أكد الشيخ داود ما جينغ بنغ، أحد علماء الجمعية الإسلامية الصينية، في حوار مع «المجتمع»، أن الجمعية الإسلامية الصينية منظمة دينية إسلامية وطنية، خاصة بالمسلمين من جميع المجموعات العرقية في الصين، ولها أهداف وأدوار تعليمية وتربوية مهمة في مجتمع المسلمين؛ وهي إعداد الأئمة والمعلمين الأكفاء لحمل قضية الإسلام ونشر تعاليمه السمحة، وبيان الجوهر الحقيقي للإسلام.
بداية، نرحب بكم ونود أن تعرفنا سريعاً على الجمعية الإسلامية الصينية.
– أهلاً ومرحباً بكم، الجمعية الإسلامية الصينية منظمة دينية إسلامية وطنية، خاصة بالمسلمين من جميع المجموعات العرقية في الصين، يقع مقرها الرئيس في بكين، ولها 10 فروع في 10 مقاطعات ومناطق تضم أكثرية مسلمة في الصين.
وقد بدأ التحضير لها بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949م، من خلال عدد من الشخصيات الإسلامية البارزة في الصين من مختلف القوميات، مثل برهان شهيدي، وسيف الدين إبريزي من قومية الأويغور، وما جيان، وبانغ شي تشيان، وما يوهواي من قومية هوي.. إلخ، وعُقد الاجتماع التحضيري لها في يوليو 1952م، وتم الإعلان الرسمي في 11 مايو 1953م، وكانت بذلك أول منظمة إسلامية وطنية موحدة في تاريخ بلادنا، وهي تمثل جسر تواصل بين الحكومة والحزب والمسلمين من جميع المجموعات العرقية، وقد مر على رئاستها عدد من كبار الشخصيات الإسلامية، ورئيسها الحالي هو يانغ فا مين.
ما طبيعة عمل الجمعية الإسلامية؟
– الجمعية الإسلامية هي المنوطة بكل ما يتعلق بشؤون المسلمين في الصين، من جميع مناحي الحياة دينياً واجتماعياً وتربوياً واقتصادياً وسياسياً، فهي التي تشرف على المساجد ونشاطاتها، وتعيين الأئمة وصرف رواتبهم، وتنظيم الأنشطة الدينية والأعياد داخل وخارج المساجد، وتحديد مواقيت الصلاة، وبداية ونهاية الشهور العربية، واستطلاع هلال شهر رمضان ومواقيت الصيام والإفطار ومواعيد الأعياد، تنظيم فريضة الحج.. إلخ.
ما الدور التعليمي والتربوي للجمعية الإسلامية؟
– بلا شك، للجمعية الإسلامية دور تربوي كبير في مجتمع المسلمين في الصين، فهي تشرف على تنظيم التعليم الإسلامي بشقيه، فالتعليم الإسلامي بالصين ينقسم إلى قسمين؛ الأول: التعليم المسجدي، من خلال المدارس الملحقة بالمساجد التي يلتحق بها أبناء المسلمين في سن مبكرة ويتعلمون فيها علوم الدين، حيث يدرسون 13 كتاباً في علوم الدين كالتفسير والحديث والفقه والنحو والصرف.. إلخ، وظهر هذا النظام في القرن السادس عشر وما زال مستمراً ليومنا هذا.
أما النوع الثاني فهو التعليم النظامي الذي ظهر مع بدايات القرن العشرين، من خلال المعاهد والمدارس الإسلامية الأهلية والرسمية، الذي تم توحيده مع بداية الصين الجديدة تحت اسم معاهد العلوم الإسلامية الصينية، وعددها 10 معاهد في 10 مناطق مختلفة في الصين.
كيف يتم اختيار المعلمين الذين يقومون بالتدريس؟
– بالنسبة للمدارس المسجدية، فإن تخريج الأئمة والمعلمين تحت إشراف ثلاثي؛ من مجلس إدارة المسجد ممثلاً في الإمام، وكبار المسلمين في الحي، والجمعية الإسلامية الصينية، ويتم اختيار الأئمة ممن جرى اختبارهم وأثبتوا كفاءة واشتهر عنهم حُسن الخلق والسيرة الحسنة.
