المناهج التربوية وسيلة توظفها وزارات التربية في تعديل سلوك الطلاب، وتعمل على تطوير مهاراتهم واتجاهاتهم الإيجابية، وترسخ لديهم العادات والقيم الاجتماعية التي تتوافق مع قيم المجتمع، كما تعمل على تهذيب الأخلاق وتنمية الميول.
وتعد المناهج بما تحتويه من معارف ومهارات واتجاهات وقيم الغذاء الذي تقوم عليه تربية الطلاب، وهي العنصر المحوري في العملية التربوية، ولهذا اهتمت الدول بتطوير المناهج بجميع عناصرها بما يتوافق مع تطور المجتمعات، وما يرافق هذا التطور من تحديات؛ ليستطيع المجتمع السير في ركب المستجدات العالمية.
التربية الإسلامية تساهم في تطوير عقول الطلاب وتحسين أخلاقهم وتنمية قدراتهم وتوظيفها في عمارة الكون
لا يخفى على المتخصصين في العملية التربوية أن التربية المطبقة في البلاد الإسلامية قد أخذت أهدافها ووسائلها من نظريات جون ديوي وتلاميذه ممن يرون التربية وظيفة اجتماعية؛ بمعنى أنها من ضرورات كل جماعة إنسانية تريد أن تحافظ على بقائها وتتطور في سُلم الرقي، وأنها يجب أن تتم في ضوء فلسفة اجتماعية وفي مواقف اجتماعية كذلك، وأن الغاية من التربية خلق مواطنين يقومون بالوظائف الاجتماعية التي منها الإبقاء على الثقافة وترقيتها وإصلاح عيوبها.
من هذا المنطلق نلحظ أن هدف التربية خلق مواطن صالح يقوم بدوره في الإبقاء على ثقافة المجتمع وتهذيبها، وأن هذا المجتمع هو الذي يضع لنفسه الفلسفة التي يريد تكوينها، والقيم والمثل التي يريد من أفراده أن يتمسكوا بها، والمهارات التي يراد منهم إتقانها.
ولكننا إذا نظرنا إلى أهداف التربية في المنهج الإسلامي نجد أن التربية الإسلامية قد ارتفعت عن حدود المواطنة بالمعنى الإقليمي الضيق إلى مستوى أعلى من الأهداف تتمثل في «إعداد الإنسان الصالح».. الإنسان على إطلاقه بمعناه الإنساني الشامل.. الإنسان بجوهره الكامن في أعماقه.. الإنسان من حيث هو إنسان، لا من حيث هو مواطن من هذه البقعة من الأرض أو من ذلك المكان، وذلك معنى أشمل ولا شك من كل مفهوم للتربية عند غير المسلمين.
مناهج التربية الإسلامية
التربية الإسلامية أداة فعالة في تطوير عقول الطلاب، وتحسين أخلاقهم، وتوجيه طاقاتهم، وتنمية قدراتهم، وتوظيفها في عمارة الكون، وتمتاز التربية الإسلامية بالمنهج الشمولي لتربية الإنسان في جميع جوانب شخصيته، وحيث إنها تعمل على تحقيق الكثير من الأهداف التربوية، كتزويد الطلاب بالمهارات اللازمة لعمارة الأرض، وتطوير قدراتهم العقلية، والأخلاقية، وتوجيه طاقاتهم نحو التفاعل الإيجابي مع مجتمعهم وفقاً للمعايير المقبولة المنبثقة عن الشريعة الإسلامية وعادات المجتمع، فالدين علم وعمل، ومعاملات ومنهج شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام).
إهمال مناهج التربية الإسلامية له آثار سلبيـة من حيث التخلف الحضاري وضياع الهوية وانحلال المجتمع
واقع مناهج التربية الدينية في البلاد الإسلامية
واقع مناهج التربية الدينية في البلاد الإسلامية يؤكد وجود تقصير كبير في عموم هذه البلاد، ففي دراسة قامت بها الباحثة رقية أسعد صالح عرار، في جامعة النجاح الوطنية، لنيل درجة الماجستير، أكدت أنها بعد تحليل المحتوى الذي قامت بجمعه وصلت للنتائج التالية:
– تدني مستوى تمثيل القضايا المعاصرة في محتوى المنهج، حيث تم الاكتفاء ببعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
– غياب القضايا الفقهية المعاصرة التي يحتاج إليها الطالب في هذه المرحلة.
– أشادت الدراسة بتجربة دولة الكويت في مجال تطوير مناهج التربية الإسلامية، واعتماد الاتجاهات الحديثة، التي تمثلت في الاتجاه نحو أسلوب الخبرة المنفصلة بين فروع المادة، والاتجاه نحو أسلوب تكامل المعارف في مواضيع المادة، والاتجاه نحو المفاهيم، والاتجاه نحو النشاط.
