أكرم الناس على الله
![](https://mugtama.com/storage/uploads/jA2frLe9ud8bpOzdmiFEUXUpbLYR7fj1yI3oeOvR.jpg)
إن الكريم على الله هو الذي رفع الله منزلته وأعلى قدره وشرّفه بمقام لم يصل إليه إلا مثله أو أحسن منه.
وما أروع هذه المنزلة، التي تشتاق إليها النفوس، وتطمئن بها القلوب، وتتطاول لنيلها الأعناق، وتتسابق إليها الأرواح المؤمنة.
ولا يدرك هذه المنزلة الكريمة إلا من اتصف بصفاتها، وتربى على أصولها، وجاءت أعماله مطابقة لها.
وقد تنوعت الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين صفات الكرام على الله وملامحهم، ويتبين ذلك فيما يأتي:
1- الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
أخبر سيدنا جبريل عليه السلام أن رسولنا، صلى الله عليه وسلم، هو أكرم الناس على الله، ويدل على هذا ما رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أُتِيَ بِالبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَمًا مُسْرَجًا، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: بِمُحَمَّدٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ». وقد أعلن صلى الله عليه وسلم أنه أكرم الناس على الله، حيث روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ خُرُوجًا إِذَا بُعِثُوا، وَأَنَا خَطِيبُهُمْ إِذَا وَفَدُوا، وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ إِذَا أَيِسُوا، لِوَاءُ الحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدِي، وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي وَلَا فَخْرَ». وروى الطبراني في الأوسط عن عَلِيٍّ الْهِلَالِيِّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَكْرَمُ النَّبِيِّينَ عَلَى اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْمَخْلُوقِينَ إِلَى اللَّهِ». وروى النسائي عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ فِي أَبٍ كَانَ لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَطَمَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَاءَ قَوْمُهُ فَقَالُوا: لَيَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ، فَلَبِسُوا السِّلَاحَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ أَهْلِ الْأَرْضِ تَعْلَمُونَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟» فَقَالُوا: أَنْتَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، لَا تَسُبُّوا مَوْتَانَا، فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا» فَجَاءَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ، اسْتَغْفِرْ لَنَا.
2- سيدنا يوسف عليه السلام.
لا يكاد يُذكَر الكرم إلا ويذكر الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف عليه السلام، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ».
وقد تنوعت مظاهر الكرم لديه عليه السلام، فكان كريما في بره بأبيه، وكريما في عطائه لإخوته رغم أذيتهم له، وكريما في معاملته كل الناس من حوله، فكان الكرم صفة ملازمة له، لذا كان عليه السلام كريما على ربه، فقد رفع الله قدره وأعلى شأنه.
3- أهل الإيمان والتقوى والعبادة.
روى ابن ماجه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَعْضِ مَلَائِكَتِهِ». وروى الطبراني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ».
أما أهل التقوى فالدليل على أنهم كرام عند ربهم فلما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ». أي الذين يجدهم الله حيث أمرهم، ولا يجدهم حيث نهاهم، أولئك هم المتقون.
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ»، قَالَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. (الحجرات: 13).
أما أهل الطاعة والعبادة فقد روى الطبراني عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ مُوسَى قَالَ: يَا رَبِّ، أَخْبِرْنِي بِأَكْرَمِ خَلْقِكَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: الَّذِي يُسْرِعُ إِلَى هَوَايَ إِسْرَاعَ النَّسْرِ إِلَى هَوَاهُ، وَالَّذِي يَكْلَفُ بِعِبَادِي الصَّالِحِينَ كَمَا يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بِالنَّاسِ، وَالَّذِي يَغْضَبُ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمِي غَضَبَ النَّمِرِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ النَّمِرَ إِذَا غَضِبَ لَمْ يُبَالِ، أَقُلَّ النَّاسُ أَمْ كَثُرُوا».
4- خير معادن الناس.
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ». فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ». قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِ؟ خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ، إِذَا فَقُهُوا».
ومعنى هذا أن مَن كانَ له أصلٌ شَريفٌ قبل إسلامه ثُمَّ أسلَمَ، فإنَّه يَبْقى على هذا الشَّرفِ إذا صار فَقِيهًا في دِينِه. والأصل الشريف لا يقصد به العائلة الكبيرة أو الغنى المادي فقط، بل يقصد به المعدن النفيس، والأصل الكريم، والصفات الحميدة، والأخلاق الحسنة. فصاحب هذا المعدن النفيس إذا أسلم وحسن إسلامه وفقهه في دين الله كان من أكرم الناس على الله سبحانه وتعالى.
5- أمة الإسلام.
إن خير أمة أخرجت للناس هي أمة الإسلام إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وآمنت بالله، حيث قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110). فإذا أدت الأمة مهمتها كانت أكرم الأمم على الله، فقد روى الترمذي عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ».
6- أهل الجنة.
أفضل الدرجات وأعلى المقامات، هي درجة أهل الجنة، الذين أطاعوا ربهم، ووصلوا إلى هدفهم، وحققوا غايتهم، فهم أكرم الناس على الله سبحانه وتعالى. يدل على ذلك ما رواه الترمذي عَنْ ثُوَيْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً»، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22- 23).