أما معاهد العلوم الإسلامية، فكانت في الماضي تعقد مراسم التخرج عندما يُتم الطلاب دراسة عدد من الكتب والمتون العلمية، فيرى الأساتذة أن الطلاب قد أصبحوا أهلاً لحمل رسالة التدريس.
أما الآن، فالأمر مختلف، فقد أصبحت الدراسة محددة بعدد من السنوات، وأصبح الطلاب مطالَبين باجتياز الاختبارات السنوية التي تُعقد لهم، ومن يثبت كفاءته وتفوقه يجري اختياره للعمل في التدريس، ويعقد لهم حفل تخرج كبير يشهده جموع المسلمين، ولحفل التخرج هذا بعض الطقوس، حيث تتم دعوة كبار المسلمين وأئمتهم، وجموع المسلمين في الحي الذي تقع فيه المؤسسة، ويبدأ الحفل بتلاوة القرآن الكريم، ثم تتوالى كلمات الترحيب من كبار المسلمين، التي تتضمن أهمية حمل رسالة الإسلام ودور المعلم في تبليغ هذه الرسالة، والتركيز على فضل طلب العلم، ومكانة العلماء.
ثم يجري بعد ذلك تكريم المتخرجين ومنحهم الشهادات وهدايا التخرج، حيث يقوم الأستاذ بمنح تلميذه الخريج شهادة التخرج، وهي ليست شهادة مكتوبة خطياً فقط؛ بل أيضاً عمامة بيضاء ذات ذنب مقداره 5 أشبار تقريباً، وجُبّة حريرية خضراء، تعتبر لباس شرف له، كما يمنحه بيرقاً حريرياً –يعد دبلوماً له– تكتب عليه عبارات تشير إلى موجز سيرة الخريج وكفاءته في علوم الدين، وتعبر عن أمل المسلمين فيه، ويزخرف البيرق على جانبيه بقطعتين حريريتين مستطيلتين، تكتب عليهما عبارتان متوازيتان تدعوان المتخرج إلى تقديم الخدمات للقضية الإسلامية.
يعتبر هذا اللباس والعمامة والبيرق في مثل هذه الحفلة هدية لا تقل قيمتها عن جائزة عالمية في نظر طلاب العلم، وخاصة أن الأستاذ بنفسه يُلبس تلميذه الخريج هذا اللباس والعمامة أمام الجماهير، وهذا بمثابة وسام شرف كالذي يمنحه الرئيس لأحد قادته أمام الشعب، ثم يأتي بعد ذلك دور أقارب الخريج وأصدقائه فيقدمون له التهنئة والهدايا.
وبعدها يتم تعيين هؤلاء الخريجين للتدريس في معاهد العلوم الإسلامية العشرة، وفي بعض الأحيان، يتم ابتعاث بعضهم لإكمال دراستهم في بعض الدول العربية، وفور عودتهم تُسند إليهم مهام التدريس والإشراف على المعاهد الإسلامية، وقد يتولى بعضهم مناصب عليا في الجمعيات والمؤسسات الإسلامية.
ما أهم الأهداف التربوية للجمعية الإسلامية؟
– للجمعية الإسلامية أهداف وأدوار تعليمية وتربوية مهمة في مجتمع المسلمين في الصين، وهي إعداد الأئمة والمعلمين الأكفاء لحمل قضية الإسلام ونشر تعاليمه السمحة، وبيان الجوهر الحقيقي للإسلام، ورد كل إساءة داخلية أو خارجية قد تمس صورة الإسلام.
هل الالتحاق بالمعاهد والمدارس الإسلامية متاح لأبناء القوميات المسلمة جميعاً؟
– بالطبع، يلتحق أبناء المسلمين من شتى القوميات المسلمة العشر بالمعاهد والمدارس الإسلامية، ويدرسون بها ما شاء الله لهم، ويحصل بعضهم على منح لاستكمال الدراسة الشرعية في عدد من الدول العربية، ولهم جميعاً نفس الحقوق، ويمتعون برعاية الجمعية الإسلامية الصينية.
