطفى عطية، حول خلاصات بحثه: واقع المنظومة التربوية في العالم العربي والإسلامي لا يزال متأثراً وبشكل واضح بالنزعة الاستعمارية، التي ترسّخ الفكر الغربي بشكل لاإرادي في عقول الناشئة، على اختلاف مراحلهم الدراسية، وتقدم صورة مشوهة عن الحضارة الإسلامية.
ثانيها: هناك حالة من الجهل بالإسلام الصحيح، وبحضارته الكبرى، نتيجة عقود متصلة من التشويه، ونتيجة تراجع الخطاب الإسلامي، الذي جاء متأخراً، غير مواكب لمستجدات العصر، وللتحديات التي يواجهها المسلم المعاصر، وهو ما يستلزم تحديث الخطاب.
ثالثها: عندما نقرأ مفهوم تجديد الخطاب في دائرة التربية الحضارية، نجده غير مقتصر على الخطاب الإعلامي، وإنما يبدأ ويتأسس في المناهج الدراسية، التي ينبغي أن تغلف موادها الدراسية بالفكر الإسلامي؛ المعتقد، والرؤية، والتصورات، والمفاهيم.
رابعها: الانفتاح على الحضارات الأخرى لا يعني استلاباً أو تبعية، وإنما يعني استفادة ومثاقفة وندية، ويعني أيضاً اعتزازاً بالهوية، فأمة تمتلك تراثاً حضارياً زاخراً، ثم تتنكر له، أو تجهله؛ هي أمةٌ بلا جذور، قابلة لأن تنقاد لا أن تقود.
خامسها: لا بد من استحضار التاريخ الحضاري للمسلمين، فلا يمكن تلقين الطلاب المنظور الغربي، الذي يعلي شأن الحضارة اليونانية والرومانية، ويغمط حق الحضارة الإسلامية، وإن وردت إشارات عنه فهي نتفات، تجعل تمثيل حضارة الإسلام تمثيلاً شائهاً، لا يعبر عن القاعدة العلمية في الحضارة الإسلامية، وإنما مجرد شخصيات فردية.
سادسها: من الواجب إنهاء ثنائية التعليم الديني والتعليم المدني، فهي منقولة من النظام الغربي، الذي يحصر التعليم الديني في مدارس الكنائس، ويجعله مقتصراً على علوم الدين، أما التعليم الحي والمتقدم والحديث فهو التعليم المدني، علماني التوجه.
سابعها: إن التوظيف المعرفي للعلوم الدينية يعني تقديم علوم الدين بخطاب سهل الفهم، بلغة معاصرة، وقضايا راهنة، على أن تبقى المراجع التراثية في دائرة طلاب الدراسات العليا والمتخصصين، ومن هنا تصبح علوم الدين حية، متجددة معرفياً.
ثامنا: لا يمكن للتربية الحضارية أن تتحقق، وتنزل ميدان الواقع إلا على نخبة تؤمن بها، فمن العبث أن نتخيل عقولاً متغربة، تنتصر للنموذج الغربي، يمكن أن تتبنى إستراتيجية التربية الحضارية، ففاقد الشيء لا يعطيه.
تغيير هوية
وفي اليوم الأخير، أُقر تغيير اسم المنتدى من منتدى كوالالمبور إلى «منتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة»، والاسم الجديد يجمع المفكرين من كل أنحاء العالم الإسلامي.