وتطرقت الدراسة إلى الاتجاهات الحديثة في مداخل تعليم مادة التربية الإسلامية التي تمثلت في الاتجاه نحو الإتقان، والتعاون، وتعليم التفكير، والاتجاه نحو الإثراء.
والواقع يؤكد أن الطالب حين يُنهي تعليمه الثانوي في عموم البلاد العربية والإسلامية، تنتهي صلته الرسمية تماماً بالتربية الإسلامية، وكأن الطالب في المرحلة الجامعية لا يحتاج إلى تعلم دينه وقيم الإسلام وأخلاقه!
غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الطلاب بالإقناع والدليل وليس التقليد الذي يبني لديهم إيماناً متزعزعاً
وليست التربية الإسلامية بأقل شأناً من اللغات الأجنبية، التي تكاد تكون موجودة في جميع مراحل التعليم الآن في أغلب البلاد العربية والإسلامية، من مرحلة الحضانة حتى آخر مراحل التعليم الرسمية وغيرها، والتربية الإسلامية ليست بحاجة إلى المساحة الكبيرة التي تخصص للغات الأجنبية في مناهج التعليم، فإذا كان واضعو المناهج التعليمية قد وجدوا الزمان والمكان فيما يضعون من مناهج لتعليم اللغة الأجنبية على اختلاف تخصصات التعليم الجامعي، فلا نحسب أن تخصيص زمان ومكان للتربية الإسلامية سيسبب مشكلة، بل على العكس، وضع التربية الإسلامية في التعليم الجامعي سيحل مشكلات خطيرة وكثيرة تعاني منها المجتمعات.
إن إهمال مناهج التربية الإسلامية في المدارس والجامعات له آثار سلبيـة خطيرة، من حيث التخلف الحضاري، وضياع الهوية، وضعف القوة، وانحلال المجتمع، ووقوعه عرضة للتيارات الفاسدة، والمتطرفة، فهو يؤدي إلى خروج أجيال بعيدة الصلة عن دينها، لا انتماء لها ولا هوية، جاهزة لتشرب الأفكار الباطلة والمذاهب الضالة والأخلاق المنحرفة.
المأمول من واضعي مناهج التربية الإسلامية
وإذا كان واقع مناهج التربية الإسلامية في عموم البلاد العربية والإسلامية على هذا النحو، فإن المأمول من واضعي مناهج التربية الإسلامية الاستجابة لدخول مستجدات التقنية الحديثة في التعليم، وتبني أهداف ومحتوى وأنشطة تتوافق مع دخول هذه المستجدات في التعليم، وكذلك الاستجابة لطموحات المجتمعات ومتطلبات العصر الحديث، دون إغفال حاجات الطلبة في هذا العصر.
كما نأمل أن يحرص واضعو المناهج في بلادنا على تنشئة الطلاب على:
– الإيمان: من خلال غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الطلاب بالإقناع والدليل، وليس التقليد الذي يبني لديهم إيماناً متزعزعاً أمام الشبهات والتحديات الفكرية، والثقافية.
– مهارات التفكير وخاصة الناقد: من خلال ما ورد في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، التي دعت إلى التفكر والتأمل وتوظيف الدليل في الإقناع.
– القدرة على الحوار والتعايش مع الآخر: فالحوار قيمة أساسية في القرآن الكريم، فالناس مختلفون لا يتحقق الاندماج بينهم إلا بالحوار، وأن يعلموا أن ميزان الأفضلية بين الناس هو تقوى الله تعالى.
– توظيف التكنولوجيا في التعلم الذاتي: فهي الأداة التي يتحدث بها المجتمع المعاصر، ووسيلة الاتصال الفعالة، ووسيلة الانفتاح على المعرفة.
في ضوء ما سبق نوصي واضعي المناهج بما يلي:
– إثراء مناهج التربية الإسلامية بأنشطة تعزز التوجه للتعليم الإلكتروني وتوظيف التكنولوجيا في التعليم.
– تحليل مناهج التربية الإسلامية في ضوء المستجدات والقضايا المعاصرة تحليلاً كمياً، ومن ثم إثراؤها بالقضايا والمستجدات المعاصرة بشكل تراكمي كلما تقدم الطلاب في صفوفهم وفقاً لمصفوفة المدى والتتابع لوحدات الفقه.
– زيادة عدد حصص التربية الإسلامية ليتسنى للمعلمين الاهتمام بعرض القضايا الفقهية المعاصرة خلال الدروس بصورة مثيرة تحفز تفكير الطلاب وتشحذ اهتماماتهم كطرحها في أنشطة إثرائية إضافية.
– إجراء دراسات تقويمية لمحتوى كتب التربية الإسلامية في ضوء القضايا الفقهية المعاصرة بصورة دورية لمسايرة عجلة التقدم المجتمعي وتمثيل ما يستجد من قضايا معاصرة(1).
__________________
(1) مناهج التربية الإسلامية بين الواقع والمأمول، رقية أسعد صالح عرار، جامعة النجاح الوطنية، بتصرف.