ويكون التحاق أبناء القوميات المسلمة بمعاهد العلوم الإسلامية تبعاً لمناطق إقامتهم، فمثلاً في العاصمة بكين يتركز أبناء المسلمين من قومية هوي؛ لذا تجد معظم الطلاب في معهد بكين من ذات القومية، وفي مقاطعة تشينغهاي في شمال غرب الصين، حيث يعيش أبناء المسلمين من قوميات هوي ودونغشيانغ وسالار وباوآن، فيلتحق أبناؤهم بمعهد العلوم الإسلامية هناك، وفي منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الأويغور، يلتحق أبناء قوميات الأويغور والقازاق والقرغير والطاجيك والأوزبيك وغيرهم بالدراسة، وهكذا، وهدف هؤلاء جميعاً هو التسلح بالعلم الشرعي وحمل قضية الإسلام ونشر تعاليمه السمحة.
ما أبرز المعوقات التي تواجه الجمعية الإسلامية في قضية التعليم؟
– تواجه قضية التعليم الإسلامي الصيني بعض المعوقات التي قد تعرقل مسيرتها، وأبرزها: العزلة الكبيرة التي عاشها مسلمو الصين، وإهمال إخوانهم في العالم الإسلامي لهم منذ القرون الوسطى؛ التي تسببت في جهل مسلمي الصين بشريعتهم وعقيدتهم الصحيحة، حتى أصبحوا أرضاً خصبة للخرافات، والأمور البعيدة كل البعد عن الدين الصحيح، التي بذل أئمة المسلمين الكثير لتخليصهم وتخليص الدين من كل هذه الشوائب.
كذلك يعاني التعليم الإسلامي من مشكلة أخرى تتمثل في عدم رغبة أبناء المسلمين في الالتحاق بالمدارس والمعاهد الإسلامية، ليعيشوا حياتهم بحرية كأقرانهم –كما يقولون- فيضطر آباؤهم إلى إجبارهم على دخول هذه المدارس، ولذا فإنه أغلب أوقات المعلمين تنقضي في إدارة الطلاب، بدلاً من تربيتهم وتعليمهم.
ما أكثر ما يميز الجمعية الإسلامية الصينية عن غيرها من المؤسسات المشابهة لها في الدول الأخرى؟
– الجمعية الإسلامية مؤسسة دينية وطنية شأنها شأن نظيراتها في البلاد الأخرى، هدفها الاهتمام بشؤون المسلمين وأمور حياتهم، لكن ولأن الصين بلد له طبيعته الخاصة، والدين فيه ليس من أولويات الحكومة وممارسة الشعائر الدينية والوعظ وغيرها تحتاج إلى ضوابط صارمة، واتساع رقعة الصين وتوزع المسلمين في معظم مناطقها؛ يقتضي من الجمعية الإسلامية أن تأخذ ما يخص أمور المسلمين وعلاقاتهم بغيرهم وبالحكومة على محمل الجد، وذلك من خلال وضع نشاطات المسلمين الدينية والتعليمية والاجتماعية والثقافية في إطار رسمي وبشكل منضبط، يفي بالغرض منها، دون أن يجلب صداماً أو صراعاً بينها وبين أي طرف، وهذه مهمة ليست سهلة.
كذلك في حال حدوث خلاف بين المسلمين بعضهم بعضاً، أو بينهم وبين غيرهم، فإن للجمعية الإسلامية دوراً مهماً في سرعة رأب هذا الصدع وعلاجه في أقرب وقت؛ حفاظاً على وحدة الصف الإسلامي الداخلي، وعلى علاقة المسلمين بغيرهم، وهذا ليس بجديد، فقد شهد الماضي القريب بعض الصدامات ومحاولات تشويه الإسلام والمسلمين، تصدى لها كبار المسلمين والجمعية الإسلامية، ووقفت معهم الحكومة موقفاً قوياً، لما للمسلمين ومؤسساتهم من رصيد قوي من الاعتدال والوطنية المشرفة.